بعد ماراثون من المفاوضات، توصلت الحكومة الإثيوبية مع الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، في بريتوريا بجنوب أفريقيا، الأربعاء الماضي، إلى اتفاقية لوقف القتال الذي استمر نحو عامين في إقليم تيغراي.
إلا أن الاتفاقية، وفق مراقبين، لا تزال تحت الاختبار، ولم يعرف بعد ما إذا كان سيكتب لها النجاح أم أنه سيتم خرقها من قبل أحد الأطراف في إثيوبيا، التي شهدت عامين من الصراعات الطاحنة بين الجيش الإثيوبي ومسلحي الجبهة، الذين تراجعت قوتهم العسكرية في الأشهر الأخيرة، بعد فقدانهم السيطرة على العديد من المدن الاستراتيجية في الإقليم.
أنور إبراهيم: لا خيار للطرفين الآن سوى الجلوس ووضع آليات متعددة لمعالجة الخلافات بصورة جذرية
ونقلت وكالة "رويترز"، أمس الإثنين، عن كبير وسطاء الاتحاد الأفريقي أولوسيغون أوباسانجو قوله إن الحكومة الإثيوبية وقوات تيغراي أقامتا خطاً هاتفياً ساخناً بينهما. وأوضح أوباسانجو، في مؤتمر صحافي في نيروبي حيث يواصل ممثلون عن الحكومة وقوات تيغراي عقد اجتماعات لوضع الاتفاقية موضع التنفيذ، أن "أول علامة بالنسبة لي على التقدم المحرز بعد التوقيع هي حقيقة أنهما تبادلا خطاً ساخناً بينهما".
وأعرب الرئيس الكيني السابق أوهورو كينياتا، وهو وسيط مشارك في المحادثات، عن أمله بأن تتمكن الأطراف من العمل معاً للتوصل إلى حل دائم للمشكلة، وقال: "لقد بدأنا في بريتوريا، ونحن الآن في نيروبي، ونأمل جداً في المرة المقبلة بأن نكون في ميكيلي (عاصمة إقليم تيغراي) لاجتماعنا (المقبل)، ونحتفل معاً في نهاية المطاف في أديس أبابا".
ويتساءل محللون عن مدى إمكانية صمود وقف الأعمال العدائية لفترة طويلة، وتمكين الإقليم من العودة إلى الحياة الطبيعية نسبياً، بعدما قطعت الحكومة عنه كافة الخدمات الأساسية للحياة، بما فيها الاتصالات والكهرباء وشبكة الإنترنت والتحويلات المالية، بهدف إخضاعه.
وقال الكاتب والمحلل الإثيوبي أنور إبراهيم، لـ"العربي الجديد"، إن هذه الاتفاقية جاءت بعدما شهد الإقليم العديد من الأحداث والتطورات، وخاصة الأزمة الإنسانية التي تفاقمت حدتها من جراء الحرب.
توقعات بتحقيق إصلاحات في تيغراي
وتوقع إبراهيم أن تحقق الاتفاقية العديد من الإصلاحات والتحسينات، خصوصاً بعدما تم التوقيع على هدنة لوقف الحرب والأعمال العدائية، فهذا الشيء ربما يعطي نوعاً من الهدوء والاستقرار النسبي للإقليم، بعدما تضررت بنيته التحتية بصورة كبيرة خلال العامين الماضيين إثر تحوله إلى مسرح أحداث أمنية وتجاذبات دولية وإقليمية.
وأشار إبراهيم إلى أن ثمة تساؤلات وشكوكاً في نوايا الطرفين في ما يخص إنجاح عملية السلام بصورة كاملة، وتحديداً الحكومة، التي تواجه تحديات من الداخل وضغوطاً خارجية متعددة.
