كشف إعلان السلطات المغربية، الأربعاء الماضي، عن اعتقال 3 موالين لتنظيم "داعش"، للاشتباه "بتورطهم في ارتكاب جريمة قتل شرطي أثناء مزاولة مهامه"، عن تحول لافت في تكتيكات واستراتيجية التنظيم، خصوصاً تلك المتعلقة باختيار الأهداف والضحايا.
وبينما تتجه الأنظار حالياً إلى التحقيق القضائي لرصد كافة الارتباطات المحتملة لهذا الاعتداء بخلايا وتنظيمات إرهابية دولية، فإن الحادث غير المسبوق في تاريخ المغرب يضع المؤسسة الأمنية أمام امتحان جديد في الحرب التي تقودها منذ 20 سنة ضد الخلايا المتشددة.
ومع أن المغرب لم يتعرض، قبل مقتل الشرطي في 2 مارس/ آذار الحالي، سوى لهجوم كبير واحد خلال السنوات العشر الماضية (مقتل سائحتين اسكندنافيتين في العام 2018)، إلا أن السلطات تواجه تحديات متزايدة بفعل تنامي ظاهرة الإرهاب والجريمة المنظمة، فضلاً عن التطور السريع الذي عرفه الإرهاب الإلكتروني.
مقاربة استباقية للأجهزة الأمنية
ومنذ صدمة أحداث الدار البيضاء، في 16 مايو/ أيار 2003، التي جاءت في سياق دولي يتسم بارتفاع تحدي الجماعات المتطرفة، خصوصاً بعد أحداث أميركا في 11 سبتمبر/ أيلول 2001، سارعت الأجهزة الأمنية المغربية إلى تغيير تعاملها مع خطر الإرهاب، باعتماد مقاربة استباقية، كان من ملامحها الرئيسة تفكيك الخلايا قبل وصولها إلى مرحلة التنفيذ.
إدريس الكنبوري: الاعتداء يطرح على الأمن المغربي تحديات تتمثل في إعادة النظر ببعض الإجراءات الأمنية
وبدا لافتاً طوال السنوات الماضية نجاح تلك الأجهزة في مقاربتها الاستباقية، حيث تمكنت إلى حد كبير من الحيلولة دون حصول اعتداءات، رغم أن الكثير من الخلايا المفككة كانت قد وصلت إلى درجة متقدمة في التحضير لتنفيذ مخططاتها. وتعلن السلطات المغربية من حين إلى آخر تفكيك خلايا مرتبطة بشكل رئيسي بتنظيم "داعش"، كان آخرها تفكيك واحدة تضم 3 أشخاص، في 9 مارس الحالي، "للاشتباه في تورطهم للتحضير لتنفيذ مخططات إرهابية تهدد الأمن والنظام العام".
ووفق أرقام نشرها المكتب المركزي للأبحاث القضائية، في فبراير/ شباط 2021، فإن الشرطة فككت منذ العام 2002 أكثر من ألفي خلية إرهابية. وتشير معطيات كشفت عنها في مايو الماضي، المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج (مؤسسة رسمية)، إلى أن عدد المعتقلين على خلفية قضايا الإرهاب يبلغ 842 سجيناً، 91 في المائة منهم موالون لتنظيم "داعش".
تطور نوعي في أهداف الإرهابيين
ورأى الباحث في الفكر الإسلامي والجماعات الإسلامية إدريس الكنبوري في الحادث "تطوراً نوعياً خطيراً في أهداف الخلايا الإرهابية بالمغرب، إذ إنها المرة الأولى التي يتم فيها اغتيال شرطي من طرف أفراد منتمين لجماعة متطرفة".
وأضاف: "يعتبر هذا بالنسبة لداعش اختراقاً أمنياً للمغرب، عبر استهداف شرطي يمثل رمزاً للأمن المغربي، لأن استهداف الأمنيين بالنسبة لهذه التنظيمات يعتبر هدفاً منشوداً لها، كونها تعتبرهم حراس الأنظمة الكافرة".
واعتبر الكنبوري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الاعتداء يطرح على الأمن المغربي تحديات تتمثل في إعادة النظر في بعض الإجراءات الأمنية، خصوصاً في بعض المواقع، وفي تسليح رجال الأمن وتخويلهم صلاحيات أكبر في استخدام السلاح في مواجهة حالات أمنية قصوى.
