11 نوفمبر 2024
تونس في أجواء مناخ انتخابي
مع رحيل الربيع بعد أسابيع قليلة، بدأت تهب على سماء تونس ما تتشكل به مناخات الانتخابات المقبلة، والتي تفصلنا عنها أشهر قليلة. تحل الانتخابات مع فصل الخريف، وليس مصادفةً أن تكون مناخات الانتخابات هذه حاملة ملامح هذا الفصل بالذات. اضطرابات لا تخلو من عواصف، وعدم استقرار ومخاوف عديدة وتأرجح بين الرجاء والرحمة والقلق. تسقط أوراق لا شك وتنبت أخرى. بدأت تحركات اجتماعية حادة، لم تخل من عنفٍ أحياناً بين هؤلاء المحتجين وقوات الأمن، على خلفية قضايا قديمة، عجزت عن حلها الحكومات المتعاقبة بعد الثورة، وهي نتيجة تركة أنظمة سابقة، وخطط تنمية عاجزة عن حل معضلات البطالة والتشغيل والتفاوت الجهوي. يتم حاليا الاشتغال على إحياء هذه المطالب، جزءا من حصص حمائية، تبحث عن استثمار إخفاقات الحكومة الحالية، وتسجيل نقاط انتخابية في حساب خصومها، وهم كثيرون. انتشرت هذه الحركات الاحتجاجية تحت لافتة قضايا ظلت تراوح مكانها، على غرار التفاوت الجهوي والبطالة المزمنة وغلاء الأسعار، غير أنها تغذّت من أسباب وعوامل أخرى مستجدة، لعل أهمها الزيادة في أسعار المحروقات ونفاد بعض المواد الاستهلاكية، على غرار الحليب والزيت.. إلخ. بالموازاة مع ذلك، دخلت عدة قطاعات في سلسلة من الإضرابات، على غرار إضراب عمال السكك الحديدية والنقل البرّي وموزعي المحروقات والطيران، وغيرها من القطاعات ذات الأهمية القصوى في حياة الناس اليومية، والمتوقع أن تلتحق، في الأيام القليلة المقبلة، قطاعات أخرى بهذه الإضرابات. وربما تريد قطاعات عديدة أن تسابق قدوم شهر
رمضان الذي يتزامن مع بدء موسم الامتحانات المدرسية والجامعية الذي تشهد فيه البلاد هدنةً اجتماعية، يخلد فيها الجميع لتهدئة إجبارية.
العامل الآخر الذي سيحدد أيضا المناخ الانتخابي، عقد الأحزاب مؤتمراتها الوطنية لتجديد هياكلها القاعدية والمركزية، استعداداً لفرز مرشحيها للانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة، إذ عقدت أحزاب التيار الديمقراطي، ونداء تونس، والطليعة العربية مؤتمراتها، كما يعقد قريباً حزب تحيا تونس، المحسوب على رئيس الحكومة يوسف الشاهد، مؤتمره التأسيسي. وعن عمد، أرجأت أحزابٌ عديدة عقد مؤتمراتها الانتخابية الداخلية إلى هذه الأشهر، وهي بمثابة فترة تدريب تستعد من خلالها الأحزاب لخوض غمار السباق الانتخابي الشائق والشرس.
غير بعيد عن هذه المؤتمرات الساخنة التي لم تخل من صراعات، وحتى انشقاقات، كما وقع في حزب نداء تونس، أو ما تبقى منه، يبدو أن المشهد الإعلامي بدوره لم يخل من مفاجآت، إذ أقدمت الهيئة العليا المستقلة للإعلام السمعي البصري على إغلاق قناة "نسمة"، وهي من أولى القنوات التلفزية الخاصة التي تمتعت بقرارٍ بعث تحت سلطة النظام السابق، وقد ظلت مرتهنة له، تشتغل على تلميع صورته حتى قامت الثورة. يوجه رئيس الهيئة جملة من الاتهامات
لصاحب القناة، تتعلق بعدم احترام التراتيب والإجراءات، وتستعرض الهيئة مراسلات وتنبيهات لم تأبه لها القناة، ما اضطر الهيئة التي منحها القانون الولاية القضائية على قطاع الإعلام السمعي والبصري، إلى إنفاذ القانون، وقطعت الإرسال عليها وحجزت معدّاتها.
