31 أكتوبر 2017
مغامرة إسرائيلية في سورية
للوهلة الأولى، بدت الغارات الجوية الإسرائيلية التي دمرت المنشأة العسكرية السورية في مصياف قرب حماة، أواخر الأسبوع الماضي، حدثاً استثنائياً؛ حيث أن المرة الوحيدة التي نفذت فيها إسرائيل هجوماً مماثلاً في سورية كانت في عام 2007، وأسفر في حينه عن تدمير منشأة الأبحاث النووية في دير الزور. علاوة على أن الهجوم الجديد شذّ عن طابع الجهد الحربي الذي تنفذه إسرائيل في سورية خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، والذي انحصر في استهداف قوافل، تدّعي تل أبيب، أنها تنقل السلاح من سورية إلى حزب الله أو مواقع يتم تخزين السلاح فيها تمهيداً لنقله إلى لبنان. لكن نظرة متأنية تدلل على أن هذا الهجوم يرتبط بقرار إسرائيل توسيع خريطة مصالحها الإستراتيجية في سورية، وهو القرار الذي أملته التحولات التي طرأت على الصراع الدائر حالياً في سورية؛ سيما مع تواتر مؤشراتٍ على قرب حسم هذا الصراع لصالح نظام الأسد، بفعل الدعم الذي قدمته له روسيا وإيران والقوى الشيعية. فقد شنت إسرائيل، خلال الشهر الماضي، حملاتٍ دعائيةً ودبلوماسية مكثّفة، هدفت إلى محاولة حشد دعم دولي لطلبها عدم السماح لإيران بتوظيف نتائج الصراع لصالح توسيع دائرة نفوذها في سورية؛ حيث تنافس القادة الإسرائيليون في إطلاق التهديدات باستخدام القوة العسكرية لضمان عدم تمكين إيران من تأمين تواصل جغرافي لنفوذها، يربط طهران بدمشق مروراً ببغداد وانتهاء ببيروت.
ومما يدل على أن الهجوم يرتبط بتحولٍ طرأ على طابع خريطة المصالح الإسرائيلية حقيقة، أن محافل التقدير الإستراتيجي في تل أبيب عكفت، بشكل خاص، على التحذير من أن إيران قد مهّدت لتوسيع نفوذها في سورية من خلال تدشين منشآتٍ لتصنيع السلاح النوعي، أو تفعيل منشآتٍ يملكها جيش الأسد في مناطق متفرقة من سورية. وتدّعي تل أبيب أن المنشأة العسكرية التي قصفت في مصياف تستخدم لتصنيع صواريخ ومنظومات دفاعية بالغة الدقة، تعتمد بشكل خاص على تقنيات إيرانية. وحسب المنطق الإسرائيلي، فإنه في حال تمكّنت إيران من توسيع دائرة نفوذها في سورية بعد حسم الصراع لصالح نظام الأسد، فإن السماح بإنتاج السلاح النوعي هناك ينطوي على خطورةٍ لا تقل عن خطورة السلاح الذي ينقل إلى حزب الله في لبنان. وتنطلق تل أبيب من افتراضٍ مفاده بأن اتساع دائرة نفوذ طهران في سورية يعني أن إسرائيل ستواجه، في أية حرب مستقبلية مع حزب الله، خطر انطلاق عملياتٍ ضدها من سورية أيضاً، وليس من لبنان فقط؛ الأمر الذي يوجب الحرص على إحباط أية محاولة إيرانية لإنشاء بنى صناعية عسكرية، ترفد الجهد العسكري ضدها، انطلاقاً من سورية. وتحاجج تل أبيب بأن ما يضفي مصداقيةً على مخاوفها من تبعات تعاظم النفوذ الإيراني في سورية حقيقة أن هذا التحول سيجعل أبواب سورية مشرعةً أمام عناصر المليشيات الشيعية من جميع أرجاء العالم، ما يحوّل سورية عملياً إلى قاعدة متقدمة لإيران، كما يزعم رئيس الموساد، يوسي كوهين.
