12 نوفمبر 2024
إنهم يستهدفون حرية الإعلام
كان طلباً غريباً، ويفتقد أدنى المبرّرات الموضوعية أن يرد في قائمة مطالب التحالف الإماراتي السعودي إغلاق قناة الجزيرة وصحيفة العربي الجديد ومواقع إخبارية وثقافية أخرى، إلا أنه لم يكن مفاجئاً لكل من يدرك الطبيعة الهوجاء للسياسات التي يتبعها قطبا هذا الحلف غير المقدس ضد قطر. فليس معتاداً أن تتدنى طريقة تعامل أنظمة الحكم لدول خليجية مع نظيرتها إلى حد خوض معركة دونكيشوتية، من أجل إغلاق مواقع إعلامية ومحاربتها علناً باعتباره من شروط على دولة أخرى جارة وشقيقة.
ويمكن فهم نمط التفكير السطحي والعدائي الذي تتحرّك من خلاله دول الحلف الثنائي، وبقية التابعية الخاضعة لها، من خلال طبيعتها المعادية لكل أشكال الحريات، وفي مقدمتها حرية التعبير والإعلام. فهذه الدول التي حاولت السيطرة على المشهد الإعلامي العربي، من خلال إنشاء قنوات تلفزيونية ومواقع على الشبكة العنكبوتية لمنافسة "الجزيرة" وصحيفة العربي الجديد صُدمت بحقيقة أن أدواتها الإعلامية هزيلة من حيث المحتوى، على الرغم من الأموال الضخمة التي أُنفقت عليها، حيث لم يكن المظهر البرّاق كافياً وحده لمنح المصداقية المفقودة لقنوات ومواقع، تعيد ترديد المواقف الرسمية لدولها، بل وتنخرط في حملات إعلامية سمتها البذاءة، وتقدم نشرات إخبارية طابعها الرداءة، وغايتها التلاعب بالعقول. وبعد الفشل في المنافسة على الساحة الإعلامية، جاءت المطالب بإغلاق صحيفة العربي الجديد وقناة الجزيرة لتتوّج حالة العجز عن المواجهة في ساحة الحقيقة، لتعبر علناً عن الرغبة في إغلاق صحيفة وقناة شكلتا دوماً صوت الشعوب، وأرقاً دائماً لأنظمة الاستبداد ولدولة الاحتلال، فاستهداف "الجزيرة" و"العربي الجديد" هو، في النهاية، استهداف للحرية بأشكالها المتعدّدة، أعني حرية التعبير وحرية الإعلام وحق الإنسان العربي في أن يعرف.
ولا يحتاج الأمر إلى ذكاء لفهم المنطق الاستبدادي الذي تصدر عنه مثل هذه المطالب، فهذه
النظم المتحالفة ضد قطر لا يجمع بينها غير منطق الطغيان، ورفض التعدّد والتنوع، والسعي نحو الهيمنة المَرَضية الناجمة عن شعور داخلي بالنقص والعجز الكامن في ذوات أصحابها. ذلك أنه، في غياب مؤسسات شورية فعلية، وفي دول يحكمها المزاج الخاص لصاحب السلطان، تصبح القرارات متقلبةً، ولا تراعي المصلحة العامة أو العلاقات الاستراتيجية الدائمة التي قوامها الترابط بين الشعوب، بقدر ما تنزاح إلى سلوك مزاجي للحاكم الذي لا يكتفي بتكميم الأفواه والحجر على الحريات في البلد الذي يحكمه إلى محاولة إخماد أي صوت حر، يمكن أن يشكل مصدراً تنويرياً يدافع عن الحقوق والحريات، ويرفع مستوى الوعي الفردي لدى المواطن العربي.
تتحرّك هذه الأنظمة التي تسعى إلى محاربة كل نفسٍ تنويريٍّ في المنطقة العربية ضمن مجالٍ عام، يمكن وصفه بأنه مرّ بمراحل مختلفة، بداية من السعي إلى توتير الأوضاع في الدول التي شهدت ثوراتٍ، وبدأت خطواتٍ نحو الديمقراطية، وإنْ بدرجاتٍ متفاوتة (التدخل السعودي والإماراتي في مصر، ودعمها المعلن الانقلاب العسكري الذي أطاح الرئيس الشرعي، مروراً بالعبث الإماراتي في جنوب اليمن، وصولاً إلى محاولات العبث بالأمن الوطني لتونس وليبيا)، لتنتقل بعدها إلى محاولة تسويق نفسها لدى الغرب حاميةً للمصالح الدولية والخصم الأول للإرهاب (رغم الشبهات التي تحيط بكلتا الدولتين في هذا المجال، ما لا يغيب عن صانعي القرار في الغرب، وهم يستخدمونه في الوقت المناسب، سواء أداة للابتزاز أو وسيلة لتحقيق مصالح استراتيجية). ولتصل التصريحات التي أطلقها أخيراً مسؤولون في الحلف الإماراتي السعودي ضد حركة حماس، والدعم القطري لها بوصفه إعلاناً عن دخول البلدين في مرحلة ما يمكن تسميته ما بعد التطبيع مع الكيان الصهيوني. حيث لم يعد الأمر يتعلق بمجرد الرغبة في الاعتراف بدولة الاحتلال، وإنما يطرحان نفسيهما شريكين في محاربة المقاومة الفلسطينية التي تُصنف صهيونياً باعتبارها أحد أشكال الإرهاب.