بدوره، اعتبر الخبير في الدراسات الجيوستراتيجية والأمنية الشرقاوي الروداني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الحادث يُعد سابقة في المغرب، على اعتبار أن العملية تضرب المؤسسة الأمنية في شخص الشرطي، بعد أيام قليلة من الإعلان عن تفكيك خلية مرتبطة بـ"داعش".
المغرب مهدّد أكثر من أي وقت مضى
ولفت إلى أن مخططات "داعش"، ورصد تقاطعاته مع التنظيمات المتطرفة خارج البلاد، تُظهر أن المغرب مهدد أكثر من أي وقت مضى، على اعتبار أن النشاط الإرهابي أصبح يتصاعد في منطقة الساحل الأفريقي وداخل القارة الأفريقية، إلى حد يجعلها اليوم مرتعاً للجماعات المتشددة، خاصة تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، اللذين أصبحا مسؤولين عن تنفيذ مجموعة من الضربات الإرهابية داخل القارة الأفريقية.
وبحسب الروداني، فإن تفكيك الخلية المسؤولة عن مقتل الشرطي، وخلايا أخرى كان لها التوجه نفسه المتمثل في ضرب مؤسسات الدولة، يطرح تحديات تبقى رهينة بمجموعة من الاستراتيجيات التي تعمل عليها الجماعات المتطرفة، والمتعلقة باستعمال طائرات بدون طيار وأسلحة كيميائية وبيولوجية، وهو ما سجل في شمال مالي، أخيراً، حيث قتل تنظيم "داعش" 42 جندياً مالياً.
ورأى أن "العمل الكبير للمؤسسة الأمنية المغربية والاستخبارات يبقى محورياً في قدرتها على تحييد مجموعة من الأخطار المحدقة بالتراب المغربي"، معتبراً أن اعتقال الخلية المشتبه بتورطها في مقتل الشرطي المغربي "يظهر مدى يقظة وصلابة المؤسسة الأمنية".
الشرقاوي الروداني: المغرب مهدد مع تصاعد النشاط الإرهابي في منطقة الساحل الأفريقي
وبالنسبة للباحث في "مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث" منتصر حمادة، فإنه من الصعب حسم اعتبار مقتل الشرطي تطوراً في توجه الخلايا المتشددة، على اعتبار أن العمليات الإرهابية تراجعت بفعل تراكم عوامل عدة، بينها أداء المؤسسات الأمنية وانخراط نسبة من الفاعلين الإسلاميين في المراجعات، وأداء مؤسسات أخرى منخرطة بدورها في المواجهة المغربية ضد ظاهرة التطرف العنيف.
حالة فردية في المغرب
ولفت، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنه لا يمكن الحديث عن منعطف، إلا إن كنا أمام فورة في الاعتداءات، بينما الأمر هنا عبارة عن حالة فردية، جاءت بعد خمس سنوات ونصف السنة من اعتداء منطقة شمهروش، في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2018، وأدى إلى مقتل سائحتين اسكندنافيتين.
واعتبر حمادة أن الأمن المغربي يواجه تحديات مركبة، لا تنحصر في المجال الجغرافي، وإنما هي مرتبطة بالتطورات التي تمر المنطقة فيها، خاصة الساحل الأفريقي.
وأوضح أنه في مقابل أداء نوعي للمؤسسات الأمنية المغربية محلياً، فإن الأمر مختلف على الصعيد الإقليمي بسبب تراكم مجموعة من الظروف التي تصب في مصلحة الظاهرة الإرهابية، من قبيل الصراعات بين بعض دول المنطقة، وانتشار الفقر والهشاشة الاجتماعية، والصراعات الإقليمية القائمة بين قوى دولية، وما يصدر عن المشروع الإيراني وجبهة "البوليساريو" وفاعلين آخرين، بالإضافة إلى الصراعات القبلية، وكبر منطقة الساحل، وصعوبة أو استحالة مراقبة كل المجال الترابي بكفاءة نوعية تحول دون وقوع مثل الاعتداءات.
وتابع حمادة: "هذه عوامل، ضمن أخرى، تجعل المؤسسات الأمنية المغربية تواجه إكراهات كانت في غنى عنها، لكنها إكراهات موضوعية لا مفر من مواجهتها. وأعتقد أن الخبرة الأمنية التي راكمها المغرب في مواجهة الظاهرة، تخول له أن يبقى في مقدمة دول المنطقة للتصدي للظاهرة والتحديات اللصيقة بها".