لكن إسرائيل تقدم على مخاطرة كبيرة، وغير محسوبة العواقب، في حال اعتمدت نمط التعاطي العسكري في مواجهة مظاهر تعاظم النفوذ الإيراني في سورية، كما عكس ذلك الهجوم على مصياف، فالإستراتيجية العسكرية الجديدة ستقلص هامش المناورة أمام روسيا، بحيث قد يستحيل التقاء المصالح النسبي الذي كان سائداً بين موسكو وتل أبيب في سورية إلى مواجهة خطيرة. لقد غضّت روسيا الطرف عن هجوم الأسبوع الماضي، وبدت غير معنيةٍ باندلاع مواجهة بين إسرائيل وكل من إيران وحزب الله، لأنها تخشى أن تؤثر هذه المواجهة على مآلات الصراع في سورية الذي بات في مراحله الأخيرة. لكن في حال طبقت إسرائيل المعيار الجديد في استهداف المنشآت التي تشكّ بأن إيران تدشّنها بهدف إنتاج السلاح "النوعي"، فإن فرص تفجر صراع مفتوح في سورية بين إسرائيل من جهة وكل من روسيا وإيران والقوى الشيعية ستتعاظم. فعلى سبيل المثال، تدّعي إسرائيل أن أخطر منشآت التصنيع العسكري التي دشّنها الإيرانيون، أخيراً، تقع في محيط مدينة طرطوس، وقريبة من قاعدة حميميم الروسية، الأمر الذي يعني أن استهداف هذه المنشأة ستفسّره موسكو مسّاً متعمداً بمكانتها في سورية.
إلى جانب ذلك، تبين لإسرائيل أن الروس يرون في الوجود الإيراني والشيعي، بعد حسم المواجهة في سورية، مصلحة استراتيجية لموسكو. وقد تأكد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خلال لقائه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في منتجع سوتشي قبل ثلاثة أسابيع، أنه عند المفاضلة بين تل أبيب وطهران، فإن روسيا اختارت الأخيرة بدون تردد. وكما روى
شمعون شيفر، المعلق السياسي في "يديعوت أحرنوت"، فقد "أربكت" صراحة بوتين نتنياهو عندما أوضح له أن روسيا ترى في إيران حليفاً إستراتيجياً لا بديل عنه، وأن من حق موسكو توثيق تحالفها مع إيران "تماماً كما تدشّن إسرائيل تحالفاً مع الملكيات العربية السنية". ومن نافلة القول إن التدهور الكبير الذي طرأ على العلاقات بين موسكو وواشنطن يزيد من القيمة الإستراتيجية للعلاقات مع طهران في نظر الروس.
إسرائيل، على الرغم من أنها تعي طابع الاعتبارات التي تحكم السلوك الروسي، إلا أن إحباطها المعلن من السياسات التي تتبناها إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في سورية قد يجعلها تمضي في تبنّي الإستراتيجية الجديدة بهذه الوتيرة أو تلك، وهو ما قد يفضي إلى اندلاع مواجهة مع إيران والقوى الشيعية في سورية، ويمكن أن تنتقل لاحقاً إلى لبنان. وعلى الأقل، في وسع الروس توظيف منظومات الإنذار المبكر ومنظومات الدفاع الجوية التي يحتفظون بها في سورية في تقليص عوائد الجهد الحربي الإسرائيلي في سورية، واستنزاف تل أبيب. إلى جانب ذلك، فإن مواجهة جديدة بين إسرائيل وحزب الله تحديداً تنطوي على خطورة أكبر، بسبب تواتر التقديرات في تل أبيب التي تؤكد أنه على الرغم من مرور 11 عاماً على حرب لبنان الثانية، فإن إسرائيل لم تتمكّن بعد من اتخاذ الاحتياطات التي تكفل تأمين عمقها المدني في مواجهة الصواريخ التي يملكها حزب الله، والتي تمتاز بمداها الطويل ورؤوسها الثقيلة ودقة إصابتها.