وأعرب عن اعتقاده بأنه لا خيار للطرفين الآن سوى الجلوس حول طاولة واحدة، ووضع آليات متعددة لمعالجة هذه الخلافات بصورة جذرية، وأيضاً ضرورة النقاش في كيفية تنفيذ بنود الاتفاقية، لا سيما أن هناك أزمة إنسانية قاسية في إقليم تيغراي.
وأوضح إبراهيم أن هناك تراجعاً اقتصادياً أدّى إلى تدهور الوضع الإنساني والصحي، ما أدى إلى معاناة إنسانية كبيرة جداً، يدفع ثمنها المواطنون في هذا الإقليم.
واعتبر إبراهيم أن هذا الأمر يجبر الأطراف الإثيوبية على المشاركة في حوار موسع مستقبلاً لتنفيذ بنود الاتفاقية، وأن يكون هناك تحرك دولي أيضاً لمراقبة تطبيق المخرجات، حتى ترى النور وتخدم سكان تيغراي المتضررين من تداعيات الحرب الطاحنة التي استمرت عامين.
دور سلبي لإريتريا في صراع تيغراي
وحول دور إريتريا في ملف المفاوضات، رأى أنور إبراهيم أن الجانب الإريتري أجج هذا الصراع بدعمه للحكومة، وأيضاً تحركاته غير الواضحة في هذه المنطقة.
حالي يحيى: الاتفاقية فرصة كبيرة لجبهة تيغراي لإنقاذ أفرادها
واعتبر أن على الطرفين إخراج إريتريا من هذا النزاع، لأن أسمرة أدت دوراً سلبياً جداً في إذكاء هذا الصراع أكثر من الجانب الحكومي الإثيوبي، ومن المتوقع أن تكون هناك تأثيرات وضغوط دولية على الجانب الإريتري لسحب جيشه من هذه الأراضي.
من جهته، رجح الصحافي الإثيوبي حالي يحيى، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن تتوقف حركة النزوح واللجوء التي ظهرت أخيراً بشكل كبير جداً وأقلقت الدول الإقليمية.
استقرار أمني في أمهرا والعفر
كما رجح يحيى أن يكون هناك نوع من الاستقرار الأمني في المناطق التي تقع على الحدود بين إقليم تيغراي وإقليمي أمهرا والعفر، اللذين تأثرا بالنزاع العسكري، حيث كانت مليشيات الجبهة تنفذ اعتداءات وانتهاكات في أمهرا والعفر، ما يعني أن الاتفاقية ستشمل تلك الأقاليم، التي كانت مهددة أمنياً باستمرار النزاع العسكري والعمليات الأمنية التي يجريها الجيش الإثيوبي ضد عناصر الجبهة.
وأشار يحيى إلى أن هذه الاتفاقية جاءت بضمانات دولية وإقليمية، وبعد ضغوط دولية مورست على الحكومة وعلى الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، للقبول على الأقل بوقف إطلاق النار والدخول مباشرة في عملية السلام بينهما، وهذه كانت فرصة كبيرة للجبهة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أفرادها والحفاظ على هيبتها كجبهة ذات تأثير سياسي وعسكري، خاصة بعد الضربات القوية التي تلقتها.
وحول الجدوى من تطبيق الاتفاقية، قال حالي يحيى إن أهميته تكمن في الالتزام على المستوى الحكومي بإيصال المساعدات الإنسانية اللازمة إلى تيغراي، حيث إن الوضع الإنساني في الإقليم يتفاقم يوماً بعد يوم.
وأشار يحيى إلى أنه كانت هناك ضغوط دولية على الحكومة بشأن تسهيل وصول المساعدات الإنسانية لأن التفاهمات الأخيرة تختلف عن الاتفاقات السابقة في جيبوتي وكينيا، والتي كانت على المستوى الأمني.
وأوضح أنه تم في جنوب أفريقيا أول لقاء مباشر بين ممثلي أطراف النزاع، وضم وفدين كبيرين من الجانبين، برعاية الاتحاد الأفريقي ومراقبين دوليين وإقليميين في جنوب أفريقيا، وهو ما ساهم في إنجاح عملية التسوية والتوصل إلى وقف القتال في تيغراي.
