31 أكتوبر 2017
التطبيع مقابل السراب
بغض النظر عما يصدر عنه من هذر في خطاباته، وفي أثناء لقاءاته مع حكام العرب والمسلمين، الذين نفروا إلى الرياض من كل حدب وصوب للقائه، فإنه يمكن القول إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب سيحرص، بالأساس، على تحويل هذه التظاهرة إلى نقطة تحول فارقة على صعيد إضفاء شرعيةٍ على اندماج إسرائيل، إلى جانب الدول العربية، في منظومةٍ إقليميةٍ تمثل حلفا جديدا، مهمته الأساسية مواجهة إيران والحركات الإسلامية السنية، بشقيها السياسي والجهادي. ووفق منطق ترامب، يتطلب تشكيل هذه المنظومة والسماح لها بالعمل علنا، أولا تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل.
والواضح أن ترامب يحاول توفير مسوّغاتٍ لأنظمة الحكم العربية، بإمكانها الاستناد إليها لتبرير قبول التطبيع مع إسرائيل، من خلال زعمه أن هذا سيمثل مقدمةً لتحقيق "صفقة القرن" التي يضمن إنجازها حل الصراع بين الشعب الفلسطيني والكيان الصهيوني، أي أن ترامب يريد أن يودع العرب دفعةً مقدمةً على الحساب قبل إنجاز "الصفقة".
ومن أسفٍ، هناك ما يدلل على أن مهمة ترامب ستكون سهلة، بل أسهل أكثر مما اعتقده أكثر المتفائلين في واشنطن وتل أبيب. وإذا كان ما نشرته صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية نهاية الأسبوع الماضي، وأكدته صحف إسرائيلية، فإن الحكام العرب تراجعوا عما جاء في المبادرة العربية لتسوية الصراع مع الكيان الصهيوني. فحسب هذا التسريب، تنازل العرب عن الشروط التي وضعتها المبادرة للتطبيع مع إسرائيل، فلم يعد مطلوبا من إسرائيل، مقابل التطبيع، الانسحاب من الأراضي المحتلة، والموافقة على إقامة الدولة الفلسطينية، بل يكفي أن تجمد البناء في المستوطنات النائية التي تقع خارج التجمعات الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية. وإذا كان ما نقل دقيقا، فإن هذا يعني أن العرب لا يمنحون فقط إسرائيل الحق بمواصلة توسيع التجمعات الاستيطانية الكبرى التي تستوعب أكثر من 80% من المستوطنين، بل أيضا يقدّمون لها مكافأة على شكل تطبيع مجاني.
يمثل إقدام الدول العربية على هذه الخطوة ضربةً للمنظومات الدولية، تواظب على التنديد
بالبناء في التجمعات الاستيطانية الكبرى، وضمنها الاتحاد الأوروبي. ولا شك في أن هذا الموقف سيمثل صفعةً قوية لبعض القوى السياسية والنخب الثقافية الصهيونية التي تواجه حكومة اليمين المتطرّف، بقيادة بنيامين نتنياهو، وتتهمها بتهديد مصالح إسرائيل، من خلال التوسع في بناء المستوطنات. في الوقت نفسه، سيعزّز هذا التطور مصداقية خطاب اليمين الإسرائيلي، وسيطيل أمد بقائه في الحكم إلى أجل غير مسمى، على اعتبار أنه سيكون في وسعه إقناع الناخب الإسرائيلي أن الخط المتطرّف الذي تتبناه حكوماته يؤتي أكله، من دون أن تكون إسرائيل مطالبة بتقديم تنازلات حقيقية.
