نهاية العالم على حوافّ بحر الصين

31 مايو 2017
+ الخط -
لا يمكن مطالعة البيان الصادر أخيرا من قمة الدول الصناعية السبع الكبرى في صقلية، والخاص بقضية بحري الصين الجنوبي والشرقي بحجة القانون الدولي، بمعزل عن إستراتيجية الولايات المتحدة في الاحتواء والمشاركة. وعلى الرغم من أنّ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، كان مشغولاً بمشاكسة القمة، رافضاً الرضوخ إلى اتفاقية التغير المناخي، إلّا أنّ ما أسّسته الولايات المتحدة في هذا الصدد يعود إلى أبعد من ترامب، ومن قبل ما تم في قمة اليابان العام الماضي التي تدخّل فيها قادة مجموعة السبع الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، بمعارضتهم عملية بناء جزيرة وعسكرة البؤر الاستيطانية في بحر الصين الجنوبي، من دون تسمية الصين صراحة.
وبإعلان مبادئ حكم سيادة القانون الدولي المقترحة من اليابان بشأن ادّعاءات السيادة الإقليمية في البحر، إثر تنامي المخاوف تجاه أنشطة الصين المتزايدة في بحر الصين الجنوبي، نجحت اليابان في قطع الطريق على الصين التي أكّدت ذهابها في الطريق نفسه، خصوصا بعد استصلاحها أراضي في الجزر وشعابا مرجانية في البحر ومراقبة عمليات الانتشار للجيش الصيني في المنطقة.
إلى جانب الصين، تطالب مجموعة الدول الآسيوية، ممثلة في كلٍّ من فيتنام وسلطنة بروناي 
وماليزيا والفيليبين وتايوان، بملكيتها أجزاء من بحر الصين الجنوبي الذي تأتي أهميته بحراً مجتزأً من المحيط الهادئ، نتيجة عبور ثلث الشحنات البحرية العالمية بمياهه، كما يُعتقد أنّه يحتوي على احتياطاتٍ هائلة من النفط والغاز الطبيعي تحت رمال قاعه، كما توجد فيه ممرّات دولية مهمة، وتمر عبره تجارةٌ، حجمها نحو خمسة ترليونات دولار كل عام.
وتُعتبر فيتنام من أكثر دول جنوب شرق آسيا خلافاً مع الصين بشأن بحر الصين الجنوبي، فمنذ سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته، استولت الصين على سلسلة جزر باراسيل من فيتنام في صداماتٍ خسرت فيها فيتنام. ومنذ 2012، كانت المواجهة البحرية المطولة بين الصين والفيليبين على أشدها، قبل أن تتراجع الفيليبين، ثم اتفقت فيتنام مع الصين على ضرورة معالجة نزاعاتهما البحرية بشكل ملائم، لتجنب أي تصرفاتٍ تعقّد هذه النزاعات، من أجل الحفاظ على أمن بحر الصين الجنوبى.
لا يخفى القلق الدولي من تمدّد الصين، والذي مردّه، من ناحية اليابان، أنّها على خلافٍ مع الصين بشأن مجموعة من الجزر غير المأهولة في بحر الصين الشرقي، وبقية دول الآسيان بالسيادة على بحر الصين الجنوبي الذي انتقلت تسميته من بحر الصين إلى بحر الصين الجنوبي، للتفريق بينه وبين الواجهات المائية الأخرى، مثل بحر الصين الشرقي.
أما الولايات المتحدة فتنتقد بناء الصين جزراً وتعزيز المنشآت العسكرية في بحر الصين الجنوبي خشية إمكان استخدامها للحد من حرية الحركة، وتوسيع النفوذ الاستراتيجي لبكين. وإذا عدنا إلى صياغة وزير الخارجية الأميركي الأسبق، هنري كسينجر، بخصوص سياسة الاحتواء التي انتهجتها أميركا مع الصين منذ عقود، نجدها وصلت إلى درجة الإشباع، أي أنّها لا تستطيع أن تحتوي الصين أكثر من ذلك، فقد أدخلتها في منظمة التجارة العالمية، ونشرت الشركات متعدّدة الجنسيات في ربوع الصين، ولم يعد الحوار الاستراتيجي الأميركي مع الصين حساساً كما كان من ذي قبل. ومع ذلك، لم يؤثر احتواء الولايات المتحدة الصين على محافظتها على كيانها وتماسكها واعتدادها بنفسها دولةً كبرى إقليمياً. وليتناسب ذلك مع سمت الإمبراطورية التي ما زالت تعشّش في أذهان الحكومة الصينية وحزبها القوي، تعمل الصين على الدوام من أجل تعزيز قوتها عسكرياً واقتصادياً، ولكن الجديد أنّها بدأت تستغل قوتها الاقتصادية، للتأثير السياسي في بعض المناطق، وليس فقط لجني الأرباح.
ولأنّ هذه المنطقة محل تنافس بين أميركا والصين، تحاول الأولى تحجيم الثانية إقليمياً ودولياً، ولذلك أرسلت السفن الحربية والطائرات العسكرية قريباً من هذه الجزر، في عمليات أُطلق
عليها "عمليات حرية الملاحة"، في المناطق القريبة من الجزر المتنازع عليها. كما عملت الولايات المتحدة على سياسة التطويق للصين التي انتهجتها بإشغال الصين بقضايا في مجالها الإقليمي، لتبعدها عن منافستها عالمياً، كما أنّها تبني أشكالاً من التحالفات، وتعزّز العلاقات مع الدول هناك لهذا الغرض. ثم تعمل على تغذية الخلافات والتوترات في وجه الصين، بمتابعة الملفات عن كثب بحجة حماية الأمن هناك. وهذا ما أوصل المنطقة إلى الاحتكاك الذي سيستحيل إلى صراعٍ مع الولايات المتحدة، إذا كان الخط الأساسي للولايات المتحدة هو ضرورة وقف الصين أنشطتها، كما ذكر إعلام الحزب الشيوعي الحاكم.
تعتمد الاستراتيجية الصينية في المفاوضات في هذه القضية على سلوك درب المفاوضات المباشرة مع كل دولة على حدة، بينما تحتج دول المنطقة على ذلك، بسبب أنّ حجم الصين وثقلها الاقتصادي، والعسكري أيضا، يمنحانها تفوقاً غير عادل في مثل هذه المفاوضات. وتحاجج بعض الدول بأنّ على الصين التفاوض مع منظمة دول جنوب شرق آسيا (آسيان).
فرّق التاريخ الدموي ما بين أميركا ودول آسيوية، مثل فيتنام في سبعينيات القرن الماضي، وربما تفرّق النزاعات البحرية المندلعة منذ قرون بين مجموعة دول المنطقة الآسيوية وبين الصين. أما ما بين الولايات المتحدة والصين، فإنّه يسير وفق لبراغماتية عريقة، على الرغم من التنافس المحموم. وإزاء هذا الوضع، هناك احتمالان، إما أن تتابع الإدارة الأميركية سياسة المد والجزر، أو تخالفها فيكون احتمال نشوب حربٍ على حوافّ بحر الصين.
8615DCBC-E386-43F8-B75E-8FF0C27360A3
منى عبد الفتاح

كاتبة صحفية من السودان. حاصلة على الماجستير في العلوم السياسية. نالت دورات في الصحافة والإعلام من مراكز عربية وعالمية متخصصة. عملت في عدة صحف عربية. حائزة على جائزة الاتحاد الدولي للصحفيين عام 2010، وجائزة العنقاء للمرأة المتميزة عام 2014.