هيمنت على الصومال على مدى عقدين أنظمةٌ سياسية وانتخابات غير مباشرة، إذ يتمتّع رجال العشائر بدور بارز في عملية اختيار الناخبين الذين يختارون أعضاء البرلمان، وتحديد شكل النظام السياسي والانتخابي منذ عام 2004. وقد أدى هذا الأمر إلى أزمات سياسية وأمنية، نتيجة إشكاليات كبرى في الدستور المؤقت الذي كُتبت ديباجيته الأولى في عام 2012.
إلا أن الإعلان عن التحول إلى الانتخابات المباشرة بحلول نهاية 2024، ضمن مقررات الاجتماع التشاوري لرؤساء الولايات الفيدرالية (جنوب غرب الصومال عبد العزيز محمد حسن، وهرشبيلي علي جودلاوي، وجلمدغ أحمد قورقور، وجوبالاند أحمد إسلام مدوبي) والرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الحكومة الفيدرالية حمزة عبدي بري، في 27 مايو/ أيار الماضي، يُثير جدلاً كبيراً في الأوساط السياسية في البلاد.
وفي حين فسّرت ولاية بونتلاند هذا الأمر بأنه قفز على الدستور وخروج عن المألوف، يعتبر العديد من الوجهاء السياسيين، أبرزهم الرئيس الأسبق شريف شيخ أحمد ورئيس الوزراء الأسبق حسن علي خيري، أنّ مقررات الاجتماع التشاوري انتهاك سياسي ومخالفة للدستور المؤقت.
عبد الرحمن عبدي: الحكومة الفيدرالية لم تطرح حتى الآن نظاماً انتخابياً واضح المعالم
ووفق بنود الاجتماع التشاوري، فإنه من المقرر أن يتم تطبيق هذا النظام في الانتخابات المحلية، المقرر أن تُجرى في 30 يونيو/ حزيران 2024، قبل انتخابات أعضاء البرلمانات ورؤساء المناطق في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه.
خطة إصلاح شاملة للنظام السياسي
وكانت الحكومة الفيدرالية قد وافقت، الخميس الماضي، على خطة إصلاح شاملة للنظام السياسي في الصومال، تنصّ على إجراء الانتخابات، بناء على الاقتراع العام، اعتباراً من سنة 2024 والانتقال إلى نظام رئاسي.
وأعلن المتحدث باسم الحكومة فرحان جمعالي، في مؤتمر صحافي عقب اجتماع مجلس الوزراء الخميس الماضي، أن الحكومة ستشرع في تطبيق بنود مقررات الاجتماع التشاوري الذي عقد في 27 مايو بين رؤساء الولايات الفيدرالية والحكومة لتنظيم الانتخابات المباشرة.
وأوضح جمعالي أن الحكومة الفيدرالية طلبت من الجهات والمؤسسات المختصة سن التشريعات والقوانين لتطبيق مقررات الاجتماع، وأن تكون منسجمة مع بنود الدستور، تمهيداً لتقديم المشروع إلى المجالس التشريعية في البلاد.
وبحسب متابعين، فإن تنظيم انتخابات مباشرة بحلول نهاية 2024 دونه عقبات وتحديات كثيرة أمنية واقتصادية، تتمثل في تسجيل الأحزاب السياسية، وتوفير إمكانات لوجستية، وتأهيل العاملين في تنظيم العملية الانتخابية، بهدف تسجيل الناخبين، مررواً بإعداد صناديق الاقتراع، وانتهاء بضمان أمن الناخبين والموظفين.
تنظيم الاقتراع المباشر ليس سهلاً
في هذا السياق، يقول مدير مركز مقديشو للبحوث والدراسات عبد الرحمن عبدي، لـ"العربي الجديد"، إن تنظيم اقتراع مباشر في الصومال ليس سهلاً.
ويوضح أن تنظيم اقتراع شعبي يحتاج إلى توفير موارد ومقدرات الدولة، والأهم من ذلك يجب أن يكون هناك استقرار أمني وسياسي، وبالتالي، فإن إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وبلدية في خمس ولايات صومالية، خلال عام ونصف العام، أمر في غاية الصعوبة، لأن هناك تحديات سياسية وأمنية، من المحتمل أن تعيق تحقيق هذا الاستحقاق، الذي كان مطلباً شعبياً منذ الانقلاب العسكري في 1969.
