لا يزال الغموض يلف حقيقة العملية الأمنية التي أطلقتها حكومة الوحدة الوطنية الليبية في مدينة الزاوية، منذ الخميس الماضي، وسط انقسام كبير في الآراء بشأن حقيقة هدفها المعلن من جانب الحكومة، بعد أن قالت إنه يتمثل في استهداف "أوكار عصابات تهريب الوقود وتجارة المخدرات والاتجار بالبشر".
ووسعت الحكومة من ضرباتها الجوية التي بدأت باستهداف مواقع داخل مدينة الزاوية، في أحياء المطرد والحرشة والماية وأبو صرة ومحيط الميناء، لتطاول، منذ مساء أول من أمس السبت، مواقع أخرى في بئر الغنم، جنوب الزاوية، ومدن صبراتة وصرمان والعجيلات، غربي المدينة.
المشري: الدبيبة يريد القول إن يدي طويلة وتستطيع أن تصل حتى إلى بيوتكم
وأعلنت الحكومة في طرابلس مسؤوليتها عن "ضربات جوية دقيقة وموجهة ضد أوكار عصابات تهريب الوقود، وتجارة المخدرات، والاتجار بالبشر، في منطقة الساحل الغربي"، بحسب بيان لوزارة الدفاع بالحكومة.
وأوضحت أنها جرت "بمتابعة مباشرة من رئيس الحكومة" عبد الحميد الدبيبة و"حققت أهدافها المرجوة". وفيما أكد بيان الحكومة أن العملية "لن تتوقف إلا بتحقيق جميع أهدافها"، دعا "جميع المواطنين إلى التعاون التام مع القوات العسكرية والأركان العامة في العمليات العسكرية".
وجاءت العملية الأمنية على خلفية حراك شعبي في مدينة الزاوية، عبر تنظيم تظاهرات مطالبة بتوفير الأمن والحد من تفشي الجريمة، ومكافحة المليشيات المسيطرة على المدينة، المتورطة في أنشطة تهريب الوقود والمهاجرين والاتجار بالمخدرات.
وإثر تزايد التظاهرات في الزاوية، كلف المجلس الرئاسي، بصفته القائد الأعلى للجيش، رئيس الأركان الفريق محمد الحداد بـ"وضع خطة عاجلة لمحاربة الجريمة والانفلات الأمني وتحسين الوضع المعيشي والأمني في مدينة الزاوية بدعم كامل من رئيس الحكومة" في طرابلس، فيما تعهد الحداد بضبط الوضع الأمني بالمدينة خلال لقائه بعدد من المتظاهرين.
قصف منزل النائب علي أبوزريبة في الزاوية
ولقيت العملية الأمنية التي أطلقتها الحكومة، وبدأت بقصف مواقع المسلحين في الزاوية، معارضة من جانب عضو مجلس النواب عن المدينة علي أبوزريبة، الذي اتهم الحكومة باستهداف منزله. وأعقب ذلك صدور بيان من شقيقه عصام أبوزريبة، وزير الداخلية بالحكومة المكلفة من مجلس النواب، استنكر فيه القصف، وطالب مكتب النائب العام بضرورة فتح تحقيق و"مباشرة الإجراءات القانونية ومحاسبة من كان وراء قصف مدينة الزاوية".
ووصف عصام أبوزريبة خطوة الحكومة في طرابلس بـ"الأفعال والتصرفات غير المدروسة، والإفراط في استعمال القوة"، مشيراً إلى أن هذه الأفعال من شأنها إشعال فتيل الحرب بين السكان وإفشال المصالحة الوطنية.
وفيما دانت رئاسة مجلس النواب في بيان لها استهداف منزل أبوزريبة بالقصف، لم تبين بشكل واضح موقعها من قصف مواقع المسلحين المتورطين في أنشطة تهريب الوقود والمهاجرين وتجارة المخدرات، لكن رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، المتحدر أيضاً من الزاوية، فتح النار على الدبيبة واتهمه باستغلال الحراك الشعبي في الزاوية لتصفية خصومه السياسيين.
وقال في تصريحات لتلفزيون "المسار" الليبي، ليل السبت، إن "القصف بالطيران المسيّر رسالة من الدبيبة إلى النائب علي أبوزريبة وللنواب ولكل من يتحدث عن حكومة أخرى"، معتبراً أن "الدبيبة يريد القول إن يدي طويلة وتستطيع أن تصل حتى إلى بيوتكم".
