01 يناير 2024
عن لائحة الاتهام التركية ضد قتلة خاشقجي
أصدر المدّعي العام التركي، الأربعاء الماضي (25/3/2020)، لائحة اتهام ضد 20 متهماً سعودياً في جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول في أكتوبر/ تشرين الأول 2018. شملت طلب الحبس المشدد والمؤبد لنائب رئيس الاستخبارات السابق، أحمد عسيري، وسعود القحطاني المستشار السابق في مكتب ولي العهد محمد بن سلمان، إضافة إلى فريق التنفيذ المؤلف من 18 متهماً بقيادة الضابط في الحرس الملكي، ماهر مطرب. وبدت اللائحة لافتة من حيث الشكل والمضمون، سياسياً وقانونياً. كذلك وعلى الرغم من عدم تدخل الحكومة التركية في مجريات التحقيق، انسجاماً مع فصل السلطات المعمول به في الأنظمة الديمقراطية، إلا أنها لم تعمد، من جهة أخرى، إلى قبول الإغراءات، وتسوية القضية سياسياً ودبلوماسياً، أو التعاطي إيجاباً مع المحاكمة السعودية الصورية، ولم تسع طبعاً إلى عرقلة التحقيق وإيقافه، بل قدمت كل الدعم اللازم للنيابة العامة، من أجل القيام بمسؤولياتها المهنية باحترافية ودقة وصبر.
من الناحية السياسية، تترجم لائحة الاتهام ما اعتبره الرئيس التركي، أردوغان، ديناً تجاه عائلة المرحوم خاشقجي، عبر تعقب الجناة ومحاسبتهم، كما تعبر عن قناعاته (أردوغان) بأن العدالة لا تتحقق إلا من خلال المحكمة الوطنية والدولية. وواضحٌ أن الخطوة الأولى باتت على
الطريق الصحيح، في انتظار الخطوة (أو المرحلة) الثانية، المتمثلة بإجراء محاكمة دولية للمتهمين لإجبار الرياض على التعاون مع التحقيق، وصولاً إلى تسليم المتهمين، أو السماح باستجوابهم بحرية وشفافية من دون ضغوط.
في مضمون لائحة الاتهام، تأكيد على العمل المهني الاحترافي الدقيق والصبور، حيث جرى خلال عام ونصف العام تقريباً الاستماع إلى 55 شاهداً، بينهم خديجة جنكيز خطيبة خاشقجي، إضافة إلى مكالمات هاتفية ومراجعة كاميرات المراقبة وتحقيقات ميدانية مباشرة، للحصول على أدلة من مسرح الجريمة، أي مبنى القنصلية السعودية ومنزل القنصل محمد العتيبي ومؤسسات ومبان أخرى ذات صلة. ولذلك، لا يمكن التشكيك أبداً في مهنية التحقيقات أو نزاهتها وشفافيتها، خصوصاً أن محاكمة المتهمين ستكون علنية أيضاً، ومستوفية الشروط والمتطلبات القانونية، بحضور منظمات دولية حقوقية معنية.
إلى ذلك، أهم ما في اللائحة يتمثل بتوجيه الاتهام إلى أحمد عسيري وسعود القحطاني، لإعطائهما أوامر القتل الهمجي المتعمد عن سبق إصرار وترصد، بناء على تسجيلات لاتصالات هاتفية بينهم وبين فريق التنفيذ. وهذا يعني إغلاقاً للدائرة وإيجاداً للحلقة المفقودة وإجابة عن السؤال عمن أصدر الأوامر للفريق، لاستحالة أن يتوجه فريق موظفين رسميين من الرياض إلى إسطنبول على متن طائرات مستأجرة رسمياً من الحكومة السعودية، من دون علم مسؤولين سياسيين رفيعي المستوى وتورّطهم.
يبدو أن الأدلة لا تسمح، حتى الآن، بتوجيه الاتهام رسمياً إلى ولي العهد السعودي، محمد بن
سلمان، الأمر الذي قد يكون مرتبطاً بالتحقيق الدولي الرسمي، من أجل استجواب العسيري والقحطاني ومساءلتهما عمّن أعطاهما الأوامر والتعليمات، لتكليف فريق التنفيذ بارتكاب الجريمة بهذه الطريقة البشعة. وهذا لا ينفي أن الإدانة السياسية بحق بن سلمان قد وقعت، ليس فقط لتورّط مسؤولين وموظفين في ديوانه، وتابعين له مباشرة، وإنما أيضاً لتحكّمه التام بمقاليد السلطة في السعودية. وبالتأكيد، تحول طبائع الاستبداد دون تصرف أي موظف، من دون أوامر الحاكم بأمره.
