إسرائيل تختار بروفسوراً بريطانياً للدفاع عنها في محكمة العدل الدولية

إسرائيل تختار بروفسوراً بريطانياً للدفاع عنها في محكمة العدل الدولية.. ماذا نعرف عنه؟

05 يناير 2024
الاحتلال يحاول تفادي إدانة محكمة العدل الدولية لجرائمه وانتهاكاته (Getty)
+ الخط -

اختارت إسرائيل البروفسور البريطاني المختص في القانون الدولي مالكوم شو، مع ثلاثة آخرين، لتمثيلها أمام محكمة العدل الدولية في الدعوى التي قدّمتها دولة جنوب أفريقيا ضدها، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعيّة بحق الفلسطينيين في الحرب التي تشنها على غزة.

وكشفت صحيفة "هآرتس" العبرية اسم شو يوم أمس لأول مرّة، من دون أي تأكيد رسمي لاختياره ضمن الطاقم الإسرائيلي الذي سيدافع عن الاحتلال في محكمة العدل الدولية في لاهاي، بعد أن أعلنت إسرائيل موافقتها على المثول في المحكمة.

اكتسب شو، البالغ 76 عاماً، سُمعة دوليّة بعد تقديمه المشورة في نزاعات إقليميّة مختلفة لدى العديد من الجهات، كما مثلَ سابقًا أمام محكمة العدل الدولية والمحكمة العليا في المملكة المتحدة ومجلس اللوردات ومحكمة العدل الأوروبيّة.

ويدرّس مالكوم شو في الجامعة العبريّة في القدس المحتلة فصلًا دراسيًا كل عام كمحاضر ضيف، ونال شهادة منها سابقًا. درّس سابقًا مادة القانون الدولي وحقوق الإنسان في جامعة لستر، وبعد تقاعده، جرى تعيينه زميلًا أول في مركز "لاوترباخت" للقانون الدولي بجامعة كامبريدج، وأصبح عضوًا في مجلس أمناء المعهد البريطاني للقانون الدولي والمقارن، وهو محامٍ ممارس، له العديد من المؤلفات في القانون الدولي، أبرزها كتابه "القانون الدولي" الذي صدر عام 1977.

وحددت محكمة العدل الدولية يوم الخميس القادم 11 يناير/ كانون الثاني لعقد أولى جلساتها امتثالًا لطلب جنوب أفريقيا، حيث من المُقرر البحث أولًا في قرار يدعو لوقف مؤقت للحرب في غزّة، يجرى التصويت عليه لاحقًا بعد تبنيه في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وبعدها ستبحث المحكمة تهم الإبادة الجماعيّة التي ارتكبتها إسرائيل في غزّة في حال رأت المحكمة وجود أدلة أوليّة على ذلك.

زهر: إسرائيل تتعامل مع محكمة العدل الدولية بجدية

وفي حديث مع المحامية الفلسطينيّة المختصّة في حقوق الإنسان سوسن زهر، قالت إن اختيار إسرائيل الحقوقي البريطاني مالكوم شو "ليس من باب الصدفة، بل ضمن استراتيجيّة إسرائيليّة لمواجهة تهمة الإبادة الجماعية في محكمة العدل الدولية". وأوضحت زهر لـ"العربي الجديد": "هناك رسالة تريد إسرائيل تمريرها من خلال اختيار مالكوم شو أمام المحكمة، وهي أنها تُدير الحرب على غزّة بشكل يتلاءم مع القانون الدولي، باعتبار السمعة الدوليّة المعروفة لشخص شو في مجال القانون الدولي وقانون حقوق الإنسان الدولي، ومشاركته في العديد من المؤسسات القانونيّة خبيراً أو مستشاراً لحل نزاعات إقليميّة، وتمثيله سابقًا في محكمة العدل الدوليّة".

وأضافت زهر: "جزء من البروباغندا الإسرائيليّة هي أن الجيش الإسرائيلي هو جيش أخلاقي وإنساني، واختيار مالكوم شو يأتي لتعزيز هذه السرديّة، وللقول إن إسرائيل لا تخترق أي معاهدة. ومن الواضح أن إسرائيل تتعامل بكامل الجدية مع التهمة الموُجهة إليها من جنوب أفريقيا وتستعد لها، وهناك وعي بخطورة وإسقاطات قرار المحكمة في حال إدانة إسرائيل أو الإقرار بوجود أدلة أوليّة على تهمة الإبادة الجماعيّة، ويوجد تخوف مستقبلي على مكانة إسرائيل وعلاقاتها دوليًا".

ولفتت زهر إلى أن مالكوم شو نشر مؤخرًا، برفقة مجموعة من المحاضرين المعروفين في الجامعة العبريّة من قسم القانون، ورقة أكاديميّة مشتركة حول التعديلات القضائية، أو ما يوصف بـ"الانقلاب القضائي" في إسرائيل، وهو ما يدل، بحسب زهر، على أن شو "مطّلع بشكل كبير على الوضع الداخلي والقانون في إسرائيل".

المحامية الفلسطينيّة المختصّة في حقوق الإنسان سوسن زهر
المحامية المختصّة في حقوق الإنسان سوسن زهر (العربي الجديد)

وخلصت زهر إلى القول: "في حال رأت محكمة العدل الدولية وجود أدلة أوليّة على تهمة ارتكاب إبادة جماعيّة، وهي من أشنع تهم جرائم الحرب، ستبدأ في مسار طويل بالتحقيق بذلك وجمع الأدلة والاستماع إلى شهود، وهو أمر يتطلب سنوات، وستكون له عواقب على إسرائيل، مثل فرض عقوبات. كما سيمهد ذلك الطريق لمحاكمة إسرائيل في محكمة الجنايات الدوليّة، التي أوصت المدعية العامة السابقة فيها (فاتو بنسودا) بفتح تحقيق جنائي ضد إسرائيل قبل عامين، وما زال المدعي العام كريم خان يماطل في أخذ خطوات عمليّة من أجل ذلك".

يُذكر أن إسرائيل تَمثل للمرة الثانية أمام محكمة العدل الدوليّة، بعد أن مثلت أول مرة عام 2004 حول قضية جدار الفصل العنصري الذي قالت فيه المحكمة رأيًا استشاريًا، والذي طالب إسرائيل في حينه بإزالة الجدار وتعويض المتضررين.

تأثير على الرأي العام

بدوره، أشار المحاضر في جامعة "ساوس" نمر سلطاني، إلى أن التوقعات هي أن تحذو المحكمة حذو قرارها السابق قبل عامين في قضية غامبيا ضد ميانمار، حيث أقرت المحكمة طلب غامبيا أمراً احترازياً ضد ميانمار لحماية البقية الباقية من الروهينغا من الإبادة الجماعيّة.

وقال سلطاني، في حديث لـ"العربي الجديد": "مثل هذا الأمر الاحترازي، الذي تطلب فيه جنوب أفريقيا أن تؤمر إسرائيل بوقف حربها ضد الشعب الفلسطيني، هو لمنع استمرار الإبادة. بطبيعة الحال ستقوم إسرائيل بمحاولة حشد دولي سياسي لحلفائها للضغط على المحكمة من أجل محاولة درء خطر مثل هذا الأمر الاحترازي، وقد يؤدي ذلك إلى انقسام الرأي بين القضاة".

المحاضر في جامعة "ساوس" نمر سلطاني
المحاضر نمر سلطاني (العربي الجديد)

وأضاف سلطاني: "تعيين الحقوقي والأكاديمي المناصر لإسرائيل مالكولم شو هو إقرار إسرائيلي بصعوبة موقفها سياسيًا وقانونيًا بعد تقديم جنوب أفريقيا هذا الطلب. لقد انذهلت النخب القانونيّة والأكاديميّة الإسرائيليّة من خطوة جنوب أفريقيا. ونظرًا لتبعات القرار السياسيَة والقانونيَة والأكاديميَة والاقتصاديَة المحتملة وبعيدة المدى، فقد ضغطوا على الطبقة السياسيّة للتعامل بجدية مع الإجراء القانوني".

وخلص سلطاني إلى القول: "من الناحية الفلسطينيّة تكمن أهمية الإجراء القانوني في أثره السياسي والإعلامي بغض النظر عن النتائج القانونيّة. فبمجرد الإعلان عن الإجراء ونشر الوثيقة القانونيّة، حدث تأثير هائل على الرأي العام لصالح الخطاب الفلسطيني. كما بدأت تظهر انعكاسات على السياسات الإسرائيليّة وربما مجرى المعارك، نظرًا للتخوف من الإجراء القانوني".

قضية صعبة لإسرائيل بأروقة محكمة العدل الدولية

وقال مدير مركز عادلة القانوني في مدينة حيفا المحامي حسن جبارين إن محاكمة إسرائيل في محكمة العدل الدوليّة تختلف عن قضيّة جدار الفصل العنصري وأكثر صعوبة، لأن "إسرائيل لا تستطيع الادعاء أن المحكمة لا توجد لديها صلاحية في بحث الدعوى، كون إسرائيل وقّعت على معاهدة منع الإبادة الجماعيّة، وهي من الدول الأولى التي وقّعت عليها، والذي كان من وراء المعاهدة في حينه حقوقي يهودي، بهدف ترسيخ منع ما حدث في المحرقة من خلال معاهدة دوليّة، وهذا ما حفّز إسرائيل على الانضمام".