وربط المشري بين بدء عملية القصف الجوي وبين "اصطحاب أبوزريبة مجموعة من الأعيان والنواب عن المنطقة الغربية لزيارة (رئيس مجلس نواب طبرق) عقيلة صالح، للمطالبة بتشكيل حكومة موحدة لكل ليبيا، وهو ما أزعج الدبيبة".
وأضاف المشري: "الدبيبة لم يكن ضمن الإطار المُكلف بمحاربة الجريمة في الزاوية، فهذا العمل كان مكلفاً به رئيس الأركان محمد الحداد، لكن الدبيبة تسلم الملف من دون سابق إنذار وحدد أهدافاً من دون التنسيق مع ضباط الزاوية. وكان أول هدف هو موقع يملك النائب أبوزريبة سيطرة عليه بالإضافة للمنطقة السكنية التي يقطنها أبوزريبة".
وأكد المشري أنه اتصل برئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس الأركان محمد الحداد، وآمر منطقة الساحل العربي العسكرية صلاح الحمروش، ونفوا له علمهم بالعملية أو التنسيق معهم فيها.
حسام بشينة: القصف لم يطاول مجموعات موالية للحكومة متورطة بأنشطة مخالفة
واتهم المشري الدبيبة بالسعي للسيطرة "على ملف التهريب وإدارته وليس انهائه"، قائلاً إن إبراهيم الدبيبة (مستشار الدبيبة وابن عمه الأقرب) وصدام حفتر (نجل اللواء المتقاعد خليفة حفتر) متورطان في التهريب"، مشيراً إلى أن تعيين فرحات بن قدارة، المقرب من حفتر، رئيساً لمؤسسة النفط كان أولى الخطوات في هذا الاتجاه.
ومنذ بيانها الخميس الماضي، لم تعلن الحكومة عن تفاصيل إضافية حول نتائج عمليتها، فيما لزم المجلس الرئاسي ورئاسة الأركان والمنطقة العسكرية بالساحل الغربي الصمت من دون تعليق.
وتحدث الناشط السياسي من مدينة الزاوية حسام بشينة، لـ"العربي الجديد" عن استمرار الانقسام في أوساط أهالي المدينة حيال العملية، موضحاً أن "طيفاً من الأهالي تنفس الصعداء، خصوصاً أنه لم يخطر بالبال يوماً أن يعيش المسلحون، الذين ضيقوا على الناس ونشروا الجريمة واستعانوا بالمهاجرين لتجنيدهم في صفوف مليشياتهم، تحت الرعب والخوف كما يحدث لهم هذه الأيام. ولذا فهناك ترحيب في أوساط سكان المدينة من جانب".
وتابع: "ومن جانب آخر، يبدو الأمر غير مطمئن، فالقصف لم يطاول مواقع مسلحين موالين للحكومة متورطين أيضاً في أنشطة التهريب والممنوعات والقبض والابتزاز والانتهاكات الواسعة". ولفت بشينة إلى أن هناك "مخاوف من أن تؤدي العملية إلى تقوية المجموعات المسلحة الموالية للحكومة، وتواصل أنشطتها، وعندها تزيد الوضع سوءاً".
وحول تفاصيل توزع القوى المسلحة وولائها، أوضح بشينة أن تركيبة المجاميع المسلحة في الزاوية معقدة بسبب تبدل ولاءاتها للحكومات المتعاقبة، وتغيّر تحالفاتها بعضها مع بعض، لكن أهمها وأكبرها تبين بشكل أكبر مع انقسامها في الولاء بين الحكومتين. وأشار إلى أن "أكبر فصيلين مسلحين هما فصيل قوة الإسناد الأولى التي يقودها محمد بحرون، الموالي للدبيبة، في طرابلس. أما الفصيل الثاني فيقوده حسن أبوزريبة، ويتبع جهاز دعم الاستقرار بحكومة الدبيبة، قبل أن يصبح موالياً لحكومة مجلس النواب"، موضحاً أن حسن هو شقيق عصام وعلي.
وضمن أكبر فصيلين تقع ولاءات الفصائل الأخرى، بحسب بشينة، مشيراً إلى أن "الكتيبة 103 بقيادة عثمان اللهب، وفرع حرس المنشآت النفطية بقيادة محمد القصب الذي يؤمن مصفاة النفط بالمدينة، يؤيدان قوة الإسناد الأولى الموالية للدبيبة".
وأوضح أنه "وفي الجانب الآخر يوجد فصيل عمر شوية الذي يعمل تحت مسمى جهاز البحث الجنائي، وفصيل محمد السيفاو الذي يعمل تحت مسمى وحدة التحري، المواليان لأبوزريبة".