وتمثل لائحة الاتهام خطوة مهمة جداً، إذ باتت المحاكمة حتمية ومسألة وقت، ومنوطة بالإجراءات الروتينية المعتادة، خصوصاً بعد إصدار مذكرات اعتقال حمراء للمتهمين عبر الأنتربول الدولي، ما يمثل تعبيراً إضافياً عن تصميم تركيا على القيام بواجباتها الأخلاقية والقانونية تجاه جريمةٍ ارتكبت على أراضيها، وبما يتناقض مع اتفاقية فيينا الناظمة للعمل الديبلوماسي.
إلى ذلك، بدا لافتاً جداً ومعبراً تعليق المقرّرة الأممية لحالات الإعدام خارج نطاق القضاء، أغنيس كالامارد، التي أجرت تحقيقاً غير رسمي، لصالح مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، خلصت بعده إلى ضرورة إجراء تحقيق دولي رسمي، ومحاكمة دولية للمتهمين في تركيا أو خارجها، مع انتقاد طريقة التعاطي السعودي مع القضية برمتها، وإشادة في المقابل بالإدارة التركية لها سياسياً وقانونياً. وقرأت كالامارد لائحة الاتهام بمهنية، ولخصت ملاحظاتها ببلاغة في ثلاث نقاط: التأكيد على الخلفية السياسية للجريمة، لجهة تحديد من أعطى الأوامر، ولا يمكن الاكتفاء بمحاكمة المنفذين في جريمة اغتيال صحافي صاحب رأي ووجهة نظر من دون علاقة أو مشكلة شخصية معه. اعتبارها رداً ملائماً على المحاكمة السعودية الصورية
التي هدفت إلى إقفال الملف، وليس تحقيق العدالة، كونها افتقرت إلى الشفافية والعلنية، وقامت بتبرئة متهمين من دون تحقيقات وافية وشاملة، وهدفت أساساً، إضافة إلى حماية بن سلمان، إلى نفي أي طابع أو إطار سياسي للجريمة. وتتمثل الملاحظة الثالثة في انسجام لائحة الاتهام التركية مع التزامات تركيا بالقانون الدولي، وواجباتها ومسؤولياتها تجاه الجريمة التي ارتكبت على أراضيها، وتتويجاً للعمل المهني والدقيق للنيابة العامة والأجهزة التركية المختصة، وهو ما أشادت به كالامارد دائماً.
في كل الأحوال، تمثل لائحة الاتهام خطوة مهمة على طريق إبقاء القضية حية، وكي لا يتم طيّها، وستكون بالتأكيد محاكمة علنية شفافة، وأحكام غيابية طبعاً، ما يبقي السيف مسلطاً على رقاب المتهمين، في انتظار إحقاق العدالة بشكل عملي. ولا بد من الانتباه إلى أن تركيا لم تعتبر القضية مشكلة ثنائية مع السعودية. وتقول مقاربتها ببساطة إن ثمة جريمة ارتكبت ببشاعة على الأراضي التركية، وباتت تفاصيلها واضحة تقريباً، بينما كان الخيار الأول للحكومة التركية التعاون مع نظيرتها السعودية لملاحقة المتهمين ومعاقبتهم، وتحقيق العدالة، وهو ما لم يحصل. لذلك قامت بواجباتها، بوصفها حكومة منتخبة، مسؤولة عن أمن مواطنيها وضيوفها، عبر المضي في إجراءاتها المرعية. ولأن الجريمة دولية، مع تعدد أركانها ومنفذيها وتنقلهم، فإن الأمر يستلزم بالتأكيد إجراء محاكمة دولية لتحقيق العدالة وإنصاف الضحية وأهله، وردع من قد يفكر بتكرارها ضد معارضيه، سواء فى تركيا أو أي دولة أخرى.
