10 نوفمبر 2024
داعش وكورونا و"المربع الأول"
تشير تقارير أممية وتحذيرات عديدة إلى خطورة أن يستثمر تنظيم ما يسمّى "الدولة الإسلامية" (داعش) الظروف الراهنة بانشغال الحكومات والدول بمحاربة وباء كورونا، ليقوم بإعادة هيكلة بنيته وعملياته وتنشيط خلاياه للقيام بعمليات جديدة، والعودة إلى السيطرة على بعض الأراضي التي فقدها.
التنظيم لم يكذّب خبراً بالفعل، إذ نشط، في الآونة الأخيرة، ولم يثنه مقتل الصف الأول، فبدأ قائده الجديد، أبو إبراهيم الهاشمي، بإعادة الهيكلة وبناء استراتيجيات جديدة للمرحلة الحالية. ومن خلال التجربة التاريخية، فإنّ تنظيمي داعش والقاعدة قد تعلما دروساً كبيرة، في الأعوام الماضية، مما حدث معهما، فـ"القاعدة" أعاد تأسيس بنيته، والانتقال إلى إطار العمل اللامركزي، بعد الحرب الأفغانية 2002، بينما اكتسب تنظيم داعش "خبرة" من تجربته في العراق، بعد مقتل الزرقاوي 2006، فأعاد لاحقاً على يد قياداته بناء خلاياه واستراتيجياته، وشهد انطلاقة أخرى في العام 2011، قبل أن يتوسع، ويعلن الخلافة التي تمت إطاحتها بجهود دولية وإقليمية ومحلية، ليخسر جميع الأراضي التي أعلن قيام دولته عليها.
من الضروري الإشارة، هنا، إلى أنّ الإعلان عن نهاية التنظيم بخسارة قياداته ودولته وأراضيه كانت متسرّعة وغير مدروسة، ففي الأعوام الماضية كان التنظيم سريع "التكيّف" مع الأحداث، وانتقل مرّة أخرى إلى الصحراء والمخابئ، وحروب العصابات، وقام بتنفيذ مئات العمليات.
لم يُخف التنظيم في أزمة كورونا خططه، فكشفت مجلته (النبأ) عن ضرورة استثمار الظرف الراهن، والقيام بعمليات والمضي في إعادة البناء. وبالفعل، تراجعت كثيراً الجهود الدولية والإقليمية والمحلية مع انشغال الدول بالحرب على كورونا، وإعلان عديد من حكومات التحالف "ضد الإرهاب" سحب قواتها، ووقف عملياتها. ولكن قبل ذلك، كانت الخلافات السياسية، دولياً وإقليمياً ومحلياً، في العراق وغيرها من الدول، تطيح التنسيق والتحالف الذي قاد العمل ضد التنظيم، خصوصا مع ارتفاع وتيرة التصعيد الأميركي - الإيراني في العراق.
مع ذلك، تشكل مثل هذه الظروف والحيثيات جزءاً من المعادلة فقط، ولكن الجزء الأهم الذي قد يعيدنا إلى "المربع الأول" كالعادة، هو أنّ قوة التنظيم وصعوده ونشاطه ترتبط بما هو أهم من ذلك، بمدخلاتٍ من السياسات العقيمة، الاستبدادية والتسلطية، والشعور بغياب العدالة والتهميش وتعاظم الأزمات السياسية، بما يخلق بيئةً مناسبة للتجنيد والدعاية والعمل لدى التنظيمات المتطرفة.
أخطر ما في الأمر أنّ سياسات كورونا العربية تقوم على استثمار مواجهة الوباء الصحي من خلال قوانين الدفاع والطوارئ وتعزيز القبضة الأمنية، وقمع الحريات، بما يعزّز الأزمات السياسية ويجذّرها، مع تنامي الأزمات الاقتصادية والمجتمعية المترتبة على تداعيات كورونا اقتصادياً، ما يجعل من حجم الغضب والإحباط وخيبة الأمل لدى جيل الشباب الذي يبحث عن متنفسٍ من هذه الظروف الخانقة، كبيراً جداً، وهنا كلمة السرّ في صعود البيئة الحاضن للإرهاب والتطرف في مختلف الدول العربية وتناميها.
يعزّز من ذلك كلّه التحول في السياسات الدولية، خصوصا الأميركية، مع حقبة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إذ دفنت السياسات الأميركية أي دعواتٍ عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأعادت تجديد "الصفقة التاريخية" مع الأنظمة السلطوية، تلك الصفقة التي حمّلتها مراكز التفكير الأميركية والخبراء الاستراتيجيون بعد أحداث "11 سبتمبر" في 2001، مسؤولية صعود القاعدة، ثم تنظيم داعش الذي تغذّى جيداً على هذه الأزمات السياسية والاقتصادية والمجتمعية والفجوة بين الأنظمة والشعوب، وخصوصا جيل الشباب العربي.
كان الربيع العربي فرصةً جيدة للجميع للخروج من المستنقع، عبر إيجاد فجوةٍ في جدار الإحباط لدى الشعوب والمجتمعات، ولكن "الثورة المضادة" التي قادتها الحكومات أعادت الجميع إلى السياسات نفسها التي ولّدت الأزمات، ثم تأتي اليوم القبضة الأمنية و"الاستثمار" في كورونا لتعزّز هذه الحالة!
من جديد، لا يمكن الفصل بين أزمة وأخرى، فهي مركّبة ومعقّدة، والخروج من وباء كورونا، أو حتى وباء داعش والتطرّف، لا يكون إلاّ بالتخلص من وباء الاستبداد والفكر السلطوي العقيم الذي أوصل سفن المجتمعات العربية إلى الغرق في هذا المستنقع.
من الضروري الإشارة، هنا، إلى أنّ الإعلان عن نهاية التنظيم بخسارة قياداته ودولته وأراضيه كانت متسرّعة وغير مدروسة، ففي الأعوام الماضية كان التنظيم سريع "التكيّف" مع الأحداث، وانتقل مرّة أخرى إلى الصحراء والمخابئ، وحروب العصابات، وقام بتنفيذ مئات العمليات.
لم يُخف التنظيم في أزمة كورونا خططه، فكشفت مجلته (النبأ) عن ضرورة استثمار الظرف الراهن، والقيام بعمليات والمضي في إعادة البناء. وبالفعل، تراجعت كثيراً الجهود الدولية والإقليمية والمحلية مع انشغال الدول بالحرب على كورونا، وإعلان عديد من حكومات التحالف "ضد الإرهاب" سحب قواتها، ووقف عملياتها. ولكن قبل ذلك، كانت الخلافات السياسية، دولياً وإقليمياً ومحلياً، في العراق وغيرها من الدول، تطيح التنسيق والتحالف الذي قاد العمل ضد التنظيم، خصوصا مع ارتفاع وتيرة التصعيد الأميركي - الإيراني في العراق.
مع ذلك، تشكل مثل هذه الظروف والحيثيات جزءاً من المعادلة فقط، ولكن الجزء الأهم الذي قد يعيدنا إلى "المربع الأول" كالعادة، هو أنّ قوة التنظيم وصعوده ونشاطه ترتبط بما هو أهم من ذلك، بمدخلاتٍ من السياسات العقيمة، الاستبدادية والتسلطية، والشعور بغياب العدالة والتهميش وتعاظم الأزمات السياسية، بما يخلق بيئةً مناسبة للتجنيد والدعاية والعمل لدى التنظيمات المتطرفة.
أخطر ما في الأمر أنّ سياسات كورونا العربية تقوم على استثمار مواجهة الوباء الصحي من خلال قوانين الدفاع والطوارئ وتعزيز القبضة الأمنية، وقمع الحريات، بما يعزّز الأزمات السياسية ويجذّرها، مع تنامي الأزمات الاقتصادية والمجتمعية المترتبة على تداعيات كورونا اقتصادياً، ما يجعل من حجم الغضب والإحباط وخيبة الأمل لدى جيل الشباب الذي يبحث عن متنفسٍ من هذه الظروف الخانقة، كبيراً جداً، وهنا كلمة السرّ في صعود البيئة الحاضن للإرهاب والتطرف في مختلف الدول العربية وتناميها.
يعزّز من ذلك كلّه التحول في السياسات الدولية، خصوصا الأميركية، مع حقبة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إذ دفنت السياسات الأميركية أي دعواتٍ عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأعادت تجديد "الصفقة التاريخية" مع الأنظمة السلطوية، تلك الصفقة التي حمّلتها مراكز التفكير الأميركية والخبراء الاستراتيجيون بعد أحداث "11 سبتمبر" في 2001، مسؤولية صعود القاعدة، ثم تنظيم داعش الذي تغذّى جيداً على هذه الأزمات السياسية والاقتصادية والمجتمعية والفجوة بين الأنظمة والشعوب، وخصوصا جيل الشباب العربي.
كان الربيع العربي فرصةً جيدة للجميع للخروج من المستنقع، عبر إيجاد فجوةٍ في جدار الإحباط لدى الشعوب والمجتمعات، ولكن "الثورة المضادة" التي قادتها الحكومات أعادت الجميع إلى السياسات نفسها التي ولّدت الأزمات، ثم تأتي اليوم القبضة الأمنية و"الاستثمار" في كورونا لتعزّز هذه الحالة!
من جديد، لا يمكن الفصل بين أزمة وأخرى، فهي مركّبة ومعقّدة، والخروج من وباء كورونا، أو حتى وباء داعش والتطرّف، لا يكون إلاّ بالتخلص من وباء الاستبداد والفكر السلطوي العقيم الذي أوصل سفن المجتمعات العربية إلى الغرق في هذا المستنقع.