المغرب والانسحاب من حرب اليمن

15 اغسطس 2018
+ الخط -
دخلت الحرب التي تشنّها السعودية والإمارات ضد الشعب اليمني مرحلة خطيرة، وتحولت إلى حرب إبادةٍ جماعيةٍ لشعبٍ فقير، ولعبة قذرة لأطراف مجنونة، لا تأبه بسلامة وأمن المدنيين الأبرياء العزّل الذين تجرّب فيهم يوميا الأسلحة المدمرة. كانت هذه الحرب المجنونة، منذ بدايتها، عبثيّة فرضتها قوى إقليمية، وبمباركة وغطاء دولي على الشعب اليمني الذي انتفض عام 2011 ضد فساد علي عبد الله صالح، وسرعان ما تحوّلت إلى حربٍ بالوكالة بين قوى إقليمية، لها حساباتها الجيوستراتيجة القديمة، واتّخذت من الشعب اليمني حطبا لصراعاتها القديمة.
وعلى مر ثلاث سنوات ونيف، وهو عمر هذه الحرب، أصبح الشعب اليمني منكوبا يعيش على المساعدات الإنسانية، فيما أصيب مئات الآلاف من أفراده بالكوليرا، وباتت المجاعة تهدّد الملايين من أفراده. وهجر وشرّد الآلاف الآخرون ممن أصبحوا لاجئين فوق أرضهم تنقصهم وسائل الحياة البسيطة.
وأمام هذا الوضع المأساوي، تستمر أطراف هذه الحرب المجنونة في التصعيد، سواء منها 
الحوثيون المدعومون من إيران، أو السعودية والإمارات الماضيتان في تدمير ما تبقى من مقدرات الشعب اليمني. أما القوى الغربية المؤثرة في قرارات الحرب والسلم في العالم فلم تفعل شيئا لوضع حدٍّ لحرب مجنونة، بل على العكس، استمرت في تزويد السعودية والإمارات بأحدث أسلحتها المتطورة لتجريبها على أرض الواقع، مكتفية ببعض النقد الخجول، عند تكرار التجاوزات التي يذهب ضحيتها كل مرة مئات من الأبرياء، وذلك حفاظا على صفقاتها العسكرية مع السعودية والإمارات.
ومن تابع ردود فعل عواصم الكبرى التي تزوّد السعودية والإمارات بالأسلحة، عقب الغارة الجوية السعودية التي استهدفت أخيرا حافلة تقل أطفالا، وأسفرت عن مقتل عشرات من الضحايا، سيلاحظ موجة من الاستياء التي تعم عواصم العالم، وموجات من الاستنكار والإدانة في مختلف أنحاء العالم، ومطالب بالتحقيق الذي غالبا ما ينسى الجميع المطالبة بنتائجه، كما حصل مع تحقيقات سابقة في مجازر سابقة، ارتكبت على أرض اليمن في السنوات الثلاث الماضية، ولم يظهر لها أي أثر إلى يومنا هذا!
وعلى المستوى العربي، قسمت هذه الحرب الدول العربية إلى دول حليفة للسعودية في ما يسمى "التحالف العربي"، مثل المغرب والسودان، ودول صديقة لهذا التحالف، مثل مصر والأردن والكويت، لا تريد انتقاد الفظاعات التي يرتكبها ضد الشعب اليمني، وباقي الدول الأخرى صامتة لا تجرؤ على إسماع صوتها، حفاظا على مصالحها مع السعودية والإمارات، وكل هذه الدول مجتمعة وبلا استثناء متواطئة في جرائم حرب بشعة، ترتكب يوميا ضد شعب فقير أعزل، أنهكته الحرب والأمراض والأوبئة.
لقد أبانت المجزرة ضد أطفال يمنيين عزّل الوجه القبيح لهذه الحرب الذي سبق أن رأيناه في مجازر سابقة، استهدفت سرادق العزاء وصالات الأفراح، ولم تستثن المدارس والمستشفيات، لكن المجزرة قبل أيام أبانت لنا عن وجه آخر لا يقل قبحا عن بشاعة الحرب، وهو غطرسة قوى ما يسمى "التحالف العربي"، وخصوصا السعودية والإمارات اللتين خرجت حكوماتهما وإعلامهما الرسمي يبرّران مجزرة إبادة جماعية ضد أطفال أبرياء.
لقد بدأت الأزمة في اليمن يمنية بين اليمنيين، وكان المبعوث الأممي السابق إلى اليمن، المغربي جمال بن عمر، على وشك إبرام اتفاق بين الأطراف اليمنية التي كانت متنازعة على تقسيم 
السلطة، لكن السعودية تدخلت وأفشلت الاتفاق، وأعلنت حربها المدمرة ضد الشعب اليمني. وكيف ما كان الموقف من الحوثيين المدعومين من إيران، فهم لم يبادروا إلى مهاجمة السعودية أو الإمارات، أو أي دولةٍ أخرى. أما موقف السعودية والإمارات الذي استند، في البداية، إلى ما تسمى "إعادة الشرعية" إلى اليمن، وتم تفسيره في إطار الحرب الإستراتيجية الكبرى لصيانة الأمن الإقليمي لهاتين الدولتين، فتحول مع مرور الزمن إلى حرب عدوانية انتقامية، وإلى جرائم حرب، يعاقب القانون الدولي مرتكبيها.
وقد تفطنت بعض الدول التي كانت مشاركة في ما يسمى "التحالف العربي" إلى خطورة هذه الحرب، وبعضها أعلن منذ البداية مشاركته فيها، وانسحب آخرون من التحالف كما حصل مع باكستان، وماليزيا أخيرا، وهناك الآن حملة شعبية في السودان للضغط على حكومته للانسحاب من هذا التحالف، وقد آن الآوان للمغرب أيضا للإعلان عن انسحابه، هو الآخر. فليس من مصلحة المغرب الاستمرار في تحالفٍ يخوض حربا تحولت إلى مسرح لارتكاب جرائم حرب.
لم يعد لهذه الحرب البشعة ما يبرّر استمرارها، لا سياسيا ولا أخلاقيا. ومن الناحية القانونية كل المشاركين فيها معرّضون للمساءلة، لأن جرائم الحرب، والإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، حسب التكييفات القانونية، لا تسقط حسب الزمن، وسيأتي اليوم الذي سيستعيد فيه الشعب اليمني سيادته، ويتابع أصحابها أمام المحاكم الدولية.
D6ADA755-48E0-4859-B360-83AB4BBB3FDC
علي أنوزلا

صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع "لكم. كوم"، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة (قادة من أجل الديمقراطية) لعام 2014، والتي تمنحها منظمة (مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED).