24 أكتوبر 2024
عن تحدّيات "إسكات البنادق" في أفريقيا
الشافعي أبتدون
الشافعي أتبدون: إعلامي وباحث صومالي حاصل على ماجستير الصحافة من المدرسة العليا للصحافة والتواصل في باريس، صدر له كتاب "الفيدرالية في الصومال: أطماع التقسيم وتحديات الوحدة". لديه أبحاث ومقالات منشورة في مواقع ومراكز عربية وأجنبية.
اختتمت القمة الأفريقية أعمالها أخيراً في أديس أبابا، وقد عُقدت وسط تحديات سياسية واقتصادية وأمنية تواجهها القارّة الأفريقية، المثقلة بالديون الخارجية، وخصوصاً من البنك الدولي، فضلاً عن أن أجزاءً منها تواجه مخاطر تفشّي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وخصوصاً في شمال أفريقيا، بينما يتمدد "تنظيم الشباب في الصومال" في شرق القارة الأفريقية، إلى جانب غياب الإصلاحات في الهيكل التنظيمي والتأسيسي للاتحاد الأفريقي.
وقد شارك في القمة رؤساء 31 دولة وثلاثة نواب رؤساء، وأربعة رؤساء وزراء، وسبعة وزراء خارجية، وعُقدت تحت شعار "إسكات البنادق"، مدخلاً لحل القضايا الأفريقية ذات الأبعاد الإنسانية، والتي تتطلب جهداً مشتركاً دولياً وأفريقياً لحل النزاعات في أفريقيا. ولكن ثمّة تحديات كبيرة تهيمن على مجريات الشأن الأفريقي، فمن دون احتواء تلك التحدّيات ستظل أفريقيا بؤرة الصراعات وموطن كوارث إنسانية وبيئية في العالم، ولن تتغنى شعوبها بملذات الحياة التي يخوض الشباب الأفريقي من أجلها مشقة الصحراء وعباب البحر.
ومن أبرز التحدّيات في البيت الأفريقي أمام تحقيق رؤية "إسكات البنادق"، التدخل الخارجي. فقد ظلت أفريقيا عقوداً، مقصداً للقوى الاستعمارية الأوروبية لنهب ثرواتها التي لا تطاولها اليد الأفريقية، نتيجة غياب الإمكانات والفرص لاستغلالها، وهذا ما جعل القوى الكبرى، وخصوصاً فرنسا وإيطاليا وبريطانيا، تتوغل أكثر في الشؤون الأفريقية، بحكم علاقاتها الاستعمارية بالقارة. فضلاً عن أن نفوذ دول عظمى جديدة يتزايد حالياً في القارة، مثل روسيا وتركيا والصين، وإن كانت الأخيرة أقل تدخلاً في الشؤون الداخلية السياسية والأمنية في دول القارّة. ويتمركز التدخل الدولي حالياً في الصراع الليبي الذي تصدّر أجندات القادة الأفارقة في أديس أبابا. ويشتد التدخل الخارجي أيضاً بين أطراف عربية - أفريقية وخليجية وتركية لحل الصراع في ليبيا، وهذا نتيجة الانقسام الليبي، وكذلك لعدم وجود رؤية أفريقية مشتركة لحل هذا النزاع من الجوار الأفريقي لليبيا أو من الاتحاد الأفريقي. لكن هذا كله لم يحصل، ففتح الباب لممارسة ضغوط دولية وعربية تفرض على الأطراف المتصارعة في المشهد الليبي أجنداتها، وهو مشهدٌ يتفجر، حيناً بعد آخر، كفورة بركانٍ تأبى أن تخمد، ولو قليلاً.
يبدو أن التراشق الإعلامي وكَيْل التهم يجدان طريقهما بين قادة الأفارقة، خصوصاً في ما يتعلق
بالتدخلات الدولية في ليبيا، هذا إلى جانب توجيه التهم إلى دول أجنبية بعينها، وغضّ الطرف عن أخرى، ربما لتصفية حسابات سياسية في معمعة الصراع الليبي. ومن ذلك أن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وجّه تهماً جاهزة إلى تركيا بممارسة تدخل عسكري في ليبيا، على الرغم من أن هذا التدخل جاء باتفاق مع حكومة الوفاق في طرابلس التي تحظى بشرعية دولية، بينما لم تُوجّه إلى باريس أية تهمة نظير تدخلها العسكري في ليبيا، الذي استمر منذ إطاحة معمّر القذافي.