وأضاف جبارين في حديثه لـ"العربي الجديد": "إسرائيل ليست فقط طرفا بالمعاهدة، بل يوجد قانون إسرائيلي حول منع إبادة الشعوب، إضافة إلى أن إسرائيل لا تستطيع الادّعاء هذه المرّة أن القرار سياسي كما ادّعت ضد قضية جدار الفصل العنصري كون من قدّمه الأمم المتحدة، وادّعت إسرائيل في حينه أن الأمم المتحدة معادية لإسرائيل. كما أن قرار المحكمة حول الجدار كان استشاريًا، هذه المرّة ستبحث المحكمة يوم الخميس القادم سؤالًا واحدًا: هل يجب إصدار أمر سريع بوقف الإبادة أم لا؟ التوقعات هي أن تصدر قرارًا بذلك".

وعن تبعات القرار، اعتبر جبارين أنه "سيكون محرجًا لأصدقاء إسرائيل الدفاع عنها، خصوصًا أن المحكمة مكونة من 15 قاضيًا مختلفًا (منهم قاضٍ إسرائيلي) معرفون بسمعة دوليّة حسنة"، مشيرًا إلى قرار من ذات النوع اتخذته المحكمة بحق ميانمار عام 2017 بتهمة إبادة الروهينغا، وما تلاه من مقاطعة العديد من الدول المركزيّة حول العالم لميانمار.

وأضاف مدير مركز عدالة القانوني في مدينة حيفا: "ستكون أيضًا تبعات جنائيّة، إذ ستُجبر محكمة الجنايات الدوليّة في حينه على فتح تحقيق ضد أشخاص، كون ذلك من اختصاصها، بخلاف محكمة العدل التي تختص بالدول وليس بالأشخاص، وهذا يعني التحقيق مع كبار القيادات السياسيّة والعسكريّة الإسرائيليّة. وليس مصادفة أن نرى وسائل الإعلام الإسرائيليّة منشغلة بهذه القضية في اليومين الماضيين".

المحامي حسن جبارين (العربي الجديد)
المحامي حسن جبارين (العربي الجديد)

وأكد جبارين أن اختيار مالكوم شو يأتي ضمن استراتيجية إسرائيل لمواجهة المحكمة في محاولة المماطلة في إصدار قرار لمدة أسبوعين بعد الجلسة الأولى، وذلك لإعطاء الوقت للجيش لإنهاء مهمته في غزّة، معتبرًا أن "محاولات المماطلة هي ما سيعتمد عليه مالكم شو في مداولته كجزء من الحنكة الإسرائيليّة للتعامل مع هذا الملف".

وقال المتحدث ذاته: "حينها سيقول بنيامين نتنياهو لشعبه إننا مضطرون لوقف الحرب بهدف حماية جنودنا من المحاكمة الدوليّة، وسيبدو وكأنه أنهى الحرب لحماية الجنود والقيادة، وليس انصياعًا لدولة أجنبية. كذلك الأمر بالنسبة للولايات المتحدة التي ستقول إنه أفضل من توسّع الحرب إلى حرب إقليميّة تضر بحلفائها في الشرق الأوسط، ومنهم من يريد التطبيع مع إسرائيل".

وخلص جبارين إلى القول: "للمحكمة وجهان، الأول قاسٍ على إسرائيل، والثاني مهم للفلسطينيين. في السابق كنا نتحدث عن إسرائيل كدولة أبارتهايد وبدأت تُوصم بهذا الشكل عالميًا، أمّا الآن في حال إدانتها فستكون دولة إجرامية كونها تقوم بإبادة شعب، وهذا الأمر برأيي سوف يُسرّع من إنهاء الاحتلال، وإمكانيات الضغط الدولي على إسرائيل، وستقوي مقاطعة إسرائيل دوليًا، ليس على صعيد المؤسسات أو الشركات فقط، بل على صعيد الدول".

يُذكر أن العديد من المنظمات والحركات الداعمة للشعب الفلسطيني ناشدت بناء دعم تنظيمي يكون مساعدًا في الدعوى التي قدمتها جنوب أفريقيا، منها: التحالف الأسود من أجل السلام، والجمعية الفلسطينية للتحرير والمقاومة الشعبية، و(CodePink) و(Progressive International)، والرابطة الدولية للمحامين الديمقراطيين، والديمقراطية من أجل العالم العربي الآن (DAWN)، ونقابة المحامين الوطنية، ومنظمة "صامدون"، ومنظمة قدامى المحاربين من أجل السلام، وأسطول الحرية لغزة، والرابطة النسائية الدولية للسلام والحرية (قسم الولايات المتحدة)، وغيرها من المنظمات. ودعت المنظمات إلى التوقيع على رسالة مفتوحة تحث فيها الدول على تقديم طلب لمحكمة العدل الدولية لإعلان التدخل؛ دعمًا لقضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل التي تستند إلى وقائع الإبادة الجماعية.

المساهمون