ويلخص عبدي أبرز تلك التحديات، والتي تتمثل في غياب الاستقرار السياسي، حيث لا يوجد توافق بين الأقطاب في البلاد على تنظيم اقتراع شعبي، فيما يحاول كل طرف حماية مصالحه السياسية، ولديه هواجس من مآلات الانتخابات وما ستفرزه من خريطة سياسية جديدة.
ويشير إلى أن ولاية بونتلاند رفضت مقررات الاجتماع التشاوري بين الولايات والحكومة الفيدرالية، وهي ترفض كل الإجراءات التي تقوم بها مؤسسات الحكومة المركزية وتعتبرها ورقة سياسية، الهدف منها تمديد فترة ولاية الحكومة الحالية.
خلافات حول تعديل بنود في الدستور
ويوضح أن هناك خلافات كبيرة بين الفرقاء السياسيين بشأن طريقة إجراء تعديلات في بعض بنود الدستور الصومالي المؤقت، خصوصاً ما يتعلّق بشكل الحكم في البلاد، ما إذا كان رئاسياً أم برلمانياً، وهذه التعديلات ضرورية لتنظيم الانتخابات في الصومال التي لم تشهد عملية اقتراع مباشر منذ أكثر من 30 سنة.
ويشير عبدي إلى أن هذه الانتخابات تتزامن مع انتهاء فترة ولاية معظم رؤساء الولايات الإقليمية (جوبالاند وجلمدغ وجنوب غرب الصومال) قبل موعد الانتخابات، وبالتالي فإن قادة قوى المعارضة في تلك الولايات يعتبرون أن الأمر لا يعدو كونه رغبة في تمديد فترة ولاية هؤلاء الرؤساء، وهم يصفون مخرجات مؤتمر قيادات الحكومة الفيدرالية، الذي عُقد في مقديشو نهاية مايو الماضي، بأنه مجرد "زوبعة في فنجان".
وحول إمكانية توفير غطاء أمني لإجراء الانتخابات، يقول عبدي إن الوضع الأمني في الصومال ما زال هشاً، رغم تحسن الأوضاع في مقديشو وعدد من الأقاليم التي عادت إلى حضن الدولة، بيد أن مقاتلي حركة "الشباب" ليسوا بعيدين عن المناطق المحررة، وهم يسيطرون على مناطق شاسعة في جنوب وغرب البلاد، وبالتالي فإن كثراً يشككون في إمكانية إجراء انتخابات شعبية في تلك المناطق.
تساؤل حول شكل النظام الانتخابي
ويتساءل عبد الرحمن عبدي عن شكل النظام الانتخابي الذي تعدّه الحكومة الفيدرالية، مشيراً إلى أنها لم تطرح حتى الآن نظاماً انتخابياً واضح المعالم، وما طرحته يعدّ بمثابة مقترح لتنظيم اقتراع شعبي بالقائمة المغلقة، وفي غضون أقل من عامين.
ديني: هناك مجموعة تعقيدات تواجه إجراء الانتخابات، أبرزها عدم استتباب الأمن، وغياب المصالحة بين العشائر
ويوضح أن هذا الأمر يحتاج إلى مناقشات كثيرة ومكثفة، سواء على المستوى الرسمي والشعبي، في ظلّ تساؤلات كثيرة حول هذا النظام الانتخابي، وكيف يمكن تطبيقه على أرض الواقع، وهل يؤدي إلى انتخابات حرة ونزيهة، أم أنه يعطي مرة ثانية فرصة غير متكافئة للرؤساء الحاليين، ويمهد لهم الطريق للعودة إلى الحكم مرة أخرى؟
ويعتبر أنه مع وجود كل هذه التحديات فإنه من المستحيل تنظيم انتخابات شعبية خلال تلك الفترة، وكل الخطوات التي تقوم بها الحكومة الحالية هدفها فقط تحريك المياه الراكدة، ومعرفة توجهات السياسيين استعداداً للفترة المقبلة.
