أميركا – إيران.. ضرب تحت الحزام

15 مايو 2019
+ الخط -
اقتربت الولايات المتحدة الأميركية وإيران من اجتياز الخط الفاصل بين المواجهتين، السياسية والعسكرية، بانتقالهما من التصعيد السياسي إلى التحرّكات العسكرية، ما زاد من احتمال انفجار مواجهةٍ عسكريةٍ بينهما؛ وضع الإقليم والعالم في حالة ترقب وقلق شديدين. انتقلت الولايات المتحدة من تصفير الفوائد الاقتصادية للاتفاق النووي، المعروف رسمياً بـ"خطة العمل الشاملة المشتركة"، عبر الانسحاب منه، وإعادة فرض العقوبات الاقتصادية (أعيد فرض العقوبات على مرحلتين رئيستين، في أغسطس/ آب ونوفمبر/ تشرين الثاني 2018)، إلى العمل على تصفير صادرات النفط والغاز الإيرانيين، إلى إضافة قطاعات الحديد والصلب والألومنيوم والنحاس الإيرانية إلى قائمة العقوبات، إلى تصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، وصولا إلى حشد قوة بحرية وجوية ضاربة، تنفيذا لاستراتيجية "الضغوط القصوى" التي أعلنتها "الإدارة" لمواجهة ما تعتبره خطراً إيرانياً. وكانت قد شكلت، يوم 16 أغسطس/ آب 2018، مجموعة عمل، أطلقت عليها تسمية "مجموعة العمل الإيرانية" برئاسة براين هوك، مدير التخطيط في وزارة الخارجية، لتنفيذ هذه الاستراتيجية.
قالت الإدارة الأميركية إنها لا تريد "تغيير النظام"، وإن هدفها من هذه الإجراءات "تغيير سلوك النظام"، كما أنها لا تريد الحرب مع إيران؛ لكنها سترد "رداً سريعاً وحازماً" على "أي هجوم" قد تشنّه إيران أو أيٌّ من حلفائها على مصالح أميركية، وفق إعلان وزير الخارجية،
 مايك بومبيو. وقد حثّ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، القيادة الإيرانية على الجلوس والحوار معه بشأن التخلي عن برنامجها النووي؛ ولمزيد من الضغط مرّر رقم هاتفه إلى القيادة الإيرانية عبر الحكومة السويسرية التي ترأس مكتب رعاية المصالح الأميركية في طهران، في إشارةٍ إلى أنه ليس لديها خيار آخر. كانت (الإدارة الأميركية) قد وضعت شروطها للتفاوض، وهي اثنا عشر أعلنها بومبيو في مايو/ أيار العام الماضي، والتي تستهدف برنامجها النووي والصاروخي الذي يحمل تهديداً كامناً لحلفاء واشنطن، ودورها ونفوذها وأذرعها الإقليمية.
لم تعر إيران اهتماماً لانتقادات المرشح الرئاسي الجمهوري، دونالد ترامب، للاتفاق النووي الذي وقعته مع مجموعة 5+1، وكانت تراهن على فوز المرشح الديمقراطي هيلاري كلينتون، ولأنها تعتبر الاتفاق نصاً دوليا مدعوما بقرار مجلس الأمن رقم 2231. وقد تعزّزت قناعتها هذه بمرور الشهور على توليه الرئاسة، من دون اتخاذه موقفا من الاتفاق، ولذا كان قراره الانسحاب من الاتفاق يوم 8 مايو/ أيار 2018 مفاجئا أثار حفيظتها، لكنها تبنّت، في البداية، ردّا سياسيا برفع شكوى إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، ضد الولايات المتحدة لإخلالها بمعاهدة الصداقة الإيرانية - الأميركية، الموقعة بين البلدين عام 1955، عبر فرضها العقوبات الاقتصادية عليها، والتي (المحكمة) أصدرت يوم 28 أغسطس/ آب 2018 حكما لصالح إيران؛ لكن الولايات المتحدة أجهضته بإعلانها إلغاء المعاهدة.
