الأزمة الليبية: انخراط أميركي مقابل استعصاء روسي

02 ابريل 2021
تسعى السلطة الجديدة في ليبيا إلى إحداث توازنات بين القوى المتدخلة (Getty)
+ الخط -

يشير حراك السلطة التنفيذية الجديدة في ليبيا باتجاه الخارج إلى تبنيها رؤية خاصة تهدف إلى فك اشتباك مصالح الدول المتدخلة في الملف الليبي، وإحداث توازن بينها من خلال محاولة منحها عددا من المشاريع التنموية، كخطوة أولى في اتجاه تعزيز الأمن الذي ساهمت التدخلات الخارجية في ترديه، فماذا عن روسيا أكثر تلك الدول انخراطا في الصراع الليبي؟ 

ورغم مؤشرات نجاحها النسبي من خلال النتائج الإيجابية التي حملتها زيارات رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي لباريس والقاهرة وأنقره، وإسراع العديد من الدول إلى الإعلان عن عزمها إعادة فتح سفاراتها في ليبيا لحجز مكان لها في مشاريع إعادة الإعمار، إلا أن تصريحات ومواقف روسية تبدو أنها ستتحول إلى عقبة كبيرة. 

ففي مقابل ارتفاع مستوى التعامل الأميركي في الملف الليبي، حيث بدت تصريحات قادة البيت الأبيض أكثر وضوحا بشأن ضرورة إنهاء الصراع في ليبيا وحث الأطراف على المضي في دعم السلطة الجديدة التي انتخبها ملتقى الحوار السياسي، ركزت تصريحات مسؤولين كبار في موسكو على انتقاد السياسة الأميركية في ليبيا، ومنها تشديد النائب الأول لممثل موسكو الدائم في الأمم المتحدة، دميتري بوليانسكي، على موقف بلاده من الدور السلبي للعمليات العسكرية التي نفذها حلف الناتو في ليبيا خلال عام 2011 م، وأنها "حولت ليبيا إلى ما هي عليه الآن". 

واعتبر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن تدخل حلف شمال الأطلسي (ناتو) بقيادة واشطن في ليبيا، عام 2011، "ثقب أسود" تسبب في نزوح آلاف اللاجئين من الجنوب إلى أوروبا عبر ليبيا، وعبرها أيضا يتوجه سيل من الأسلحة والمقاتلين إلى مناطق الساحل والصحراء. 

وخلال تصريح لقناة "آر تي" الروسية، أمس الخميس، أكد لافروف دعم بلاده لعملية سياسية في ليبيا "ترضي جميع الأطراف"، متسائلا عن الجدول الزمني المحدد من قبل الأمم المتحدة لإجراء انتخابات في ليبيا "هل سيكون كافيا أم لا في ظل ظروف ليبيا الحالية؟". 

وجاءت تصريحات لافروف بعد يومين من مشاركة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في مؤتمر عبر الفيديو، مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عبّر خلاله الثلاثة عن أملهم أن يتمكنا "مع روسيا من وضع كل ثقلهم لتعزيز العملية الانتقالية" في ليبيا، وفقا للرئاسة الفرنسية، وهي خطوة يراها أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية علي أبو شعالة محاولة أوروبية بدفع أميركي لإضعاف الموقف الروسي في ليبيا. 

وطالما عبرت واشنطن عن هواجسها القلقة من تزايد التوغل الروسي في ليبيا من خلال نشر المئات من مقاتلي شركة "فاغنر"، برفقة معدات وأسلحة متطورة وطيران أيضا، في مواقع حساسة، وتحديدا داخل قواعد عسكرية في سرت والجفرة، وهي هواجس يعتبرها أبو شعالة المحرك للانخراط الأميركي مؤخرا في الملف الليبي، ويقول متحدثا لــ"العربي الجديد" إنها "في هذا الطريق سعت من خلال التفتت الأوروبي، خصوصا بين فرنسا وإيطاليا، والزج بألمانيا كممثل لها في قيادة الملف الليبي وبتنسيق أممي، لحشد موقف دولي موحد لعزل روسيا وحدها وإحراجها أمام العالم". 