عقبات أمام التسوية
وحول العقبات التي ستواجهها هذه الهدنة التي أرخت بظلالها على الإقليم حالياً، رأى حالي يحيى أن الفترة المقبلة ستمثل اختباراً حقيقياً لضمان تطبيق التفاهمات على أرض الواقع، وألا تكون مجرد حبر على الورق، حيث إن الالتزام الكبير بالبنود لا بد أن يأتي من الجانب الحكومي، رغم وجود تحديات كثيرة، أمنية واقتصادية وسياسية، تواجهها الحكومة المركزية، وتحديداً في كيفية فرض سيادتها على هذا الإقليم وكسب ولاء شعبها.
وقال مراسل التلفزيون العربي في إثيوبيا زاهد الهرري، لـ"العربي الجديد": "حسب مراقبين، فإن فرصة نجاح هذه الاتفاقية تفوق احتمالات فشلها، وأهم أسباب نجاحها هي أن الجيش الفيدرالي الإثيوبي سيطر على معظم المناطق الحيوية والاستراتيجية في تيغراي، وأن المواطنين في الإقليم تضرروا من هذه الحرب، بالإضافة إلى تراجع قوة عناصر الجبهة في الفترة الأخيرة، إذ باتوا يسلمون المدن الكبيرة الواحدة تلو الأخرى، مثل شيري وقوبو وكروم، دون مقاومة، للجيش الوطني الإثيوبي".
زاهد الهرري: حسب مراقبين فإن فرصة نجاح هذه الاتفاقية تفوق احتمالات فشلها
وعن الوضع في تيغراي بعد توقيع الاتفاقية، أشار الهرري إلى انطلاق أعمال إعادة الخدمات الحيوية للإقليم، خصوصاً في المناطق التي سيطر عليها الجيش، مثل قوبو وكورمي والاماطا ولاليبلا.
وأوضح الهرري أنه "أعيد تأهيل شبكة الاتصالات وخطوط إمدادات الكهرباء والخدمات البنكية في بعض مناطق الإقليم، لكنها لا تزال تحت مراقبة مؤقتة من قبل الحكومة الإثيوبية".
وأشار الهرري إلى أن أهم الشروط التي وقع الطرفان عليها أن تسلم قوات الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي جميع الأسلحة والمعدات الثقيلة التي استحوذت عليها بعد الهجوم على القاعدة الشمالية للجيش الوطني الفيدرالي، وأن يتم تسليم مدينة عاصمة الإقليم ميكيلي المحاصرة من قبل الجيش منذ فترة، وأن يُعاد تأهيل جنود الجبهة وإعادة دمجهم في الجيش الإثيوبي، وبذلك لا يكون للإقليم جيش خاص به لأنه لا يوجد جيشان في دولة واحدة، وقد وافقت الجبهة على هذه الشروط.
وأوضح أن ما وافق عليه الجانب الحكومي تمثل في إعادة الخدمات الأساسية للحياة إلى تيغراي، والإسراع في إمداد الإقليم بالمساعدة الإنسانية والصحية وإعادة تأهيله، وبناء على هذه التفاهمات تم التوقيع في جنوب أفريقيا.
وحول مستقبل هذه الاتفاقية وإمكانية صمودها أمام أي اختراق من قبل أطراف الصراع في إثيوبيا، اعتبر الهرري أن التفاهمات قد تشكل بارقة أمل واستقرار دائم للبلاد، تحديداً إذا تم التغلب على الأصوات، خصوصاً للمقيمين في الخارج، الداعية لاستمرار الحرب في الإقليم، والتي لا ترى أن هذه الاتفاقية تعد مكسباً للجبهة بقدر ما تعزز سلطة الحكومة الإثيوبية على الإقليم.