"زلّة" بايدن حول تايوان: هفوة مقصودة أم قصور استراتيجي؟

25 مايو 2022
غادر بايدن أمس طوكيو عائداً إلى واشنطن (سول لوب/فرانس برس)
+ الخط -

بعدما اعتبرت تصريحاته أول من أمس الإثنين من طوكيو حول التزام بلاده الدفاع عن تايوان مؤشراً على وجود تبدل في سياسة واشنطن حيال الجزيرة، عاد الرئيس الأميركي جو بايدن أمس الثلاثاء، ليصحح ما اعتبره كثير من المراقبين "زلّة لسان". في المقابل، رأى آخرون أنها "زلّة" مقصودة، معدّدين الأسباب التي قادت بايدن أكثر من مرة لـ"الخروج عن النصّ"، في إشارة إلى الصياغات الرسمية للتصريحات المتفق عليها مسبقاً في البيت الأبيض. علماً أن بعض الصحف الأميركية، التي خصّصت أمس افتتاحياتها للتعليق على ذلك، رأت أن إعادة البيت الأبيض تصحيح تصريحات الرئيس، تضعف مصداقية الأخير أمام العالم.

لكن صحفاً أخرى اعتبرت أن الولايات المتحدة باتت تتجه إلى اعتماد "الوضوح الاستراتيجي"، عوضاً عن مبدأ "الغموض الاستراتيجي" المتبع منذ عقود، لجهة عدم الإفصاح عن سياسة واشنطن الحقيقية تجاه الجزيرة إذا ما تعرضت لغزو صيني. وحذّرت تعليقات صحافية من أن استبعاد تايوان من الإطار الاقتصادي المعلن عنه أخيراً أميركياً لمنطقة المحيطين الهادئ والهندي، هو بحد ذاته "زلّة" أميركية، إذا ما أرادت واشنطن احتواء الصين.

بايدن: سياسة واشنطن لم تتغير حيال تايوان

وأكد الرئيس الأميركي جو بايدن أمس، في اليوم الأخير من زيارته لليابان، حيث عقد قمّة مع زعماء دول مجموعة "كواد"، أي اليابان والهند وأستراليا (بالإضافة إلى الولايات المتحدة)، أن سياسة واشنطن حيال تايوان والقائمة على "الغموض الاستراتيجي" لم تتغير. وجاء ذلك بعدما أدلى بتصريحات الإثنين بشأن استعداد بلاده للدفاع عن الجزيرة في مواجهة أي غزو صيني اعتُبرت مؤشراً على وجود تغيّر، وسارع البيت الأبيض ووزير الدفاع لويد أوستن إلى توضيحها. ولدى سؤاله بشأن ما إذا كانت سياسة "الغموض الاستراتيجي" قد انتهت، ردّ بايدن أمس بـ"لا. لم تتغيّر السياسة إطلاقاً. أعلنت ذلك عندما أدليت بتصريحاتي في الأمس (أول من أمس)".

رأت صحف أميركية أن إعادة البيت الأبيض تصحيح تصريحات الرئيس، تضعف مصداقية الأخير أمام خصومه

ويشمل النهج الأميركي المتبع تجاه الجزيرة، الاعتراف بمبدأ "الصين واحدة"، إذ تؤكد بكين أن تايوان جزء من الأراضي الصينية، مع تسليح الجزيرة التي تتمتع بحكم ديمقراطي لتتمكن من الدفاع عن نفسها وإظهار "غموض استراتيجي" حيال إمكانية تدخل القوات الأميركية لحمايتها.

وكان بايدن قد ردّ بـ"نعم" الإثنين، لدى سؤاله خلال مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، بشأن إن كان لدى واشنطن رغبة في التدخل عسكرياً للدفاع عن تايوان. وذكرت وكالة "رويترز" أن مستشاري الرئيس للأمن القومي الذين كانوا متواجدين معه "شعروا بالتوتر وبدا أنهم يراقبون بايدن عن كثب أثناء رده على السؤال، ونظر كثيرون منهم إلى الأسفل عندما قدّم ما بدا أنه التزام لا لبس فيه بالدفاع عن تايوان". ونقلت الوكالة لاحقاً عن مسؤول في البيت الأبيض تأكيده أنه "لا يوجد تغيير في السياسة الأميركية تجاه تايوان".