لكن أبو شعالة لا يرى أن إنجاح مسارات الحل السياسي في ليبيا، والتي انتهت بانتخاب سلطة موحدة، كافٍ للجم التغول الروسي، موضحا أن "موسكو طالما رحبت بالعملية السياسية وجهود الأمم المتحدة، بل تواصلت مع حكومة الوفاق السابقة، لكنها في المقابل تدعم سرا الأطراف المتمردة وعلى رأسها خليفة حفتر". 

ومع أن موسكو عبّرت عن ترحيبها بالسلطة الجديدة ونجاح المسار السياسي ووقف إطلاق النار، فإنها لا تزال تسعى لتعزيز وجودها العسكري في ليبيا، إذ أكد المتحدث الرسمي لغرفة عمليات تحرير سرت – الجفرة التابعة لحكومة الوفاق السابقة عبد الهادي دراه رصد هبوط طائرة شحن روسية في مطار القرضابية في سرت، الاثنين، بالإضافة لتحليق كثيف للطيران الروسي في سماء سرت والجفرة، مشيرا إلى أن استمرار الحراك الروسي العسكري أتى تزامنا مع استعراض عسكري حضره الجنرال المتقاعد حفتر قريبا من بنغازي، مساء الاثنين الماضي، وأنها مؤشرات تؤكد أن حفتر وحلفاءه "لا يريدون أمن واستقرار ليبيا ولا يريدون السلم". 

مع أن موسكو عبّرت عن ترحيبها بالسلطة الجديدة ونجاح المسار السياسي ووقف إطلاق النار، فإنها لا تزال تسعى لتعزيز وجودها العسكري في ليبيا

وفيما ينتظر أن يجري المنفي زيارة قريبة لموسكو استمرارًا لزياراته الكثيفة لعدد من العواصم، لا يرى أبو شعالة أن الخطط التي تتبناها السلطة الجديدة، والقائمة على ضمان مصالح الدول المتدخلة في البلاد، بل ومنحها حصة في ملفات إعادة الإعمار، "سياسة ناجعة، وأول معوقاتها دراية موسكو بأن عمر الحكومة قصير"، مشيرا إلى أن تساؤل لافروف عن إمكانية كفاية الجدول الزمني المقرر للانتخابات المقبلة يعكس خشية روسية من تعرقل العملية السياسية وعودة البلاد للخلافات مجددا. 

وفي تمهيد لزيارة المنفي المرتقبة لموسكو، أعرب رئيس النقابة العامة للبناء والتشييد والإنشاءات الحكومية، عبد المجيد كشير، عن ترحيب بلاده بالمشاركة المحتملة للشركات الروسية في إعادة بناء البلاد، لكنه أكد أن الشركات الروسية "لم تتواصل حتى الآن مع النقابة بعروض تعاون"، وفق تصريح له لوكالة "سبوتنيك" الروسية الاثنين الماضي. 

ويعتقد أبو شعالة أن الصراع الدولي في ليبيا يذهب إلى الانتقال إلى مستويات أكبر، مشيرا إلى أن موسكو رعت مبادرة لوقف إطلاق النار عندما استضافت حفتر والسراج في موسكو، منتصف يناير/كانون الثاني العام الماضي، وقال "في تلك الآونة كان خصمها تركيا التي بدأت في مراجعة وجودها العسكري في ليبيا وتصاعد الموقف الأميركي ليحل بديلا عن وكلائها الإقليميين في ليبيا". 

ويلفت أبو شعالة إلى أن الاستعراض العسكري، الذي نظمه حفتر مساء الاثنين قريبا من بنغازي، ظهرت خلاله طائرات وأسلحة روسية متطورة، وقال "إذاً هي رسالة روسية واضحة للجانب الأميركي الساعي لعزلها، أنها لا تزال تمتلك شركاء ويمكنها خلط الأوراق في أي لحظة إذا لم تتم  الاستجابة لمطالبها ومصالحها التي تتجاوز وجود مقاتلين لشركة أمنية".

المساهمون