جلال أمين عكاشياً

19 مايو 2017

جلال أمين.. مشكلته مع الثورة المصرية أنها أسقطت توقعاته

+ الخط -

لا أعلم سبباً لكراهية أستاذ الاقتصاد في الجامعة الإميركية، الدكتور جلال أمين، الربيع العربي، بشكل عام، والثورة المصرية، بشكل خاص؟

أفهم أن لدى جلال أمين ميل فطري للاستبداد، يجعله ينفق رحيق العمر في محاولة وضع مساحيق التجميل على وجه نظم قمعية، بدعوى مناوأة مشروع الهيمنة الإمبريالي، غير أن غير المفهوم هو: لماذا يبدّد كل رصيده السابق في خدمة نظام، هو بالأساس صنيعة أميركية صهيونية؟!

لم يتوقف الرجل عن طعن الثورة المصرية يوماً، حتى قبل أن تبدأ وتتشكل ملامحها في يناير/ كانون ثاني 2011، لكنه الآن يفصح عن كراهية مستحكمة، تدفعه، في حوار مع صحيفة مصرية، إلى الذهاب إلى إن الربيع العربي هو ربيع إسرائيلي، حين يتلقى سؤالا يقول "هل هناك دول أو شركات عابرة للقارات سبب في تحريك ثورات الربيع العربى، ومن المستفيد من كل هذا الدمار الذي حدث؟"

لم يمتعض جلال أمين من صيغة السؤال، ولم يغضب من السائل، بل بدا من الإجابة أن السائل والمسؤول متناغمان إلى أقصى درجة، فيجيب "أميل إلى أن لإسرائيل دوراً فى قيام ثورات الربيع العربي، وليس لديّ شواهد على ذلك. ولكن، دعنا نبحث من المستفيد من هذا الوضع، سنجد أن إسرائيل أكبر هؤلاء المستفيدين، وربما الولايات المتحدة، ولكن هناك دلائل أو ما يوحي أن إسرائيل بدأت تأخذ قراراتها منفردة، وأمريكا بدأ مركزها فى العالم يضعف، ولهذا تتحرك إسرائيل فى الآونة الأخيرة بحرية أكبر".

ليست هذه المرة الأولى التي يبدو فيها جلال أمين قريباً للغاية من "النظرية العكاشية في تناول الثورة المصرية"، إذ كان الرجل، وكما قلت سابقاً، حامل أكبر معول لتقويض ثورة يناير، حين كتب في "الشروق" الرابع من مايو/ أيار 2013 ممهداً للانقلاب، بتقديم أطول إساءة وتشويه لثورة المصريين، عبر طرحه مجموعة أسئلة تشكيكية، طالت كل ما تعلق بالثورة، بدءاً بمحمد البرادعي الذي يعتبر رجوعه إلى مصر والتساهل الأمني مع استقباله الصاخب في مطار القاهرة مؤامرة،  وانتهاء بوائل غنيم الذي يجد في ظهوره على شاشة التلفزيون بعد اعتقاله، كذلك مؤامرة، مروراً بكل تطورات المشهد، لينتهي، في ختام الأسئلة الملغومة، إلى دعوة القارئ للنظر إلى ما جرى على ضوء "نظرية المؤامرة".

هو القاموس نفسه الذي استخدمه توفيق عكاشة ومصطفى بكري ومرتضى منصور، وكتيبة إعلام عبد الفتاح السيسي، الأمر الذي يبقي السؤال صاخباً: لماذا كل هذه الكراهية للثورة، من رجلٍ أنفق معظم سنوات حياته في الكتابة عن الحراك الاجتماعي والغضب المكتوم ضد الاستبداد والفساد؟.

يبدو لي أن مشكلة جلال أمين مع الثورة أنها أسقطت توقعاته، وأظهرت ركاكة قراءته لحظة ميلادها، عندما جلس وسط جمهوريه مساء اليوم السابق للثورة، يتلقى أسئلةً ثوريةً ساخنة، فيغطسها في إجابات باردة ومحبطة، حتى أنه سخر، في تلك الليلة، من سؤالٍ لفتاة عن موقفه من المشاركة في الثورة غداً.. بل ودخل في رهانٍ على أن صباح 25 يناير لن يحمل جديداً عما سبق، وأنه من باب دغدغة المشاعر اعتبار دعوات التظاهر موعداً لتحقيق التغيير.

فاجأت الثورة جلال أمين، وهزمت نظرياته وتنظيراته، وكشفت أن لدى المصريين ما هو مختلف عما وضعه في مؤلفاته وشروحاته، فهل كان ذلك سببا كافياً لكي يناصبها العداء؟

لكن السؤال الأهم الذي ننتظر أن يجيب جلال أمين عليه: إذا كانت "يناير" مؤامرةً إسرائيلية، فكيف تحزن إسرائيل وتصاب بالذّعر من نجاحها، بينما تعبّر عن فرحها ودعمها غير المحدود، واحتضانها الكامل للنظام الذي صعد إلى الحكم بانقلابٍ على الثورة التي تزعم أنها كانت وراءها والمستفيد الأول منها؟!

يحب جلال أمين عبد الفتاح السيسي وثورته المضادة، تماما كما يحبه  آفي ديختر عضو الكنيست والرئيس السابق لجهاز الشاباك الإسرائيلي (الأمن العام) الذي أعلن أن إسرائيل أنفقت المليارات لإنهاء حكم الرئيس القادم من جماعة الإخوان المسلمين".

بإمكان جلال أمين أن يسأل ديختر : لماذا أنفقت إسرائيل المليارات للتخلص من حكمٍ فرضته ثورة يناير؟!

وبمقدوره أيضاً أن يرسل برقية تهنئةٍ لمقاول تصدير الغاز المصري للكيان الصهيوني، حسين سالم، الذي برّأته دولة 30 يونيو، بعد أن حاكمته 25 يناير، التي يدّعي جلال أمين أن إسرائيل لعبت دوراً في صناعتها.

غير أنه، قبل ذلك، مُطالٓبٌ بسداد حقوق الملكية الفكرية للرائد المجدّد توفيق عكاشة.

 

وائل قنديل (العربي الجديد)
وائل قنديل
كاتب صحافي مصري من أسرة "العربي الجديد" عروبي الهوية يؤمن بأنّ فلسطين قضية القضايا وأنّ الربيع العربي كان ولا يزال وسيبقى أروع ما أنجزته شعوب الأمة