في مضمون لائحة الاتهام، تأكيد على العمل المهني الاحترافي الدقيق والصبور، حيث جرى خلال عام ونصف العام تقريباً الاستماع إلى 55 شاهداً، بينهم خديجة جنكيز خطيبة خاشقجي، إضافة إلى مكالمات هاتفية ومراجعة كاميرات المراقبة وتحقيقات ميدانية مباشرة، للحصول على أدلة من مسرح الجريمة، أي مبنى القنصلية السعودية ومنزل القنصل محمد العتيبي ومؤسسات ومبان أخرى ذات صلة. ولذلك، لا يمكن التشكيك أبداً في مهنية التحقيقات أو نزاهتها وشفافيتها، خصوصاً أن محاكمة المتهمين ستكون علنية أيضاً، ومستوفية الشروط والمتطلبات القانونية، بحضور منظمات دولية حقوقية معنية.
إلى ذلك، أهم ما في اللائحة يتمثل بتوجيه الاتهام إلى أحمد عسيري وسعود القحطاني، لإعطائهما أوامر القتل الهمجي المتعمد عن سبق إصرار وترصد، بناء على تسجيلات لاتصالات هاتفية بينهم وبين فريق التنفيذ. وهذا يعني إغلاقاً للدائرة وإيجاداً للحلقة المفقودة وإجابة عن السؤال عمن أصدر الأوامر للفريق، لاستحالة أن يتوجه فريق موظفين رسميين من الرياض إلى إسطنبول على متن طائرات مستأجرة رسمياً من الحكومة السعودية، من دون علم مسؤولين سياسيين رفيعي المستوى وتورّطهم.
يبدو أن الأدلة لا تسمح، حتى الآن، بتوجيه الاتهام رسمياً إلى ولي العهد السعودي، محمد بن
وتمثل لائحة الاتهام خطوة مهمة جداً، إذ باتت المحاكمة حتمية ومسألة وقت، ومنوطة بالإجراءات الروتينية المعتادة، خصوصاً بعد إصدار مذكرات اعتقال حمراء للمتهمين عبر الأنتربول الدولي، ما يمثل تعبيراً إضافياً عن تصميم تركيا على القيام بواجباتها الأخلاقية والقانونية تجاه جريمةٍ ارتكبت على أراضيها، وبما يتناقض مع اتفاقية فيينا الناظمة للعمل الديبلوماسي.
إلى ذلك، بدا لافتاً جداً ومعبراً تعليق المقرّرة الأممية لحالات الإعدام خارج نطاق القضاء، أغنيس كالامارد، التي أجرت تحقيقاً غير رسمي، لصالح مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، خلصت بعده إلى ضرورة إجراء تحقيق دولي رسمي، ومحاكمة دولية للمتهمين في تركيا أو خارجها، مع انتقاد طريقة التعاطي السعودي مع القضية برمتها، وإشادة في المقابل بالإدارة التركية لها سياسياً وقانونياً. وقرأت كالامارد لائحة الاتهام بمهنية، ولخصت ملاحظاتها ببلاغة في ثلاث نقاط: التأكيد على الخلفية السياسية للجريمة، لجهة تحديد من أعطى الأوامر، ولا يمكن الاكتفاء بمحاكمة المنفذين في جريمة اغتيال صحافي صاحب رأي ووجهة نظر من دون علاقة أو مشكلة شخصية معه. اعتبارها رداً ملائماً على المحاكمة السعودية الصورية
في كل الأحوال، تمثل لائحة الاتهام خطوة مهمة على طريق إبقاء القضية حية، وكي لا يتم طيّها، وستكون بالتأكيد محاكمة علنية شفافة، وأحكام غيابية طبعاً، ما يبقي السيف مسلطاً على رقاب المتهمين، في انتظار إحقاق العدالة بشكل عملي. ولا بد من الانتباه إلى أن تركيا لم تعتبر القضية مشكلة ثنائية مع السعودية. وتقول مقاربتها ببساطة إن ثمة جريمة ارتكبت ببشاعة على الأراضي التركية، وباتت تفاصيلها واضحة تقريباً، بينما كان الخيار الأول للحكومة التركية التعاون مع نظيرتها السعودية لملاحقة المتهمين ومعاقبتهم، وتحقيق العدالة، وهو ما لم يحصل. لذلك قامت بواجباتها، بوصفها حكومة منتخبة، مسؤولة عن أمن مواطنيها وضيوفها، عبر المضي في إجراءاتها المرعية. ولأن الجريمة دولية، مع تعدد أركانها ومنفذيها وتنقلهم، فإن الأمر يستلزم بالتأكيد إجراء محاكمة دولية لتحقيق العدالة وإنصاف الضحية وأهله، وردع من قد يفكر بتكرارها ضد معارضيه، سواء فى تركيا أو أي دولة أخرى.