تتعرّض "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، التي تعدّ الجناح العسكري لـ"الإدارة الذاتية" في منطقة شرق الفرات، لتهديدات شبه دائمة على وجودها، من قِبل كل أطراف الصراع في المنطقة، من دون أن تتمكن من حسم أمرها، واتخاذ موقف واضح من تلك الأطراف. فتركيا وعلى الرغم من قيامها بثلاث عمليات متتالية ضد تلك القوات، وانتزاعها مساحات كبيرة من مناطق سيطرة "قسد" لصالح "الجيش الوطني" المعارض، لا تزال تهدد بعملية عسكرية أخرى، تسيطر من خلالها على المزيد من المناطق. من جهته، يعتبر النظام "قسد" قوات انفصالية وعميلة لـ"الاحتلال الأميركي"، وتستغل قواته التهديدات التركية، وتطرح نفسها بمساعدة الروس كبديل يمكن أن يسيطر على المناطق التي تنوي تركيا تسليمها لـ"الجيش الوطني". في الوقت نفسه تستغل موسكو التهديدات التركية لدفع "قسد" لتقديم المزيد من التنازلات لصالح النظام مقابل إقناع أنقرة بإلغاء عمليتها أو تأجيلها.
تضاف إلى ذلك علاقة "قسد" المتوترة مع كردستان العراق، وتعرّضها ضمن المناطق التي تسيطر عليها لضغوط من السكان المحليين، سواء من المكوّن العربي، أو المكوّن الكردي الذي يؤيد كتلة "المجلس الوطني الكردي"، الذين يعترضون على سياستها الانفصالية والإقصائية، لناحية سيطرة حزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردي على قرارها. هذا بالإضافة إلى تعرّضها بين الحين والآخر لهجمات من خلايا نائمة لتنظيم "داعش".
وتبقى الولايات المتحدة الجهة الوحيدة التي تدعم "قسد" وتحافظ على وجودها، مع إدراك هذه القوات أن الغطاء الأميركي لها مرهون بمدى قيامها بالدور المرسوم لها كأداة، وأن واشنطن لا يمكن أن تضحي بعلاقتها بحليفها التركي في حلف شمال الأطلسي أو تردعه عنها إلا ضمن حدود معينة، تفرضها المصالح والعلاقات بين البلدين.
إزاء هذا الوضع، تندفع "قسد" إلى فتح أبواب الحوار مع كل الأطراف التي تتربص بها، من دون تحقيق أي نتيجة، وذلك بسبب تركيبتها الهشة التي تدركها كل الأطراف، والتي لا تمكنها من تقديم أي تنازل لأنه سيؤدي إلى إنهائها. فخلال حواراتها العبثية مع النظام، لم يقبل الأخير بأقل من عودتها إلى "حضن الوطن" وإدماج قواتها في جيشه. أما خلال حوار كتلة "الاتحاد الديمقراطي"، الحامل السياسي لـ"قسد"، مع "المجلس الوطني الكردي"، العضو في الائتلاف الوطني، فلم تتمكن تلك الكتلة من تقديم أي تنازل، بسبب ارتباطها العضوي بحزب "العمال الكردستاني"، الذي يشكل فك الارتباط به أساساً للحوار، لتبقى نتيجة الحوار صفرية. وكذلك لم تكن حواراتها مع الروس أكثر من عملية ابتزاز لها. لذلك، تبقى "قسد" مجرد أداة أميركية تصارع الجميع وتحاور الجميع إلى حين انتهاء دورها.