الانتخابات المباشرة فرصة للجميع
من جهته، يقول رئيس حزب "هلدور" (مستقل) عبد الرحمن ديني، لـ"العربي الجديد"، إن تنظيم انتخابات مباشرة في البلاد تمثل فرصة للجميع، خصوصاً الأجيال التي ولدت عقب الحرب الأهلية، والتي تتوق إلى المشاركة بالعملية السياسية وانتخاب من يحق لهم تمثيلهم في المجالس التشريعية والتنفيذية.
لكن ديني يحذّر من وجود مجموعة تعقيدات تواجه إجراء الانتخابات، أبرزها عدم استتباب الأمن، وغياب المصالحة بين العشائر في البلاد، وعدم تكافؤ الفرص بين الجهات السياسية للمشاركة في العملية الانتخابية.
ويشير ديني إلى أن بعض العشائر تؤمن أن تنظيم اقتراع مباشر ينسف حقوقها السياسية، إذ هناك تفاوت كبير في نسبة التعداد السكاني بين القبائل في البلاد، وهو ما يجعل بعض القبائل تفقد المميزات التي تحصل عليها خلال تقاسم ثروات البلاد، هذا فضلاً عن ضعف الموارد المالية لدى الحكومة الفيدرالية. ويشدد على أنه من دون توفر إمكانات مادية ولوجستية لا يمكن تنظيم اقتراع مباشر في البلاد.
ويرى ديني أنه بعد التغلب على حركة "الشباب" وضبط الأمن في البلاد، والحد من دور وتأثير السياسيين الذين يلجؤون إلى العنف وخلق الفوضى في البلاد، وإجراء تعديلات دستورية، يمكن تنظيم انتخابات مباشرة جزئية في بعض المناطق، خصوصاً مقديشو، ويمكن أن تصبح بالون اختبار لتعميم الاقتراع المباشر في جميع البلاد.
عقبة الدستور
أما مدير شبكة "مستقبل" أحمد عبدي عينب فيقول، لـ"العربي الجديد"، إن عملية تنظيم اقتراع مباشر في الصومال تتطلّب أولاً إجراء تعديل شامل للدستور، بهدف التحول إلى نظام سياسي جديد في البلاد، موضحاً أن النظام السياسي الراهن مزيج من النظام البرلماني والرئاسي.
وحول تنظيم انتخابات مباشرة في البلاد، يحذر عبدي عينب من أن ما يحصل عبارة عن قفز إلى المجهول، من خلال تبني نظام سياسي جديد وانتخابات مباشرة قبل تهيئة أرضية مناسبة وأجواء سياسية وأمنية هادئة. ويوضح أن عملية تنظيم اقتراع مباشر حق طبيعي يمارس في بعض الولايات الفيدرالية في الصومال، مثل بونتلاند، التي شهدت انتخابات شعبية أواخر مايو الماضي، على الرغم من وجود خلافات حول آلية تنظيم تلك الانتخابات.
ويوضح عينب أن مسألة إعادة تأهيل المناطق المحررة من سطوة "الشباب" في جنوب ووسط البلاد تمثل أيضاً تحدياً كبيراً، فالكثير من سكان المناطق، التي سيطرت الحركة عليها لأكثر من 15 سنة، لا يعرفون نظام الدولة الحديثة ولم يألفوا شكلها من قبل.
ويشير عينب إلى إمكانية إجراء انتخابات مباشرة في بعض الولايات الفيدرالية، مثل هرشبيلي التي حُرر معظم مناطقها من قبضة "الشباب"، وجلمدغ التي لا تزال الحركة تسيطر على مناطق قليلة فيها.
لكن عينب يوضح أن هناك تعقيدات كبيرة في ولايتى جوبالاند وجنوب غرب الصومال لتطبيق نموذج انتخابي مباشر حالياً، بسبب التحديات الأمنية من جهة وضعف الموارد المالية والبشرية بشكل عام، لكن إذا تمكنت الحكومات المحلية من طرد "الشباب" من مناطقها، فإنه يمكن بعدها تنظيم الاستحقاق الانتخابي المنشود مع حلول نهاية 2024.