بقطع النظر عن سلامة الإجراءات القانونية، فإن الخطوة أثارت عدة أسئلة، وخصوصاً أن أصابع الاتهام تتجه إلى رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، الذي يبدو، عند بعض خصومه، قد أراد التخلص من قناةٍ تلفزيونية ناصبته العداء، وانحازت إلى خصمه حافظ السبسي (نجل الرئيس)، فضلاً عن أن مؤشراتٍ عديدة توحي بأن صاحب القناة قد يستعد بكل جدية أن يكون مرشحاً لرئاسة الجمهورية، ما جعله خصماً مباشراً لرئيس الحكومة. لذلك اختار الأخير حرمانه من قناة دعاية، قد يشغلها لفائدته الخاصة، وربما يجعلها قناة لتشويه خصومه، وهو الذي لم ينف ذلك، إثر تسريبات سابقة.
قد تكون معالجة ملف "نسمة" هذه سليمة، غير أن تصريحات رئيس تلك الهيئة، بعد غلق القناة، وضعت مسألة الأداء الإعلامي للقنوات الخاصة، والمشهد الإعلامي في تونس برمته، تحت دائرة الضوء، وهو الذي أصبح ملكا خاصا يسطو على الرأي العام، ويصنعه وفق أجندات ودوائر نفوذ لا تلتزم بالمواثيق الدنيا للعمل الصحافي المهني. وربما ذلك ما يفسّر بيان نقابة الصحافيين التي بدت غير متحمسةٍ للدفاع عن القناة، بل أنحت باللائمة على صاحبها. وقد ألقت هذه الحادثة، وتونس ستحيي اليوم العالمي للصحافة بعد أيام، بظلالها على المناخ الانتخابي الذي يبدو أن الإعلام لن يكون مجرد ناقل له، بل أحد موضوعاته ورهاناته.
سيكون مناخ الانتخابات حارّا وجافا ومتقلبا، خصوصا إذا أضيفت إليه مسائل من شأنها أن تدفع الاستقطاب إلى أقصاه مرة أخرى، خصوصا في ظل ما يجري في الجارتين، ليبيا والجزائر.
غير بعيد عن هذه المؤتمرات الساخنة التي لم تخل من صراعات، وحتى انشقاقات، كما وقع في حزب نداء تونس، أو ما تبقى منه، يبدو أن المشهد الإعلامي بدوره لم يخل من مفاجآت، إذ أقدمت الهيئة العليا المستقلة للإعلام السمعي البصري على إغلاق قناة "نسمة"، وهي من أولى القنوات التلفزية الخاصة التي تمتعت بقرارٍ بعث تحت سلطة النظام السابق، وقد ظلت مرتهنة له، تشتغل على تلميع صورته حتى قامت الثورة. يوجه رئيس الهيئة جملة من الاتهامات
بقطع النظر عن سلامة الإجراءات القانونية، فإن الخطوة أثارت عدة أسئلة، وخصوصاً أن أصابع الاتهام تتجه إلى رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، الذي يبدو، عند بعض خصومه، قد أراد التخلص من قناةٍ تلفزيونية ناصبته العداء، وانحازت إلى خصمه حافظ السبسي (نجل الرئيس)، فضلاً عن أن مؤشراتٍ عديدة توحي بأن صاحب القناة قد يستعد بكل جدية أن يكون مرشحاً لرئاسة الجمهورية، ما جعله خصماً مباشراً لرئيس الحكومة. لذلك اختار الأخير حرمانه من قناة دعاية، قد يشغلها لفائدته الخاصة، وربما يجعلها قناة لتشويه خصومه، وهو الذي لم ينف ذلك، إثر تسريبات سابقة.
قد تكون معالجة ملف "نسمة" هذه سليمة، غير أن تصريحات رئيس تلك الهيئة، بعد غلق القناة، وضعت مسألة الأداء الإعلامي للقنوات الخاصة، والمشهد الإعلامي في تونس برمته، تحت دائرة الضوء، وهو الذي أصبح ملكا خاصا يسطو على الرأي العام، ويصنعه وفق أجندات ودوائر نفوذ لا تلتزم بالمواثيق الدنيا للعمل الصحافي المهني. وربما ذلك ما يفسّر بيان نقابة الصحافيين التي بدت غير متحمسةٍ للدفاع عن القناة، بل أنحت باللائمة على صاحبها. وقد ألقت هذه الحادثة، وتونس ستحيي اليوم العالمي للصحافة بعد أيام، بظلالها على المناخ الانتخابي الذي يبدو أن الإعلام لن يكون مجرد ناقل له، بل أحد موضوعاته ورهاناته.
سيكون مناخ الانتخابات حارّا وجافا ومتقلبا، خصوصا إذا أضيفت إليه مسائل من شأنها أن تدفع الاستقطاب إلى أقصاه مرة أخرى، خصوصا في ظل ما يجري في الجارتين، ليبيا والجزائر.