التعيينات الجديدة في وزارة الخارجية الجزائرية: استعادة دور أم تضخم إداري؟

08 سبتمبر 2021
وُضع المساعدون السبعة تحت إمرة لعمامرة (توبياس شفارتس/فرانس برس)
+ الخط -

لا يزال استحداث الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أخيراً، لسبعة مناصب جديدة لمساعدين لوزير الخارجية رمطان لعمامرة، مكلفين بملفات دولية، يثير مزيداً من النقاش السياسي الداخلي، ولا سيما حول دوافع وضرورات هذه الخطوة، ومدى فاعليتها في سياقات المجهود الدبلوماسي الإقليمي والدولي للجزائر، وعلاقتها بالخيارات الإقليمية الجديدة التي تعلنها الدولة، ورغبتها في استدراك حالة فراغ سابقة.
ووافق تبون أخيراً على خطة عمل دبلوماسية اقترحها لعمامرة، تقضي باستحداث مناصب لسبعة مساعدين له، أحدهم مكلف بقضية النزاع في الصحراء والعلاقات مع دول المغرب العربي، هو الدبلوماسي اعمر بلاني، ومساعد مسؤول عن قضايا الأمن الدولي، هو أحمد بن يمينة، ومساعد مكلف بالقضايا الأفريقية والمسائل الجيو-استراتيجية في منطقة الساحل والصحراء، وكُلف بهذا المنصب بوجمعة ديلمي. كذلك، تم تعيين طاوس جلولي مساعدة مكلفة بملف الجالية الوطنية المقيمة في الخارج، فيما تم تعيين وزير المالية الأسبق عبد الكريم حرشاوي مساعداً مكلفاً بالدبلوماسية الاقتصادية، ونور الدين عوام مساعداً مكلفاً بملف الدول العربية، وليلى زروقي مساعدة مكلفة بملف الشراكات. ووُضع المساعدون السبعة تحت السلطة المباشرة لوزير الخارجية، وتتعلق مهامهم بشكل خاص بتقديم التحليلات والتقديرات الاستباقية، بهدف تعزيز دور الجزائر الدبلوماسي والدفاع عن مصالحها.

كاحي: التعيينات الجديدة هي تأكيد لمكانة السياسة الخارجية في أجندة الرئيس

في السياق، يبدي الباحث المتخصص بمتابعة ملف العلاقات الدولية والإقليمية في منطقة الساحل مبروك كاحي حماسة للهيكلة الجديدة لمنظومة العمل الدبلوماسي، ويؤكد في حديث مع "العربي الجديد"، أن "التعيينات الجديدة هي تأكيد لمكانة السياسة الخارجية في أجندة الرئيس، والتعويل عليها كثيراً، والهدف منها جعل الدبلوماسية الجزائرية منتجة للثروة وليس فقط للحلول السياسية، وضمان الأمن في المحيط، من خلال تعزيز الحل السياسي في ليبيا وتنظيم الانتخابات هناك، والعودة للنظام الدستوري في مالي، فضلاً عن إعطاء دفعة قوية لحل نهائي لقضية الصحراء، وإيجاد استثمارات اقتصادية". ويرى كاحي أيضاً أن "التعيينات الجديدة هي بمثابة دعم للوزير لعمامرة ومده بآليات جديدة للتحرك بانسيابية في حقل مليء بالألغام، ونقل الدبلوماسية من وضعية الدفاع إلى وضعية الهجوم، ومن الانحصار إلى الانتشار، وهو أمر يتناسب مع الدور الجديد للجزائر، التي أعلنت عن نفسها قوة إقليمية في المنطقة، وذلك على لسان تبون وقائد الجيش الفريق السعيد شنقريحة"، معتبراً أن "وجود مساعدين لوزير الخارجية مكلفين بملفات معينة، هو إجراء معتمد في معظم الدول ذات البعد الإقليمي".

ويضع كاحي التعيينات الجديدة ضمن "خطوات إصلاح الجهاز الدبلوماسي"، ويوضح أن "الجهاز الدبلوماسي تضرر كثيراً خلال فترة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، لكنه بقي قوياً وعاد بقوة للواجهة، ولا أدل على ذلك من مؤتمر دول جوار ليبيا الذي انعقد أخيراً في الجزائر، وكان ناجحاً بامتياز؛ سواء من حيث الحضور الرفيع المستوى للدول، أو من حيث مخرجاته. ومن هنا، تبرز أهمية دور المعيّنين أخيراً والذين سيكونون أمام مسؤولية إعداد تقارير دقيقة، يتحرك وفقها لعمامرة والدبلوماسية الجزائرية بتوجيه من الرئيس، على اعتبار أنه الموجه الأول للسياسة الخارجية، وفقاً للدستور، وإعادة هندسة الأداء الدبلوماسي الجزائري".