تصاعدت، مع مرور الوقت، التهديدات الإيرانية ضد الولايات المتحدة وحلفائها، الدول العربية الخليجية المصدِّرة للنفط، وخصوصاً السعودية (تدمير القوة الأميركية في المنطقة، منع تصدير النفط الخليجي، إغلاق مضيق هرمز)، والدول الأوروبية، تصريح وزير الداخلية الإيراني، عبدالرضا رحماني فضلي، الذي قال فيه: "إذا أغمضنا عيوننا 24 ساعة، سيذهب مليون لاجئ إيراني إلى أوروبا عبر حدودنا الغربية" من خلال تركيا. و"تهريب نحو 5000 طن من المخدّرات إلى الغرب"، ودعت الدول الموقعة على الاتفاق النووي إلى التصدي للموقف الأميركي، وتعويضها على خسائرها الاقتصادية التي ستنجم عن العقوبات الأميركية التي أثرت على الاقتصاد الإيراني بقوة، وصفها الرئيس الإيراني، روحاني، بالموجعة، فقد تراجع سعر صرف العملة الوطنية، وفقدت أكثر من 150% من قيمتها؛ وتراجع النمو العام بنسبة 3.8% وبلغ التضخم نسبة 30%، حسب المصادر الرسمية، وقدّر صندوق النقد الدولي تراجع الاقتصاد الإيراني هذا العام بنسبة 6% ونسبة التضخم بـ 40%، وتوقع انخفاض صادرات النفط الإيراني إلى 1.3 مليون برميل في اليوم، كان في العام الماضي 2.8 مليون، ما سيؤدي إلى تراجع الاحتياطي النقدي الأجنبي الذي يعتمد على مبيعات النفط والغاز، المصدر الرئيسي للعملة الصعبة بنسبة 80%، وارتفاع الأسعار ارتفاعا غير مسبوق. هذا قبل بلوغ صادراتها من النفط نسبة الصفر التي تسعى الإدارة الأميركية إلى بلوغها.
تبنّت إيران في مواجهة العقوبات تكتيك الصبر الاستراتيجي، "التأقلم مع الظروف الجديدة"، عبر إعادة التأكيد على خيار الاقتصاد المقاوم الذي طرحه المرشد الأعلى، علي خامنئي، 
و"رفض التفاوض مع تجنب الانزلاق نحو الحرب"، بغية كسب مزيدٍ من الوقت، بانتظار ما ستؤول إليه الأوضاع الداخلية الأميركية ونتائج الانتخابات الرئاسية في العام 2020. غير أن ما عكسته المؤشرات الأميركية من ترجيح حصول الرئيس، دونالد ترامب، على ولاية ثانية، من جهة، والآثار الاقتصادية المدمرة للعقوبات التي فرضت إلى الآن، وتوقع فرض مزيد منها، (يتوقع معلقون أن يضيف الرئيس الأميركي البتروكيميائيات إلى لائحة العقوبات) من جهة ثانية، كلها عوامل دفعت القيادة الإيرانية إلى العودة إلى سياسة حافة الهاوية، بتحريك وكلائها لمهاجمة مصالح أميركية في المنطقة، وإمهال الدول الأوروبية ستين يوما للتحرّك لإنقاذ الاتفاق النووي بتفعيل آلية "إنستكس"، التي أنشأتها الترويكا الأوروبية (ألمانيا وبريطانيا وفرنسا) في يناير/ كانون الثاني الماضي، لدعم المبادلات التجارية معها، وتوسيع دائرة عملها لتشمل النفط والمصارف، الدول الثلاث قصرت عملها على الغذاء والدواء، لتخفيف آثار العقوبات الأميركية، وإلا ستتوقف عن الالتزام ببعض بنود الاتفاق النووي، بوقف الالتزام بالحد من مخزون اليورانيوم ودرجة تخصيبه، وإنتاج المياه الثقيلة المستخدمة في إنتاج البلوتونيوم الذي يمكن استخدامه طريقة بديلة لإنتاج رأس نووي. أشار الرئيس، حسن روحاني، إلى المادتين 26 و36 من الاتفاق النووي (وقف تنفيذ الالتزامات بموجب "خطة العمل الشاملة المشتركة" الراهنة في حال أعادت واشنطن فرض العقوبات، وإحالة قضايا عدم الامتثال "إلى اللجنة المشتركة للتسوية" واستخدام قرارها في وقف الالتزام بالاتفاق).
