31 أكتوبر 2017
فرص حماس في المصالحة
بمعزل عن مدى جدية قيادة السلطة الفلسطينية في إنهاء الانقسام، وتحقيق المصالحة الوطنية، والوفاء بتعهداتها بتحسين الأوضاع الاقتصادية في غزة، فإن على حركة حماس أن ترى في الاستجابة لشرط رئيس السلطة، محمود عباس، "تمكين" حكومة رام الله من إدارة مقاليد "حكم" القطاع مصلحة وطنية وتنظيمية من الطراز الأول، فالعجز عن احتواء تأثيرات الحصار التي فاقمتها العقوبات التي فرضها عباس يعني أن مواصلة إدارة حركة حماس "حكم" القطاع باتت تمثل وصفةً لاستنزاف رصيدها الوطني. وعليه، فإن على "حماس" التصرف بحكمة ووعي، من أجل التخلص من كوة النار هذه، وعدم التمترس عند قضايا تفصيلية، لن تكون الحركة مسؤولة عن معالجتها، بعد "تمكين" حكومة رام الله من إدارة القطاع، فعلى "حماس" الإسراع بالتخلي عن مؤسسات الحكم المختلفة، وإبداء أقصى درجات التعاون، لضمان نقلها إلى مسؤولية حكومة رام الله. وبعد ذلك الإعلان، بشكل واضح أمام الجمهور والفصائل الفلسطينية، أنها لم تعد عنوانا سلطويا في القطاع، وأن تخليها عن حكم غزة نهائي؛ ما يعني أن رام الله باتت المسؤولة الوحيدة عن إدارة حكم القطاع، وكل ما يتطلبه الأمر من تصدٍّ لهموم الناس ومشكلاتهم. وهذا يعني أنه ليس من شأن "حماس" أو مسؤوليتها التصدي لمستقبل الأوضاع الاقتصادية ومصير الموظفين، وغيرها من قضايا، أكثر مما هو مناط ببقية الفصائل.
ويفترض أيضا أن يحرّر الواقع الجديد "حماس" من الحاجة إلى أية تحرّكات سياسية، تهدف إلى احتواء تدهور الأوضاع الاقتصادية، مع ما ينطوي على هذه التحركات من أثمان باهظة، مثل التفاهمات مع القيادي المفصول من حركة فتح، محمد دحلان.
وإن كان عباس، متأثرا بضغوط إسرائيل، قد ألمح إلى أن "تمكين" الحكومة ليس الشرط
الوحيد لرفع العقوبات الأخيرة عن القطاع، وأنه يتوجب أيضا "توحيد السلاح"، أي التخلص من سلاح المقاومة، فإن على السلطة أن تتحمل تبعات ردة فعل الجمهور الغزي على استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية، التي قد تفضي إلى فوضى تتجاوز مفاعليها حدود القطاع، وفي أكثر من اتجاه. وستدرك عندها إسرائيل، وبعض القوى الإقليمية والدولية التي تربط اعترافها بنتائج المصالحة بتخلي حماس عن سلاحها، أنها أخطأت الهدف. فعندما تغيب "حماس" عنوانا سلطويا، وتسود الفوضى في القطاع، ليس بمقدور إسرائيل أن تجبي أثمانا من الحركة، ردا على كل فعلٍ مصدره غزة، كما تفعل حتى الآن؛ علاوة على أن تجربة الماضي دللت على أن التقاء الفوضى وتدهور الأوضاع الاقتصادية في القطاع يمكن أن تؤثر على الواقع في شمال سيناء. فقد سبق لجماهير غزة أن اقتحمت الحدود مرتين، كردة فعل على تعاظم الأزمة الاقتصادية في القطاع. من هنا، سيتبين لإسرائيل والقوى الإقليمية والدولية أنه ليس من مصلحتها بقاء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية على حالها.
في الوقت نفسه، إذا تبين أن السلطة الفلسطينية ستطرح سلاح المقاومة في غزة في لقاءات القاهرة الأسبوع الجاري، وستصر على مبدأ "وحدانية" السلاح في القطاع، فإن على "حماس" أن تواجه هذا الطرح في إطار موقف وطني شامل، تصطف خلفه بقية الفصائل الفلسطينية. وسيكون صعبا، حتى على حركة فتح، تبرير المطالبة بتفكيك سلاح المقاومة في ظل حالة التغول الإسرائيلي المشهودة. وفي كل الأحوال، لن يكون في وسع السلطة دفع "حماس" إلى المساومة على سلاحها، من خلال الربط بين التخلي عن هذا السلاح وتحسين الأوضاع الاقتصادية في القطاع، على اعتبار أن هذا الملف لم يعد من مسؤولية الحركة.