أما الدفعات المسبقة التي على الفلسطينيين تسديدها في المسار نحو "صفقة القرن" فتبدو تعجيزية وغير نهائية. فعلى الرغم من أن ترامب، كما أقرّ علنا، "هالته" المعلومات التي زودها بها فريقه، والتي تكشف المدى الذي قطعته السلطة الفلسطينية في تعاونها الأمني مع إسرائيل، إلا أنه، مع ذلك، يطالبها باستحقاقاتٍ تضمن "تجفيف بيئة الإرهاب"، وتردع الفلسطينيين عن الانضمام إلى دائرة العمل المقاومة. فحسب المعايير الإسرائيلية لـ "تجفيف بيئة الإرهاب" التي تتبناها إدارة ترامب، السلطة مطالبة بوقف التحريض على إسرائيل في مناهج التعليم وما يبثه الإعلام، وما يتردّد في دور العبادة. ومن أجل ردع الفلسطينيين عن الالتحاق بدائرة العمل المقاوم، على السلطة، حسب المنطق الصهيوأميركي، قطع المخصصات التي تحصل عليها عوائل الشهداء والأسرى والجرحى.
وانطلاقا من النظرة الدونية تجاه العرب والفلسطينيين، لا يبدي ترامب وفريقه أية حساسيةٍ تجاه الدعوة التي صدرت، قبل أيام، عن نائب رئيس البرلمان الإسرائيلي، بتسلال سمورطيش، إلى طرد الفلسطينيين من أراضهيم، عبر ذبح نسائهم وأطفالهم عملا بفتوى الحاخام موشيه بن ميمون الذي عاش في القرن الثاني عشر (هآرتس، 16 مايو/ أيار).
لكن، إذا كان هذا ما سيدفعه العرب والفلسطينيون مقدّما قبل إنجاز الصفقة، فما الذي سيدفعه
الصهاينة عند إنجازها؟ تدلل الإجابة التي يقدمها السفير الأميركي الجديد في تل أبيب، ديفيد فريدمان، أحد أقرب المقرّبين من ترامب، على هذا السؤال، على أن العرب والفلسطينيين سيجنون السراب مقابل دفعاتهم المسبقة. ويفترض أن يدقّ ما كشفه فريدمان ناقوس الخطر في أروقة صنع القرار العربية، حيث أكد أن ترامب لا يملك أية خطةٍ أو تصور لإنجاز "صفقة القرن" التي هذر بشأنها كثيرا، لكنه، في المقابل، ملتزمٌ بعدم ممارسة أي ضغط على إسرائيل لقبول أي موقف (صحيفة يسرائيل هيوم، 17 مايو).
ومما يفاقم الشكوك أكثر حول مخرجات "صفقة القرن" النهائية، يجزم فريدمان بأن "إسرائيل لن تكون ملزمةً في إطارها بتقديم أية تنازلات من أجل تحقيقها".
لكن، لو تجاهلنا كل ما تقدّم، يثير الأسى والمرارة أن الحكام العرب الذين يعلقون كل هذه الرهانات على ترامب لا يولون اهتماماً يذكر لتداعيات الفضائح التي يتورّط فيها، والتي قد تفضي إلى إسدال الستار على حياته السياسية مبكّرا، لكن ليس قبل أن تنعم إسرائيل بعوائد الدفعات المسبقة التي تسدّدها أنظمة العرب وسلطة محمود عباس، أملا في صفقةٍ لن تكون.
أية تنازلات عربية مجانية لحكومة اليمين المتطرّف في تل أبيب، تزلفا لترامب، ستفضي إلى نتائج عكسية، ولن تسهم إلا في تعزيز مكانة إيران الإقليمية، وتمدّها ماكينتها الدعائية بكثيرٍ من الوقود.
والواضح أن ترامب يحاول توفير مسوّغاتٍ لأنظمة الحكم العربية، بإمكانها الاستناد إليها لتبرير قبول التطبيع مع إسرائيل، من خلال زعمه أن هذا سيمثل مقدمةً لتحقيق "صفقة القرن" التي يضمن إنجازها حل الصراع بين الشعب الفلسطيني والكيان الصهيوني، أي أن ترامب يريد أن يودع العرب دفعةً مقدمةً على الحساب قبل إنجاز "الصفقة".