وتطرح السياقات السياسية، الإقليمية والدولية، التي جاءت فيها خطوة تعيين مساعدين لوزير الخارجية مكلفين بملفات خاصة، أسئلة كثيرة. ومن بين هذه الأسئلة ما إذا كانت الخطوة ضمن تحوّلات وهندسة جديدة للدور الدبلوماسي، الذي تستهدف السلطة السياسية الجديدة في الجزائر تنفيذه إقليمياً بعد فترة فراغ امتدت لسبع سنوات كاملة، بين عامي 2013 و2019، بسبب الغياب الذي نتج عن مرض بوتفليقة، أم أن الخطوة إعلان عن انتقال الجزائر نحو دبلوماسية استباقية، واستدراك التأخر وبعث ديناميكية جديدة على مستوى العمل الدبلوماسي والحشد (اللوبيينغ) في قضايا عدة مهمة بالنسبة للجزائر، ولا سيما في سياق دولي وإقليمي خاص جداً بالنسبة للأخيرة، بعد التطورات المستجدة أخيراً والأزمة مع المغرب، والتهديدات والتدخلات المتأتية من الاحتلال الإسرائيلي بعد حديث وزير خارجية الاحتلال يئير لبيد، خلال زيارته الأخيرة في 12 أغسطس/ آب الماضي إلى الرباط، عن "هواجس بلاده إزاء الدور الذي تلعبه الجزائر في المنطقة وتقاربها مع إيران، والحملة التي قادتها ضد قبول إسرائيل عضواً مراقباً في الاتحاد الأفريقي".

وفي السياق، عبّر أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر محمد حسين دواجي، في تصريح صحافي أخيراً، عن اعتقاده بأن "هذه التعيينات اليوم، تعكس مدى تأثير الفراغ الذي نجم عن الجمود الدبلوماسي لسنوات. فحالة الفراغ أدت إلى اختلال التوازن الدبلوماسي في المنطقة، وتراجع دور الجزائر لصالح دول أخرى لها ارتباطات وأجندات تتعارض أحياناً مع المصالح الجزائرية. وهذه التعيينات تأتي ضمن مسعى الجزائر لاستدراك عملية توازن القوة والنفوذ في المنطقة، خاصة في ملفات كبرى كقضية الساحل، والصحراء، والأزمة في ليبيا، والتعاون في منطقة المتوسط، والعلاقات العربية، والعلاقات الأفريقية، وقضايا الأمن الدولي، وأيضاً في ظلّ التهديدات التي أصبح يشعر بها المسؤولون في الجزائر بعد تحركات قوى خارجية في المنطقة، تنظر إليها الجزائر ببعض الريبة، كالدورين الإماراتي والتركي، إضافة لتحركات القوى الكلاسيكية، كفرنسا ودول أوروبية أخرى".

مخاوف من أن تؤدي هذه التعيينات لتمييع العمل الدبلوماسي

وعلى الرغم من كل هذه التفسيرات السياسية، يعبّر دواجي في الوقت نفسه، عن مخاوف من أن تؤدي هذه التعيينات "لتمييع العمل الدبلوماسي، بسبب أهمية وجود تنسيق بين الهياكل الدبلوماسية المختلفة حول القضايا المطروحة والقرارات الواجب اتخاذها، فغياب ذلك قد يؤدي لعدم فاعلية هذه التعيينات، كما حدث داخلياً عند استحداث منصب وسيط الجمهورية ومندوبين له بالولايات". وهو تخوّف عبر عنه الكثير من المراقبين، ولا سيما بشأن احتمال أن تكون التعيينات مجرد "تضخم إداري" في الخارجية الجزائرية، وخاصة أن الهيكلة الأصلية للوزارة تتضمن دوائر ومديريات خاصة بكل منطقة. ويؤكد مراقبون أنهم ليسوا واثقين تماماً من أن الهندسة الجديدة للخارجية الجزائرية ستكون فعّالة، لاعتبارات متعددة، بعضها يرتبط بمشاكل ذاتية تخضّ الجهاز الدبلوماسي المترهل والذي يتحاج إلى جهد إصلاحي كبير على صعيد الأدوات والكوادر، من جهة، ومن جهة ثانية بسبب الارتباط الوثيق للأداء الدبلوماسي بالحيوية السياسية والاقتصادية للبلاد.

ومع فارق السياقات السياسية، تشير بعض التحليلات إلى أنه سبق لوزارة الخارجية أن شهدت تقسيماً إلى ثلاثة قطاعات بين عامي 2015 و2017، بهدف إعطاء حيوية أكبر للعمل الدبلوماسي، إذ كانت تشمل وزير الخارجية ووزيراً منتدباً مكلفاً بالشؤون العربية والأفريقية ووزيراً منتدباً مكلفاً بالجالية في الخارج. لكن هذه التقسيمات لم تؤد إلى أي حيوية دبلوماسية، بل إن الوزارة شهدت في تلك الفترة خلافات حادة بين وزير الخارجية حينذاك والذي كان لعمامرة أيضاً، والوزير المكلف بالشؤون الأفريقية عبد القادر مساهل، انتهت بتنحية لعمامرة عام 2017، وهو ما عمل الرئيس تبون على تجنبه هذه المرة، إذ وضع كل المساعدين السبعة الجدد تحت إمرة وزير الخارجية.