تقارير دولية
التحديثات الحية

ودفع تصريح بايدن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن للتأكيد أول من أمس، أن سياسة "الصين الواحدة" الأميركية حيال تايوان لم تتغير، مضيفاً أن الرئيس الأميركي "أعاد التأكيد في تصريحه على هذه السياسة وعلى التزامنا السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان". وأضاف أوستن: "لقد أكد (بايدن) أيضاً على التزامنا بموجب قانون العلاقات مع تايوان، للمساعدة في تزويد تايوان وسائل الدفاع عن نفسها. لذا مرة أخرى، إن سياستنا لم تتغير".

واستدعى تصريح بايدن إعلاء الصين أيضاً لسقف تصريحاتها، إذ اعتبر مكتب شؤون تايوان التابع لمجلس الدولة الصيني أن الولايات المتحدة "تلعب بالنار". وحضّ تجو فينغليان، المتحدث باسم المجلس، بحسب وكالة الأنباء الصينية "شينخوا"، الولايات المتحدة "على التوقف عن الإدلاء بتصريحات أو القيام بخطوات" تنتهك المبادئ الموضوعة سابقاً بين البلدين.

وفي معرض تعليقها على تصريحات بايدن، ذكّرت صحيفة "واشنطن بوست" أمس في افتتاحيتها، بأن "الالتزام الأميركي" الذي تحدث عنه بايدن بشأن التدخل الأميركي العسكري لم يكن كذلك لنصف قرن مضى، منذ انفتاح الرئيس الأميركي الراحل ريتشارد نيكسون على الصين الشيوعية، حيث حافظت واشنطن على سياسة "الغموض الاستراتيجي" حيال تايوان، ما جعل تصريح الرئيس يعتبر "زلّة لسان"، ومستشاريه يسارعون للتوضيح، لكن أياً من الصين أو تايوان "لم تصدّق التوضيح".

وقالت الصحيفة إنها لا تملك جواباً حول الأسباب التي دفعت الرئيس لقول ما قاله، لكنها ترى في ذلك منفعة، إذ أصبح لدى الصين "أسباب جديدة للتفكير طويلاً ومليّاً قبل إرسال قواتها إلى مضيق تايوان، من دون أن يكون لديها القدرة على اتهام الولايات المتحدة بخرق التفاهمات المنسوجة في عهد نيكسون، لأنه تقنياً، لم يجر خرقها".

وفي السياق ذاته، رأت "واشنطن بوست" أنه إذا كان هناك نقص في مقاربة بايدن لاحتواء الصين، فإن ذلك يتبدى في ضبابية خطته للاندماج التجاري في المنطقة، أي إطار العمل الاقتصادي للهادئ – الهندي، إذ إن "جعل بكين أكثر قلقاً، يحتم انخراطاً اقتصادياً أكثر متانة في شرقي آسيا والهند وأستراليا".  

واشنطن بوست: أصبح لدى الصين أسباب جديدة للتفكير طويلاً ومليّاً قبل إرسال قواتها إلى مضيق تايوان

بدوره، كتب المعلق السياسي في الصحيفة آدم تايلور، أن لتصريح بايدن تفسيرات عدة، منها أنه "بالفعل زلّة لسان"، مضيفاً أن تصريحات الرئيس حول تايوان لطالما كانت خاطئة. وذكّر تايلور بتصريح سابق لبايدن خلال مقابلة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي مع شبكة "سي أن أن"، حين قال إن بلاده "لديها التزام" لحماية تايوان، وبأخرى مع شبكة "أيه بي سي" في أغسطس/آب حين لمّح إلى أن الولايات المتحدة لديها التزام بحماية تايوان مشابه للمادة 5 من معاهدة حلف شمال الأطلسي حول الدفاع الجماعي. كما لفت تايلور إلى أن التزام أميركا بمبدأ "الصين واحدة"، هو التزام شفهي، فيما كان بايدن قد تحدث عن "توقيع" أميركي على ذلك.