ومن أسفٍ، هناك ما يدلل على أن مهمة ترامب ستكون سهلة، بل أسهل أكثر مما اعتقده أكثر المتفائلين في واشنطن وتل أبيب. وإذا كان ما نشرته صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية نهاية الأسبوع الماضي، وأكدته صحف إسرائيلية، فإن الحكام العرب تراجعوا عما جاء في المبادرة العربية لتسوية الصراع مع الكيان الصهيوني. فحسب هذا التسريب، تنازل العرب عن الشروط التي وضعتها المبادرة للتطبيع مع إسرائيل، فلم يعد مطلوبا من إسرائيل، مقابل التطبيع، الانسحاب من الأراضي المحتلة، والموافقة على إقامة الدولة الفلسطينية، بل يكفي أن تجمد البناء في المستوطنات النائية التي تقع خارج التجمعات الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية. وإذا كان ما نقل دقيقا، فإن هذا يعني أن العرب لا يمنحون فقط إسرائيل الحق بمواصلة توسيع التجمعات الاستيطانية الكبرى التي تستوعب أكثر من 80% من المستوطنين، بل أيضا يقدّمون لها مكافأة على شكل تطبيع مجاني.
يمثل إقدام الدول العربية على هذه الخطوة ضربةً للمنظومات الدولية، تواظب على التنديد
أما الدفعات المسبقة التي على الفلسطينيين تسديدها في المسار نحو "صفقة القرن" فتبدو تعجيزية وغير نهائية. فعلى الرغم من أن ترامب، كما أقرّ علنا، "هالته" المعلومات التي زودها بها فريقه، والتي تكشف المدى الذي قطعته السلطة الفلسطينية في تعاونها الأمني مع إسرائيل، إلا أنه، مع ذلك، يطالبها باستحقاقاتٍ تضمن "تجفيف بيئة الإرهاب"، وتردع الفلسطينيين عن الانضمام إلى دائرة العمل المقاومة. فحسب المعايير الإسرائيلية لـ "تجفيف بيئة الإرهاب" التي تتبناها إدارة ترامب، السلطة مطالبة بوقف التحريض على إسرائيل في مناهج التعليم وما يبثه الإعلام، وما يتردّد في دور العبادة. ومن أجل ردع الفلسطينيين عن الالتحاق بدائرة العمل المقاوم، على السلطة، حسب المنطق الصهيوأميركي، قطع المخصصات التي تحصل عليها عوائل الشهداء والأسرى والجرحى.
وانطلاقا من النظرة الدونية تجاه العرب والفلسطينيين، لا يبدي ترامب وفريقه أية حساسيةٍ تجاه الدعوة التي صدرت، قبل أيام، عن نائب رئيس البرلمان الإسرائيلي، بتسلال سمورطيش، إلى طرد الفلسطينيين من أراضهيم، عبر ذبح نسائهم وأطفالهم عملا بفتوى الحاخام موشيه بن ميمون الذي عاش في القرن الثاني عشر (هآرتس، 16 مايو/ أيار).
لكن، إذا كان هذا ما سيدفعه العرب والفلسطينيون مقدّما قبل إنجاز الصفقة، فما الذي سيدفعه
ومما يفاقم الشكوك أكثر حول مخرجات "صفقة القرن" النهائية، يجزم فريدمان بأن "إسرائيل لن تكون ملزمةً في إطارها بتقديم أية تنازلات من أجل تحقيقها".
لكن، لو تجاهلنا كل ما تقدّم، يثير الأسى والمرارة أن الحكام العرب الذين يعلقون كل هذه الرهانات على ترامب لا يولون اهتماماً يذكر لتداعيات الفضائح التي يتورّط فيها، والتي قد تفضي إلى إسدال الستار على حياته السياسية مبكّرا، لكن ليس قبل أن تنعم إسرائيل بعوائد الدفعات المسبقة التي تسدّدها أنظمة العرب وسلطة محمود عباس، أملا في صفقةٍ لن تكون.
أية تنازلات عربية مجانية لحكومة اليمين المتطرّف في تل أبيب، تزلفا لترامب، ستفضي إلى نتائج عكسية، ولن تسهم إلا في تعزيز مكانة إيران الإقليمية، وتمدّها ماكينتها الدعائية بكثيرٍ من الوقود.