اشتعلت الحدود السورية الأردنية مجدداً باشتباكات بين "مجموعات مسلحة من المهرّبين"، وقوات حرس الحدود الأردنية، التي كما يبدو تخوض ما يكاد يرقى إلى مستوى الحرب المحدودة، لإيقاف تدفق المخدرات من الداخل السوري، التي تقوم بتهريبها مليشيات مرتبطة بالجانب الإيراني والنظام السوري، الذي تشير معطيات عدة إلى أنه يقف وراء هذه التجارة التي تقدَّر قيمتها بمليارات الدولارات.
وبحسب الموقع الرسمي للقيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية، أمس السبت، فقد جرت "منذ الساعة الثانية فجر السبت، اشتباكات مسلّحة ما بين قوات حرس الحدود الأردنية ومجموعات مسلحة كبيرة من المهربين على الحدود الشمالية للمملكة وضمن منطقة مسؤولية المنطقة العسكرية الشرقية".
وأعلن الجيش الأردني، مقتل 5 مهربي مخدرات وإلقاء القبض على 15 مهرباً آخرين، خلال اشتباكات أمس. ونقل موقع القوات المسلحة، عن مصدر عسكري مسؤول في القيادة، قوله إن الاشتباكات أسفرت أيضاً عن ضبط 627 ألف حبة كبتاغون و3439 كف حشيش، وسلاح ناري من نوع كلاشنكوف، خلال الاشتباكات التي جرت ضمن مسؤولية المنطقة العسكرية الشرقية.
وأوضح الموقع أن "الأيام الماضية شهدت ارتفاعاً في عدد هذه العمليات وتحولها من محاولات تسلل وتهريب، إلى اشتباكات مسلحة، بهدف اجتياز الحدود وبالقوة من خلال استهداف قوات حرس الحدود".
"الحرب الطويلة" بين الأردن ومهرّبي المخدرات
من جهته، قال وزير الاتصال الحكومي والمتحدث باسم الحكومة الأردنية، مهند مبيضين، لقناة المملكة، إن "الجماعات المهربة للمخدرات تستهدف أمن الأردن". وأكد أن "الحرب طويلة معها والمواجهة أكبر"، داعياً إلى "بناء استراتيجية إقليمية لمواجهة المخدرات".
محمد الحاج علي: التوغل البري يحتاج إلى ائتلاف دولي أو ضوء أخضر دولي
وكان الجيش الأردني قد أعلن الخميس الماضي وضع الخطط وتسخير الموارد اللازمة لبناء سياج إلكتروني وتعزيز منظومة حرس الحدود الإلكترونية بكاميرات مراقبة ليلية ونهارية لمنع التسلل والتهريب في ظلّ الظروف الجوية السيئة والمتمثلة بالضباب الكثيف والعواصف الرملية، وذلك في أعقاب المواجهات التي شهدتها الحدود الأردنية السورية خلال الأيام الماضية بين القوات المسلحة الأردنية والمهربين في الجنوب السوري.
وأكد رئيس هيئة الأركان المشتركة، اللواء الركن يوسف أحمد الحنيطي، أن القوات المسلحة الأردنية "مستمرة في منع عمليات التسلل والتهريب، وبالقوة، ومواجهة جميع أشكال التهديد على الواجهات الحدودية، وأي مساعٍ يُراد بها تقويض أمن الوطن وترويع مواطنيه وزعزعة أمن واستقرار المملكة".
الحدود الأردنية - السورية: محاولات لتهريب الأسلحة
وكان مدير الإعلام العسكري الأردني، العميد مصطفى الحيارى، قد أكد الأسبوع الماضي، في تصريحات صحافية، أن المملكة تواجه "حملة مسعورة" من تجار المخدرات ومهربي الأسلحة، محذراً من خطورة امتلاكهم "قوة عسكرية" لمواجهة القوات الأمنية. وأفاد المسؤول الأردني بأن العام الماضي شهد زيادة ملحوظة في الإصرار على تهريب المخدرات باستخدام الأسلحة، معتبراً أن الأمر الأخطر من تهريب المخدرات "محاولة تهريب أسلحة نوعية لتمكين تجار المخدرات من امتلاك قوة عسكرية لمواجهة القوات الأمنية".
وفي هذا السياق، أعلن الجيش الأردني، الاثنين الماضي، اعتقال 9 مهربين بحوزتهم مخدرات وأسلحة متنوعة بعد اشتباكات على الحدود مع سورية، أوقعت إصابات في صفوف حرس الحدود الأردنيين. كذلك ضبط الجيش الأردني 4 قاذفات صواريخ، نوع "آر بي جي"، و10 ألغام ضد الأفراد، و3 بنادق قنص وبندقية نوع "إم 16" مجهزة بمنظار قنص، ودمّر بحسب بيان، سيارة محمَّلة بالمواد المتفجرة.