صالح السائح: أهداف عملية الزاوية توحي بأنها متصلة بالصراع السياسي
وعلى الرغم من ذلك، أشار بشينة إلى أن توسع الضربات الجوية لتضم مواقع تهريب المهاجرين والوقود في مناطق خارج مدينة الزاوية: "خلق نوعاً من الأمل في أوساط الأهالي".
وقال: "ربما الاتهامات، التي وجهت للدبيبة بشأن استهدافه مواقع خصومه السياسيين، اضطرته لتوسيع نطاق العمليات الجوية للخروج من دائرة الاتهامات، وفي جميع الأحوال، ستستفيد المنطقة من خفض نفوذ وقوة تلك المليشيات وجرائمها".
خشية من عملية برية تطلقها حكومة الدبيبة
وعبّر الباحث في جامعة الزاوية صالح السائح عن مخاوفه من مخاطر أي عملية برية يمكن أن تطلقها الحكومة، ما سيجر المنطقة إلى حرب واسعة تغذيها الخلفيات القبلية المنقسمة حيال الحكومتين، معتبراً في حديث مع "العربي الجديد" أن "أهداف العملية أبعد من استهداف أوكار الجريمة والتهريب، وتتعلق بالتحركات العسكرية التي تشهدها المنطقة الغربية بقيادة أسامة الجويلي الموالي لحكومة مجلس النواب".
وبرأي السائح، فإن "معسكرات غرب وجنوب غرب طرابلس شهدت تحركات عسكرية في الآونة الأخيرة، من أجل الإعداد لإطلاق عملية عسكرية جديدة في اتجاه طرابلس بتحالف بين الجويلي وفصائل في الزاوية".
وأشار إلى أن بيان حكومة الدبيبة بشأن العملية الحالية في الزاوية تحدث عن أنها "تستهدف الساحل الغربي، وليس الزاوية فقط، ما يوحي أن أهداف العملية على علاقة بالصراع السياسي".
ولفت السائح إلى أن مناطق شرق طرابلس مراكز نشطة للتهريب، موضحاً أن "القربولي تقع شرق طرابلس بنفس المسافة التي تفصل العاصمة عن الزاوية، وتتمركز مراكز التهريب في مواقع عدة وصولاً إلى مصراتة، فلماذا التركيز على الساحل الغربي وحده؟".
ورجح السائح أن "العملية تحصل في سياق إجراءات تتعلق بالتحالف غير المعلن بين الدبيبة ومعسكر حفتر، فما يجري الآن هو تصفية أذرع فتحي باشاغا، بعد استبعاده من رئاسة حكومة مجلس النواب، في الزاوية، وتحديداً أبوزريبة، أو قطع الطريق أمام الجويلي".
وعبّر عن اعتقاده بأن مفاوضات الدبيبة ومعسكر حفتر: "وصلت إلى مرحلة متقدمة، ونجحت في إقناع أطراف دولية وإقليمية، وإلا فلماذا هذا الصمت الخارجي حيال ما يحدث من استخدام سلاح متطور كالطيران المسيّر، إن لم يكن بمثابة ضوء دولي أخضر للدبيبة خضع له الجميع، بما فيهم المجلس الرئاسي ورئاسة الأركان"، منبهاً إلى التزام كل السفارات الأجنبية، التي كانت تهتم بأدق التفاصيل، الصمت المطبق، حيال عملية الزاوية.
وتابع السائح: "إن ما أشار إليه المشري من تحرك أبوزريبة باصطحاب أعيان من المنطقة الغربية لزيارة عقيلة صالح، للمطالبة بتشكيل حكومة، صحيح، لكن المشري أغفل أنه وعقيلة صالح كثّفا أيضاً في التوقيت نفسه من مطالباتهم بتشكيل حكومة بديلة، في سياق مساعيهم لإقصاء الدبيبة من المشهد، فتصريحات المشري النارية ضد الدبيبة تكشف في الحقيقة عن محاولات حثيثة لإفشال أي صفقة بين الدبيبة وحفتر".
وأقرّ أن التكهن بأهداف عملية الدبيبة "صعب ضمن المعطيات الحالية، وبالنظر إلى أن الدبيبة طرف سياسي كغيره من الشخصيات الأخرى المتنافسة، لكن ما يمكن تأكيده حتى الآن أن أهداف هذه العملية سياسية في المقام الأول، ولا علاقة لها بمليشيات التهريب وأوكار الجريمة المنتشرة حتى داخل العاصمة".