ومما يدل على أن الهجوم يرتبط بتحولٍ طرأ على طابع خريطة المصالح الإسرائيلية حقيقة، أن محافل التقدير الإستراتيجي في تل أبيب عكفت، بشكل خاص، على التحذير من أن إيران قد مهّدت لتوسيع نفوذها في سورية من خلال تدشين منشآتٍ لتصنيع السلاح النوعي، أو تفعيل منشآتٍ يملكها جيش الأسد في مناطق متفرقة من سورية. وتدّعي تل أبيب أن المنشأة العسكرية التي قصفت في مصياف تستخدم لتصنيع صواريخ ومنظومات دفاعية بالغة الدقة، تعتمد بشكل خاص على تقنيات إيرانية. وحسب المنطق الإسرائيلي، فإنه في حال تمكّنت إيران من توسيع دائرة نفوذها في سورية بعد حسم الصراع لصالح نظام الأسد، فإن السماح بإنتاج السلاح النوعي هناك ينطوي على خطورةٍ لا تقل عن خطورة السلاح الذي ينقل إلى حزب الله في لبنان. وتنطلق تل أبيب من افتراضٍ مفاده بأن اتساع دائرة نفوذ طهران في سورية يعني أن إسرائيل ستواجه، في أية حرب مستقبلية مع حزب الله، خطر انطلاق عملياتٍ ضدها من سورية أيضاً، وليس من لبنان فقط؛ الأمر الذي يوجب الحرص على إحباط أية محاولة إيرانية لإنشاء بنى صناعية عسكرية، ترفد الجهد العسكري ضدها، انطلاقاً من سورية. وتحاجج تل أبيب بأن ما يضفي مصداقيةً على مخاوفها من تبعات تعاظم النفوذ الإيراني في سورية حقيقة أن هذا التحول سيجعل أبواب سورية مشرعةً أمام عناصر المليشيات الشيعية من جميع أرجاء العالم، ما يحوّل سورية عملياً إلى قاعدة متقدمة لإيران، كما يزعم رئيس الموساد، يوسي كوهين.
لكن إسرائيل تقدم على مخاطرة كبيرة، وغير محسوبة العواقب، في حال اعتمدت نمط التعاطي العسكري في مواجهة مظاهر تعاظم النفوذ الإيراني في سورية، كما عكس ذلك الهجوم على مصياف، فالإستراتيجية العسكرية الجديدة ستقلص هامش المناورة أمام روسيا، بحيث قد يستحيل التقاء المصالح النسبي الذي كان سائداً بين موسكو وتل أبيب في سورية إلى مواجهة خطيرة. لقد غضّت روسيا الطرف عن هجوم الأسبوع الماضي، وبدت غير معنيةٍ باندلاع مواجهة بين إسرائيل وكل من إيران وحزب الله، لأنها تخشى أن تؤثر هذه المواجهة على مآلات الصراع في سورية الذي بات في مراحله الأخيرة. لكن في حال طبقت إسرائيل المعيار الجديد في استهداف المنشآت التي تشكّ بأن إيران تدشّنها بهدف إنتاج السلاح "النوعي"، فإن فرص تفجر صراع مفتوح في سورية بين إسرائيل من جهة وكل من روسيا وإيران والقوى الشيعية ستتعاظم. فعلى سبيل المثال، تدّعي إسرائيل أن أخطر منشآت التصنيع العسكري التي دشّنها الإيرانيون، أخيراً، تقع في محيط مدينة طرطوس، وقريبة من قاعدة حميميم الروسية، الأمر الذي يعني أن استهداف هذه المنشأة ستفسّره موسكو مسّاً متعمداً بمكانتها في سورية.
إلى جانب ذلك، تبين لإسرائيل أن الروس يرون في الوجود الإيراني والشيعي، بعد حسم المواجهة في سورية، مصلحة استراتيجية لموسكو. وقد تأكد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خلال لقائه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في منتجع سوتشي قبل ثلاثة أسابيع، أنه عند المفاضلة بين تل أبيب وطهران، فإن روسيا اختارت الأخيرة بدون تردد. وكما روى
إسرائيل، على الرغم من أنها تعي طابع الاعتبارات التي تحكم السلوك الروسي، إلا أن إحباطها المعلن من السياسات التي تتبناها إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في سورية قد يجعلها تمضي في تبنّي الإستراتيجية الجديدة بهذه الوتيرة أو تلك، وهو ما قد يفضي إلى اندلاع مواجهة مع إيران والقوى الشيعية في سورية، ويمكن أن تنتقل لاحقاً إلى لبنان. وعلى الأقل، في وسع الروس توظيف منظومات الإنذار المبكر ومنظومات الدفاع الجوية التي يحتفظون بها في سورية في تقليص عوائد الجهد الحربي الإسرائيلي في سورية، واستنزاف تل أبيب. إلى جانب ذلك، فإن مواجهة جديدة بين إسرائيل وحزب الله تحديداً تنطوي على خطورة أكبر، بسبب تواتر التقديرات في تل أبيب التي تؤكد أنه على الرغم من مرور 11 عاماً على حرب لبنان الثانية، فإن إسرائيل لم تتمكّن بعد من اتخاذ الاحتياطات التي تكفل تأمين عمقها المدني في مواجهة الصواريخ التي يملكها حزب الله، والتي تمتاز بمداها الطويل ورؤوسها الثقيلة ودقة إصابتها.