مع اتساع رقعة الخلافات بين الأفرقاء الليبيين، وتشابك الملف الليبي مع التطورات الإقليمية والدولية، تزداد الصعوبات أمام مهمة بعثة الأمم المتحدة للدعم في البلاد. ويتعقد الوضع مع اقتراب موعد انتهاء أجل اتفاق جنيف في 21 يونيو/حزيران المقبل، الذي أفرز السلطة التنفيذية الموحدة ممثلة في المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية.
ويخشى كثيرون دخول ليبيا في فترة فراغ سياسي قد تؤجج الوضع وتعيد إشعال الحروب التي هدأت قبل نحو سنتين. ومن هذا المنطلق، يعلّق البعض آمالاً أخيرة على البعثة الأممية، في مقابل آخرين يطالبونها بكفّ يدها عن الملف وترك الليبيين للتفاهم المباشر من دون أي وساطات.
جولة ثانية من اجتماعات اللجنة المشتركة بين مجلسي النواب والدولة
وأعلنت المستشارة الأممية لدى ليبيا ستيفاني وليامز، يوم الجمعة الماضي، مشاركة مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في الجولة الثانية من اجتماعات اللجنة المشتركة في القاهرة في 15 مايو/ أيار الحالي، وهي اللجنة المعنية بوضع قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات المقبلة في البلاد.
وجاء إعلان وليامز بعد لقائها بشكل منفصل النائب الأول لرئيس مجلس النواب الليبي فوزي النويري، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري. كذلك بحثت وليامز في لقاء مع رئيس مفوضية الانتخابات الليبية عماد السايح، أمس الأحد، الوضع المتعلق بإجراء الانتخابات. وذكر بيان صادر عن المفوضية أن السايح ووليامز اتفقا "على استمرار تقديم الدعم اللازم للحفاظ على جاهزية المفوضية".
وفي أروقة البعثة ذاتها، هناك ترقب من نوع آخر قد يغيّر من سيناريو الأحداث الليبية المقبلة، ويظهر جلياً في صراع الدول المتداخلة بالملف الليبي، وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا، على تمديد عمل البعثة، وتعيين رئيس جديد لها. وفاقمت الحرب في أوكرانيا والأزمة مع روسيا، الخلافات.
وكان مجلس الأمن قد جدد ولاية البعثة ثلاث مرات بصفة قصيرة الأجل منذ سبتمبر/أيلول 2021 بسبب الخلافات بين أعضائه بشأن فترة ولايتها، وإعادة هيكلتها، بعدما قدّم آخر المبعوثين الأمميين يان كوبيتش، استقالته في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، قبل اكتمال سنة من توليه المهمات، وقبيل شهر من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي كانت مقررة نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، الأمر الذي يرى مراقبون أنه ساهم في تأخيرها لأجل غير معلوم.
وعقب استقالة كوبيتش المفاجئة، فشل أعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر في التفاهم على هوية خليفته. ومن أجل تفادي حدوث فراغ في البعثة، بادر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، في ديسمبر الماضي، بتعيين المبعوثة السابقة بالإنابة ستيفاني وليامز، مستشارة له بشأن ليبيا. وهو أمر استبشر به ليبيون، وذلك لجهود وليامز أثناء ولايتها السابقة في توحيد السلطة التنفيذية. لكن آخرين يأخذون عليها عدم اكتمال المسار الذي رسمته عبر اتفاق جنيف بإجراء الانتخابات، كما كان مأمولاً.
عوامل تعزز دعم ستيفاني وليامز
وفي هذا الشأن، قال أستاذ العلوم السياسية في الجامعات الليبية خليفة الحداد، لـ"العربي الجديد"، إن "الدعم الأميركي لوليامز، ونجاحها السابق، هو ما ساعدها ودفع لاحقاً لتعيينها مستشارة، على أمل أن تصل بالبلاد إلى انتخابات قريبة". واعتبر أنه "لو لم يتم استبعادها بعيد اتفاق جنيف بدفع روسي وتعيين كوبيتش، لربما كانت قد نجحت في إيصال الليبيين لصناديق الاقتراع".
الحداد: فرصة إجراء الانتخابات كانت العام الماضي أكبر، أما الآن فقد زادت الأمور تأزماً
ورأى أن "فرصة إجراء الانتخابات كانت العام الماضي أكبر، أما الآن فقد زادت الأمور تأزماً، خصوصاً بعد تجدد الانقسام السياسي، من خلال الخصام على السلطة بين حكومتي عبد الحميد الدبيبة وفتحي باشاغا، واستمرار خلاف مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة على آلية وتوقيت إجراء الانتخابات".
واعتبر الحداد أن "هذه الصورة القاتمة للمشهد هي ما تفسر الجولات المكوكية والاجتماعات الكثيرة والمتتالية التي أجرتها وليامز داخلياً وخارجياً خلال الأسابيع الأخيرة".
وأشار إلى أن وليامز "تسابق الوقت الآن من أجل الوصول إلى قاعدة دستورية انتخابية قبل 21 يونيو، وقبل تعيين مبعوث جديد". وبرأيه فإنه "لهذا السبب، تصرّ على المضي بمبادرتها التي تضمن اختصار الوقت، وتتجاهل مسألة تعديل مسودة الدستور، وتفضل ترك أمره للبرلمان المقبل المنتخب والموحد".