ردّت الولايات المتحدة بتحريك قوة عسكرية مكونة من حاملة الطائرات، يو إس إس أبراهام لنكولن، ترافقها كاسحة ألغام وغواصة أو غواصتان وبارجة وفرقاطتان، والسفينة البرمائية الهجومية، يو إس إس أرلنغتون، وأربع قاذفات استراتيجية "بي 52 ستراتوفورتريس" ستنتشر قرب الحدود البحرية والبرية الإيرانية، وأعادت نشر صواريخ باتريوت في دول في المنطقة؛ بعد أن كانت سحبت كثيرا منها في العام الماضي، لردع الإيرانيين والضغط عليهم للتخلي عن أية خيارات عسكرية. قال قائد القيادة الأميركية الوسطى، فرانك ماكنزي، "إن قرار تعزيز القوات الأميركية جاء ردا على مؤشرات مقلقة وتصعيدية، وعددٍ من التحذيرات". كما تحدث الناطق باسمه بيل أروبان، عن وجود "مؤشرات واضحة على أن الإيرانيين ووكلائهم يحضّرون لتنفيذ اعتداء محتمل على القوات الأميركية في المنطقة".
لا تريد الإدارة الأميركية حربا مع إيران، لكنها لا تستبعدها، وفق تصريح ترامب، يوم 9 مايو/ أيار الحالي، في ضوء "تزايد التوتر بين البلدين"، كما قال، فعدم استبعاد مواجهة عسكرية مرتبط بشكل رئيس بسياسة إيران التي تعتمد في صراعاتها المسلحة على الوكلاء، تتم خارج حدودها وخسائر بشرية غير إيرانية، بينما عائدها العسكري والسياسي يصب في
 طاحونتها، من جهة، وما تعتبره كعب آخيل الدول الديمقراطية: الخسائر البشرية، من جهة ثانية، فهي تحلم بتكرار ضربة المارينز في بيروت عام 1983 وانسحاب القوات الأميركية من لبنان، والدور الذي قامت به المليشيات الموالية لها في العراق من 2003 إلى 2011، وما ألحقته بالقوات الأميركية من خسائر، 603 قتلى، وفق وزارة الخارجية الأميركية، عجّلت برحيلها من العراق. بالإضافة إلى حاجة الرئيس الأميركي إلى الضغط والتوتير، عله يكرّر تجربته مع كوريا الشمالية التي خضعت للضغط، وانحازت إلى المفاوضات، من جهة، وحاجته إلى إيصال رسالة إلى كوريا الشمالية، عبر ضرب مواقع إيرانية بقوة نارية كبيرة، من جهة ثانية، والتغطية على المأزق الذي وضع نفسه فيه في فنزويلا، من جهة ثالثة، ناهيك عن احتمال تكرار حادثة اصطدام فرقاطة الصواريخ الموجهة الأميركية "يو إس إس صموئيل" بلغم بحري زرعته إيران في الخليج عام 1988، ما دفع القوات الأميركية إلى توجيه ضربة كاسحة للبحرية الإيرانية استمرت أربعة أيام، كبّدتها منشآت بحرية واستخباراتية على منصتي نفط، وإغراق ثلاثة زوارق سريعة مسلحة، وفرقاطة، وزورق هجومي، وإصابة الفرقاطة سابالان، وفقدان نصف الأسطول العملياتي، ومقتل 55 عنصراً من البحرية الإيرانية، تُبقي احتمال الانزلاق إلى مواجهة عسكرية، ولو محدودة، بين البلدين واقعياً.
6CA590C2-8659-4A0A-A922-01E9ECC0A639
علي العبدالله

كاتب سوري