وشنّ الطيران الأردني، يوم الخميس الماضي، غارات جوية على موقعين في محافظة السويداء جنوبيّ سورية، مستهدفاً ما يشتبه في أنها مستودعات ومخابئ لمهربي مخدرات مرتبطين بإيران. ونقلت وكالة "رويترز" عن مصادر استخبارية أردنية وإقليمية أن المقاتلات الأردنية قصفت منزلاً يشتبه في أنه لتاجر مخدرات كبير في قرية الشعاب، بينما أصابت الضربة الأخرى مستودعات بالقرب من قرية الغارية.
وكان الأردن قد شنّ في مايو/أيار الماضي ضربات جوية على جنوب سورية استهدفت مصنعاً للمخدرات مرتبطاً بإيران وقتلت مهرباً (مرعي الرمثان) يُزعم أنه كان وراء عمليات شحن كبيرة عبر حدود البلدين. وأثارت هذه الغارة يومها الكثير من الانتقادات، ولا سيما أنها أفضت إلى مقتل الرمثان، المتهم بتهريب المخدرات، وعائلته المكونة من زوجته وأطفاله الستة.
وتشير الأحداث الميدانية المتلاحقة إلى أن الأردن فقد الأمل بتحرك النظام السوري باتجاه ضبط الحدود للحد من عمليات تهريب المخدرات التي تقوم بها مجموعات مرتبطة بالفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد (شقيق رأس النظام بشار الأسد)، والمليشيات الإيرانية التي تنشط في الجنوب السوري.
العام الماضي شهد زيادة ملحوظة في الإصرار على تهريب المخدرات باستخدام الأسلحة
وتعليقاً على التطورات العسكرية على الحدود السورية - الأردنية، اعتبر اللواء المنشق عن قوات النظام، محمد الحاج علي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن التحرك العسكري الأردني على حدوده الشمالية "رد فعل طبيعي لحماية الحدود ومنع التهريب"، مضيفاً أن "هذا حق أردني". ورأى أن "عمّان ضبطت أعصابها أكثر من اللازم حتى تفاقمت المشكلة ووصلت إلى ما هي عليه اليوم".
ولا يتوقع الحاج علي توغّل الجيش الأردني برّياً ضمن الأراضي السورية، معرباً عن اعتقاده بأن هذا الجيش "يمكن أن يقوم بعمليات محدودة بحسب معطيات الواقع". وبرأيه، فإن التوغل البري يحتاج إلى ائتلاف دولي أو ضوء أخضر دولي.
فشل التطبيع بين النظام السوري ودول عربية
من جهته، أشار الباحث السياسي أحمد القربي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "الأردن كان أولى الجهات العربية التي طبّعت مع النظام وكان له دور في عام 2018 في خروج فصائل المعارضة السورية من الجنوب السوري وعودة النظام"، مضيفاً أن "حجة الأردن في التقارب مع النظام، كانت الحد من تهريب المخدرات من خلال التنسيق الأمني معه، لكن النظام لم يقم بما عليه لضبط الحدود، ما دفع الأردن إلى القيام بالدفاع عن حدوده الشمالية، من خلال ضربات جوية مركزة، وتأكيده أن هذه الضربات تستهدف عصابات مسلحة".
وكان الأردن سبّاقاً إلى تطبيع العلاقات مع النظام السوري، في محاولة لدفع الأخير إلى التعامل الجدي مع ملف المخدرات التي أغرق بها هذا النظام دولاً في الشرق الأوسط بهدف الابتزاز السياسي. وقاد الأردن تقارباً عربياً مع نظام دمشق عقب الزلزال الذي ضرب الشمال السوري في فبراير/شباط 2023، أفضى إلى عودة هذا النظام إلى الجامعة العربية بعد تجميد عضويته لأكثر من عقد. واشترطت الدول العربية إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وتأمين العودة الآمنة والطوعية للاجئين، وحماية المدنيين، والسماح بوصول المساعدات من دون أي عوائق إلى كل المناطق، ووضع حدّ لتهريب المخدرات إلى الأردن، مقابل تخفيف العزلة عن نظام الأسد والتطبيع معه.
لكن النظام لم يُقارب هذه الملفات، وهو ما دفع الأردن إلى التحرك عسكرياً لوضع حد لعمليات تهريب واسعة النطاق تجري عبر الحدود التي تمتد على طول 375 كيلومتراً.
وكان تقرير لـ"معهد نيولاينز" للأبحاث، ومقره واشنطن، قد قدّر قيمة تجارة الكبتاغون في الشرق الأوسط خلال عام 2021 بحوالى 5.7 مليارات دولار. وأشار التقرير إلى تورط رأس النظام السوري وأفراد من عائلته ونظامه في هذه التجارة إلى جانب شريكه الرئيسي "حزب الله" اللبناني. وهذا الرقم يشمل فقط قيمة تجارة التجزئة بالاستناد إلى قيمة المضبوطات التي حددها التقرير بـ 420 مليون حبة من عقار الكبتاغون فقط.