وينطلق الحداد في رفضه تعديل مسودة الدستور من جانبين: الأول يكمن في "صعوبة التفاهم على صياغة موحدة للمواد الخلافية"، ما سيؤدي لاستهلاك الوقت من دون طائل، واستمرار الأجسام الحالية الفاشلة، حسب وجهة نظره. أما الثاني فيتمثل في "عدم أحقية أي جهة في فتح وتعديل مسودة دستور صوتت عليها وأقرتها لجنة تأسيسية منتخبة من الشعب".
وكانت وكالة "نوفا" الإيطالية قد نقلت عن مصادر إعلامية غربية، أن "موسكو ترحب بالاتجاه لتعيين مبعوث أفريقي إلى ليبيا"، وأنه "إذا لم يتحقق تعيين المبعوث في غضون 3 أشهر فسيؤول الأمر إلى تأجيل جديد قصير الأمد، أو حلّ البعثة".
لكن الحداد يتساءل عما يمكن أن يقدّمه مبعوث جديد للملف الليبي، موضحاً أن "هذا المنصب يحتاج شخصية قوية ومتفهمة لشكل الصراع الدائر، ومدعومة من دول وتحالفات قوية". وأضاف: "لا أعتقد أننا سنجد هذه المواصفات في مبعوث أفريقي، وخير دليل على ذلك هو عدم نجاح منسق البعثة الأممية إلى ليبيا، ريزدون زينينغا، في أي ملف كلّف به".
وفي ظل استمرار الحرب في أوكرانيا، رأى الحداد أن "أميركا والاتحاد الأوروبي لن يسمحا بمبعوث تتوسط روسيا في تعيينه". وقد يقود هذا الأمر إلى "عدم توافق حول ولاية البعثة ورئيسها"، الأمر الذي سيفاقم الأوضاع، وسيفسح المجال لمزيد من "الصراع بالوكالة الدائر في البلاد"، وفق قوله.
اتهامات لوليامز بتطبيق السياسة الأميركية في ليبيا
في الاتجاه الآخر، أعرب الناشط السياسي خميس الرابطي عن تأييده لتعديل مسودة الدستور قبل الانتخابات، وعبر خريطة الطريق التي أقرها مجلس النواب في فبراير/شباط الماضي.
وشدد لـ"العربي الجديد" على ضرورة "تسليم السلطة للحكومة الجديدة التي كلّفها مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا، حتى تقوم بالإشراف على الاستفتاء الشعبي على الدستور بعد تعديله، ثم إجراء الانتخابات بناء على دستور دائم، والتخلص النهائي من المراحل الانتقالية التي عبثت في البلاد".
الرابطي: الرفض الواسع لسياسة وليامز، ومخالفة مبادرتها خريطة طريق مجلس النواب، سيدفعان إلى تعيين مبعوث جديد، قد يكون أفريقياً
ورأى الرابطي أن "وليامز ترى نفسها الحاكم الفعلي لليبيا، وتطبّق سياسة الولايات المتحدة وتصورها للحل الذي يخدم مصالحها لا مصلحة ليبيا". وأضاف: "أعتقد أن الرفض الواسع لسياستها، ومخالفة مبادرتها لخريطة طريق مجلس النواب، سيدفعان إلى تعيين مبعوث جديد، قد يكون أفريقياً في الغالب". وأكد "وجود توافق تقوده روسيا للدفع نحو تعيين مبعوث أفريقي".
على الأرض، تستمر حكومة الدبيبة في رفضها تسليم السلطة إلا بعد إجراء الانتخابات، كما أنها ما زالت تحظى بالاعتراف الدولي، وتسيطر على الغرب الليبي والعاصمة طرابلس ومؤسساتها، ويدعمها في ذلك مجلس الدولة. في المقابل، فرضت حكومة باشاغا نفوذها في مناطق سيطرة اللواء المتقاعد خليفة حفتر شرق وجنوب البلاد، وتطالب بدخول طرابلس واستلام السلطة فيها، ويؤيدها في ذلك حفتر ومجلس النواب.
وكانت وليامز قد قدمت بعيد نيل حكومة باشاغا ثقة النواب في الأول من مارس/آذار الماضي، مبادرة تقضي بتشكيل لجنة دستورية بالمناصفة بين مجلسي النواب والدولة، تكلف بصياغة قاعدة دستورية توافقية تفضي إلى انتخابات في أقرب الآجال. في المقابل، يصر مجلس النواب على المضي في خريطته، ويسير في اتجاه قيام اللجنة الدستورية بتعديل مواد مسودة الدستور.
ونجحت وليامز في جمع أغلب أعضاء اللجنة الدستورية من الطرفين في عدة جلسات عُقدت منتصف إبريل/نيسان الماضي باستضافة مصرية، إلا أن أعضاء اللجنة لم يتفقوا على جدول الأعمال حيال مبادرة وليامز أو خريطة مجلس النواب، وبالكاد اتفقوا على لائحة داخلية، وأجّلوا النقاش حول مستقبل الانتخابات إلى جلسة ستعقد في العاشر من مايو/أيار الحالي.
وكان مجلس الأمن قد اعتمد قبل أسبوع قراراً بريطانياً لتمديد عمل البعثة الأممية 3 أشهر. وفي هذا الصدد، قال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، في مؤتمر صحافي، إن "الأمم المتحدة تولي أهمية قصوى لتعيين مبعوث خاص جديد في ليبيا"، معرباً عن أمله في "موقف موحد لمجلس الأمن بشأن تنفيذ ولاية بعثة جديدة".