ومن هنا، يمكن القول، إن بوابة محاربة الإعلام الحر تشكل منفذاً ضرورياً في تقدير أصحاب
السلطة في التحالف الإماراتي السعودي، لتمرير أجندات الحلف الجديد الآخذ في التشكل مع الكيان الصهيوني، وهو ما يفترض ممارسة أقصى أشكال التعمية على المواطن العربي، سواء في داخل هذه البلدان أو في كامل الجغرافيا العربية، وحرف انتباهه عن مخرجات هذا الحلف الجديد، أعني ما سيتمخض عنها من مزيد الحصار للمقاومة الفلسطينية، وربما التمهيد لحربٍ عاصفةٍ لإلحاق الأذى بها، نحو قضايا عرضية، مثل وهم الصراع مع إيران، أو الحرب الهُلامية الملامح ضد الإرهاب، فحصار قطر لم يكن غايةً في ذاته، بقدر ما هو محاولة من أصحاب السلطة في دول الحلف المناوئ لها نحو تقديم آيات الولاء والطاعة للكيان الصهيوني، وهو ما يفسّر سرعة استجابة هذا الكيان لهذه الرسائل، وترحيبه بها، بل وانخراطه في الحملة ضد قطر، للثأر منها، بسبب سياساتها الداعمة صمود الشعب الفلسطيني.
.. محاولة استهداف الإعلام الحر واتخاذ الخلاف مع قطر مدخلاً لتمرير أجندات معادية لمصالح الشعوب العربية هو، في النهاية، تعبير عن مدى الأزمة التي تمر بها الأنظمة التي تتبنى هذه السياسات الفاقدة أدنى شروط العقلانية، وقديماً قيل "من استبد برأيه عميت عليه المراشد".
ويمكن فهم نمط التفكير السطحي والعدائي الذي تتحرّك من خلاله دول الحلف الثنائي، وبقية التابعية الخاضعة لها، من خلال طبيعتها المعادية لكل أشكال الحريات، وفي مقدمتها حرية التعبير والإعلام. فهذه الدول التي حاولت السيطرة على المشهد الإعلامي العربي، من خلال إنشاء قنوات تلفزيونية ومواقع على الشبكة العنكبوتية لمنافسة "الجزيرة" وصحيفة العربي الجديد صُدمت بحقيقة أن أدواتها الإعلامية هزيلة من حيث المحتوى، على الرغم من الأموال الضخمة التي أُنفقت عليها، حيث لم يكن المظهر البرّاق كافياً وحده لمنح المصداقية المفقودة لقنوات ومواقع، تعيد ترديد المواقف الرسمية لدولها، بل وتنخرط في حملات إعلامية سمتها البذاءة، وتقدم نشرات إخبارية طابعها الرداءة، وغايتها التلاعب بالعقول. وبعد الفشل في المنافسة على الساحة الإعلامية، جاءت المطالب بإغلاق صحيفة العربي الجديد وقناة الجزيرة لتتوّج حالة العجز عن المواجهة في ساحة الحقيقة، لتعبر علناً عن الرغبة في إغلاق صحيفة وقناة شكلتا دوماً صوت الشعوب، وأرقاً دائماً لأنظمة الاستبداد ولدولة الاحتلال، فاستهداف "الجزيرة" و"العربي الجديد" هو، في النهاية، استهداف للحرية بأشكالها المتعدّدة، أعني حرية التعبير وحرية الإعلام وحق الإنسان العربي في أن يعرف.
ولا يحتاج الأمر إلى ذكاء لفهم المنطق الاستبدادي الذي تصدر عنه مثل هذه المطالب، فهذه
تتحرّك هذه الأنظمة التي تسعى إلى محاربة كل نفسٍ تنويريٍّ في المنطقة العربية ضمن مجالٍ عام، يمكن وصفه بأنه مرّ بمراحل مختلفة، بداية من السعي إلى توتير الأوضاع في الدول التي شهدت ثوراتٍ، وبدأت خطواتٍ نحو الديمقراطية، وإنْ بدرجاتٍ متفاوتة (التدخل السعودي والإماراتي في مصر، ودعمها المعلن الانقلاب العسكري الذي أطاح الرئيس الشرعي، مروراً بالعبث الإماراتي في جنوب اليمن، وصولاً إلى محاولات العبث بالأمن الوطني لتونس وليبيا)، لتنتقل بعدها إلى محاولة تسويق نفسها لدى الغرب حاميةً للمصالح الدولية والخصم الأول للإرهاب (رغم الشبهات التي تحيط بكلتا الدولتين في هذا المجال، ما لا يغيب عن صانعي القرار في الغرب، وهم يستخدمونه في الوقت المناسب، سواء أداة للابتزاز أو وسيلة لتحقيق مصالح استراتيجية). ولتصل التصريحات التي أطلقها أخيراً مسؤولون في الحلف الإماراتي السعودي ضد حركة حماس، والدعم القطري لها بوصفه إعلاناً عن دخول البلدين في مرحلة ما يمكن تسميته ما بعد التطبيع مع الكيان الصهيوني. حيث لم يعد الأمر يتعلق بمجرد الرغبة في الاعتراف بدولة الاحتلال، وإنما يطرحان نفسيهما شريكين في محاربة المقاومة الفلسطينية التي تُصنف صهيونياً باعتبارها أحد أشكال الإرهاب.
ومن هنا، يمكن القول، إن بوابة محاربة الإعلام الحر تشكل منفذاً ضرورياً في تقدير أصحاب
.. محاولة استهداف الإعلام الحر واتخاذ الخلاف مع قطر مدخلاً لتمرير أجندات معادية لمصالح الشعوب العربية هو، في النهاية، تعبير عن مدى الأزمة التي تمر بها الأنظمة التي تتبنى هذه السياسات الفاقدة أدنى شروط العقلانية، وقديماً قيل "من استبد برأيه عميت عليه المراشد".