ومن التحديات أيضاً، الوساطة الأوروبية بدل الأفريقية، إذ تمثل الصراعات والأزمات الأمنية جزءاً من تخلف دول أفريقيا التي تلجأ عادة إلى الدول الأوروبية لحلّ صراعاتها. بمعنى آخر، تحجّ إلى عواصم مستعمريها القدامى، ربما للتوسط بين الحكومة ومعارضتها أو حل صراع يمكن حله محلياً وبأدوات أفريقية، لكن الوساطة الأوروبية دوماً تجد صداها أسرع من الوساطة الأفريقية التي تأتي غالباً متأخرة، بعد أن سفكت الدماء وذبحت النساء. فعدم وجود ثقة، وخصوصاً لدى الأطراف الأفريقية المتنازعة في حلّ قضاياها ومسائلها العالقة، محلياً أو أفريقيا من الاتحاد الأفريقي، تأتي الدول الأوروبية أو الأمم المتحدة في فرض إجراءات وقاية أو عدم التصعيد للأزمات في أفريقيا، وهذا ما جعل أزمات أفريقيا لا تنتهي، أو تخبو جذوة نارها ثم تشتعل مجدداً.
تُعَدّ تجربة التدخلات في الصومال، وخصوصاً من الأمم المتحدة والدول الأوروبية، أفضل مثال في هذا الصدد. فمنذ التدخل الأممي عام 1992 تحت شعار "إعادة الأمل"، فشلت تلك الجهود، وانتهت إلى تقاتل شرس بين الصوماليين، وكذلك لم تفلح الجهود العربية لإخماد نار الصراعات، بينما غابت الحلول الأفريقية، وحلّ محلها تدخلٌ دوليٌّ وإقليميٌّ يذكي المواجهات العسكرية الشرسة في مقديشو وضواحيها، وهذا مما ينطبق حالياً على المشهد في ليبيا. ويمثل تحدّياً آخر بالنسبة إلى القادة الأفريقية لحل الصراع في ليبيا بأدوات وحلول أفريقية.
وهناك غياب الإمكانات لحل النزاعات في تحدّ ثالث، لاحتواء بؤر القلاقل والصراعات في
أفريقيا. فعدم وجود ميزانية أو رغبة أفريقية جادّة للحد من الأزمات السياسية والأمنية مشكلة عويصة للاتحاد الأفريقي، ما يعتبر فشلاً أفريقياً في تحقيق السلام أو فرضه في القارّة الأفريقية، كذلك فإنه يُفقد الاتحاد الأفريقي جدوى تأسيسه، ويجعله جسداً بلا روح، وهيكلاً فارغاً. وعلى الرغم من ضآلة خزائن دول أفريقيا، لحل نزاعاتها، فهذه هي عين التدخلات الأجنبية في شؤونها المحلية، ويحيل صراعاتها إما على الأمم المتحدة أو تحت رعاية دول أوروبية ووصايتها.
في النهاية، تدخل أفريقيا القرن الحادي والعشرين من دون أن تتوافر لها ركائز استراتيحية لترتيب بيتها من الداخل، فالأزمات السياسية والصراعات وقضايا التطرّف تهيمن على مستقبل دول القارّة الأفريقية. فشرقها يشهد تحالفاتٍ جيوسياسيةً جديدة، إلى جانب تمدّد تنظيمي القاعدة وداعش فيها. بينما في الشمال، ينتاب دولاً كثيرة منها قلق بشأن إمكانية أن تتحوّل إلى موطن جديد لـ"داعش"، فضلاً عن تفاقم الصراعات في ليبيا وجنوب السودان. إذاً، التحديات في أفريقيا كبالونة مفرقعات تزداد ضخامة، والإمكانات الأفريقية قليلة، لمنع تفجرها لحظة امتلائها.
ومن أبرز التحدّيات في البيت الأفريقي أمام تحقيق رؤية "إسكات البنادق"، التدخل الخارجي. فقد ظلت أفريقيا عقوداً، مقصداً للقوى الاستعمارية الأوروبية لنهب ثرواتها التي لا تطاولها اليد الأفريقية، نتيجة غياب الإمكانات والفرص لاستغلالها، وهذا ما جعل القوى الكبرى، وخصوصاً فرنسا وإيطاليا وبريطانيا، تتوغل أكثر في الشؤون الأفريقية، بحكم علاقاتها الاستعمارية بالقارة. فضلاً عن أن نفوذ دول عظمى جديدة يتزايد حالياً في القارة، مثل روسيا وتركيا والصين، وإن كانت الأخيرة أقل تدخلاً في الشؤون الداخلية السياسية والأمنية في دول القارّة. ويتمركز التدخل الدولي حالياً في الصراع الليبي الذي تصدّر أجندات القادة الأفارقة في أديس أبابا. ويشتد التدخل الخارجي أيضاً بين أطراف عربية - أفريقية وخليجية وتركية لحل الصراع في ليبيا، وهذا نتيجة الانقسام الليبي، وكذلك لعدم وجود رؤية أفريقية مشتركة لحل هذا النزاع من الجوار الأفريقي لليبيا أو من الاتحاد الأفريقي. لكن هذا كله لم يحصل، ففتح الباب لممارسة ضغوط دولية وعربية تفرض على الأطراف المتصارعة في المشهد الليبي أجنداتها، وهو مشهدٌ يتفجر، حيناً بعد آخر، كفورة بركانٍ تأبى أن تخمد، ولو قليلاً.
يبدو أن التراشق الإعلامي وكَيْل التهم يجدان طريقهما بين قادة الأفارقة، خصوصاً في ما يتعلق
ومن التحديات أيضاً، الوساطة الأوروبية بدل الأفريقية، إذ تمثل الصراعات والأزمات الأمنية جزءاً من تخلف دول أفريقيا التي تلجأ عادة إلى الدول الأوروبية لحلّ صراعاتها. بمعنى آخر، تحجّ إلى عواصم مستعمريها القدامى، ربما للتوسط بين الحكومة ومعارضتها أو حل صراع يمكن حله محلياً وبأدوات أفريقية، لكن الوساطة الأوروبية دوماً تجد صداها أسرع من الوساطة الأفريقية التي تأتي غالباً متأخرة، بعد أن سفكت الدماء وذبحت النساء. فعدم وجود ثقة، وخصوصاً لدى الأطراف الأفريقية المتنازعة في حلّ قضاياها ومسائلها العالقة، محلياً أو أفريقيا من الاتحاد الأفريقي، تأتي الدول الأوروبية أو الأمم المتحدة في فرض إجراءات وقاية أو عدم التصعيد للأزمات في أفريقيا، وهذا ما جعل أزمات أفريقيا لا تنتهي، أو تخبو جذوة نارها ثم تشتعل مجدداً.
تُعَدّ تجربة التدخلات في الصومال، وخصوصاً من الأمم المتحدة والدول الأوروبية، أفضل مثال في هذا الصدد. فمنذ التدخل الأممي عام 1992 تحت شعار "إعادة الأمل"، فشلت تلك الجهود، وانتهت إلى تقاتل شرس بين الصوماليين، وكذلك لم تفلح الجهود العربية لإخماد نار الصراعات، بينما غابت الحلول الأفريقية، وحلّ محلها تدخلٌ دوليٌّ وإقليميٌّ يذكي المواجهات العسكرية الشرسة في مقديشو وضواحيها، وهذا مما ينطبق حالياً على المشهد في ليبيا. ويمثل تحدّياً آخر بالنسبة إلى القادة الأفريقية لحل الصراع في ليبيا بأدوات وحلول أفريقية.
وهناك غياب الإمكانات لحل النزاعات في تحدّ ثالث، لاحتواء بؤر القلاقل والصراعات في
في النهاية، تدخل أفريقيا القرن الحادي والعشرين من دون أن تتوافر لها ركائز استراتيحية لترتيب بيتها من الداخل، فالأزمات السياسية والصراعات وقضايا التطرّف تهيمن على مستقبل دول القارّة الأفريقية. فشرقها يشهد تحالفاتٍ جيوسياسيةً جديدة، إلى جانب تمدّد تنظيمي القاعدة وداعش فيها. بينما في الشمال، ينتاب دولاً كثيرة منها قلق بشأن إمكانية أن تتحوّل إلى موطن جديد لـ"داعش"، فضلاً عن تفاقم الصراعات في ليبيا وجنوب السودان. إذاً، التحديات في أفريقيا كبالونة مفرقعات تزداد ضخامة، والإمكانات الأفريقية قليلة، لمنع تفجرها لحظة امتلائها.
الشافعي أبتدون
الشافعي أتبدون: إعلامي وباحث صومالي حاصل على ماجستير الصحافة من المدرسة العليا للصحافة والتواصل في باريس، صدر له كتاب "الفيدرالية في الصومال: أطماع التقسيم وتحديات الوحدة". لديه أبحاث ومقالات منشورة في مواقع ومراكز عربية وأجنبية.
الشافعي أبتدون
مقالات أخرى
03 سبتمبر 2024
18 اغسطس 2024
27 يوليو 2024