يحاول عباس تكريس انطباع مضلل، وكأن مكانة السلطة السياسية تسمح له بممارسة الابتزاز
في مواجهة "حماس"، مع العلم أنه يعي أن الأوضاع في الضفة الغربية قابلة للانفجار في كل لحظة، بشكلٍ قد يفضي إلى انهيار السلطة ذاتها. ويتذكّر عباس جيدا أن عملية إطلاق النار التي استهدفت الصهاينة في محيط الأقصى وداخله قبل ثلاثة أشهر، وما أعقبها من ردة فعل إسرائيلية، وموقف جماهيري فلسطيني كادت أن تفجر البيئة الأمنية والسياسية في الضفة الغربية، ناهيك عن ارتداداتها الإقليمية الواسعة. من هنا، من غير المستبعد أن يسهم الاستيطان والتهويد وتغول المستوطنين وغياب أي أفق سياسي، وما يتبعه من انفجار، ردة فعل فلسطينية على شكل عمليات مقاومة منظمة وفردية، في بلورة بيئة سياسية جديدة في الضفة، مصحوبة بتغير موازين القوى بين الفاعلين الرئيسيين في الساحة الفلسطينية. هذا من دون التعرّض لمرحلة ما بعد عباس التي تقترب، والتي يتوقع أن تستند إلى معادلات جديدة، على صعيد توزيع القوة في الساحة الفلسطينية.
على "حماس" أيضا أن تصيغ مواقفها السياسية والإعلامية، وتصمم مناشطها المتعلقة بالمصالحة، بحيث لا تنطوي على رسائل سلبية وخاطئة إلى حلفائها الطبيعيين الذين لم يرهنوا دعمهم لها بشروط، فالمنطقة تعاني من استقطاب متضخم، يجعل كل شاردة وواردة ذات اعتبار ودلالة. وإن كانت "حماس" مضطرة، وبحق، لمراعاة أطراف إقليمية، بسبب دورها في عملية المصالحة، فإن عليها ألا تبالغ في حجم الرهانات على هذه الأطراف، سيما وأن مواقفها من غزة ومقاومتها معروفة، والحرب الإسرائيلية العدوانية على غزة في صيف 2014 تشهد على ذلك. ومن نافلة القول إن استعادة "حماس" رشاقتها السياسية، بعد التخلص من أعباء "الحكم"، سيمنحها هامش مناورة كبير في تحديد خارطة تحالفاتها الإقليمية، بما يتناسب مع منطلقاتها الوطنية.
قصارى القول، على "حماس" أن تتعامل مع المصالحة باعتبارها فرصة لإصلاح خطئها التاريخي، محاولة الجمع بين الحكم والمقاومة، وعليها عدم العودة إلى هذه الخطيئة مطلقا، بغض النظر عن طابع التحولات في المستقبل.
ويفترض أيضا أن يحرّر الواقع الجديد "حماس" من الحاجة إلى أية تحرّكات سياسية، تهدف إلى احتواء تدهور الأوضاع الاقتصادية، مع ما ينطوي على هذه التحركات من أثمان باهظة، مثل التفاهمات مع القيادي المفصول من حركة فتح، محمد دحلان.
وإن كان عباس، متأثرا بضغوط إسرائيل، قد ألمح إلى أن "تمكين" الحكومة ليس الشرط
في الوقت نفسه، إذا تبين أن السلطة الفلسطينية ستطرح سلاح المقاومة في غزة في لقاءات القاهرة الأسبوع الجاري، وستصر على مبدأ "وحدانية" السلاح في القطاع، فإن على "حماس" أن تواجه هذا الطرح في إطار موقف وطني شامل، تصطف خلفه بقية الفصائل الفلسطينية. وسيكون صعبا، حتى على حركة فتح، تبرير المطالبة بتفكيك سلاح المقاومة في ظل حالة التغول الإسرائيلي المشهودة. وفي كل الأحوال، لن يكون في وسع السلطة دفع "حماس" إلى المساومة على سلاحها، من خلال الربط بين التخلي عن هذا السلاح وتحسين الأوضاع الاقتصادية في القطاع، على اعتبار أن هذا الملف لم يعد من مسؤولية الحركة.
يحاول عباس تكريس انطباع مضلل، وكأن مكانة السلطة السياسية تسمح له بممارسة الابتزاز
على "حماس" أيضا أن تصيغ مواقفها السياسية والإعلامية، وتصمم مناشطها المتعلقة بالمصالحة، بحيث لا تنطوي على رسائل سلبية وخاطئة إلى حلفائها الطبيعيين الذين لم يرهنوا دعمهم لها بشروط، فالمنطقة تعاني من استقطاب متضخم، يجعل كل شاردة وواردة ذات اعتبار ودلالة. وإن كانت "حماس" مضطرة، وبحق، لمراعاة أطراف إقليمية، بسبب دورها في عملية المصالحة، فإن عليها ألا تبالغ في حجم الرهانات على هذه الأطراف، سيما وأن مواقفها من غزة ومقاومتها معروفة، والحرب الإسرائيلية العدوانية على غزة في صيف 2014 تشهد على ذلك. ومن نافلة القول إن استعادة "حماس" رشاقتها السياسية، بعد التخلص من أعباء "الحكم"، سيمنحها هامش مناورة كبير في تحديد خارطة تحالفاتها الإقليمية، بما يتناسب مع منطلقاتها الوطنية.
قصارى القول، على "حماس" أن تتعامل مع المصالحة باعتبارها فرصة لإصلاح خطئها التاريخي، محاولة الجمع بين الحكم والمقاومة، وعليها عدم العودة إلى هذه الخطيئة مطلقا، بغض النظر عن طابع التحولات في المستقبل.