أما الفرضية الثانية بحسب المعلق، فهي وجود سياسة جديدة، بعدما كرّر بايدن التصريح ذاته تقريباً لأكثر من مرة، وبعدما حثّ المسؤولون في تايوان واشنطن مراراً خلال الفترة الأخيرة الماضية على اعتماد موقف أكثر وضوحاً حيال الجزيرة. أما الفرضية الثالثة، فهي البقاء على السياسة القديمة، ولكن باستدارة جديدة، عنوانها تحذير الصين.

ورأت الصحيفة في تقرير آخر أن تصريح بايدن هو الأخير له الذي يدل على أنه يسعى إلى نقل السياسة الأميركية إلى مكان أكثر تقدماً لمواجهة واحتواء الصين، معتبرة أنها المقاربة "الأصح"، والتي يجب أن تترافق مع تسريع تسليح تايوان والإبقاء على الرسوم الجمركية المفروضة في الولايات المتحدة على المنتجات الصينية.

انفصال بين الرئيس ومساعديه

واعتبرت أن سياسة الرئيس الصيني شي جين بينغ التي تزداد عدائية، تجعل سياسة "الغموض الاستراتيجي" غير ذات جدوى، مضيفة أن تايوان، مثل أوكرانيا، هي نقطة مركزية في الصراع بين الولايات المتحدة ودولة أوتوقراطية.

من جهتها، رأت صحيفة "نيويورك تايمز"، أنه إذا كان الرئيس قد "خرج عن النص"، فهذا يعني أنه "لا يؤمن كثيراً بالنص"، لافتة إلى أن ذلك أصبح من سمات عهد بايدن، إذ إنه كلما تفوه بكلمة من هذا النوع، سارع البيت الأبيض إلى القيام بـ"حملة تنظيف"، لكن الرئيس يعيد الكرّة مرة أخرى، ليقول ما "يخطر في باله". وأشارت إلى أنه قد يكون هناك بعض "الانفصال" بين بايدن ومساعديه.

وسلّطت الصحيفة الضوء على أن تصريح بايدن قد أقحم اليابان أيضاً في مسألة الانخراط العسكري، نظراً لإدلائه به أمام رئيس الوزراء الياباني. وقال نائب رئيس معهد التخرج الوطني لدراسات السياسات في طوكيو، ناروشيغي ميتشيشيتا، للصحيفة، إن صنّاع القرار الصينيين "عليهم أن يأخذوا بالاعتبار إمكانية انخراط اليابان عسكرياً عندما يخططون أو يقررون اجتياح تايوان أو لا".

وفي افتتاحيتها أيضاً، اعتبرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، أن الرئيس قد يكون قصد فعلاً ما قاله أول من أمس من طوكيو، لافتة إلى أن تصريح بايدن ليس "نموذجاً للوضوح"، لكنه قد يكون "تغييراً في السياسة من الوضوح الاستراتيجي إلى حماية تايوان". ورأت أن الرئيس الديمقراطي هو "سيّد التشويش اللفظي، لكن ربما قد يكون يفعل ذلك عمدا"ً، مضيفة أن المشكلة "هي أن لا أحد بإمكانه الادعاء معرفة ما هي السياسة الأميركية اليوم".

وحذّرت "وول ستريت جورنال" من أن مسارعات البيت الأبيض للتصحيح "تضعف مصداقية الرئيس أمام خصومه وأعدائه". كما رأت أن دعم تايوان يتطلب الإسراع في تسليحها وبناء الدفاعات الأميركية، داعية إلى التعلم من دروس أوكرانيا، وعدم انتظار الغزو حتى يحصل.


 

المساهمون