تلك الجماعة الإرهابية الساكنة في عقل السلطة
أن تنتقد الحكومة فأنتَ مُتّهمٌ بالانضمامِ إلى جماعةٍ إرهابيّةٍ، وحين تنتقدُ تعديلَ الحكومةِ فأنتَ أيضاً مُتهم بالإرهاب. وقس على ذلك كلّ فعلٍ أو قولٍ أو حتى مُزاحٍ على مواقع التواصل الاجتماعي يثيرُ غضب أيّة جهةٍ في السلطة، أو حتى الدائرين في فلكها. فمن الممكن جدّا، بل هو الحاصل فعلاً، أن يضعَ صاحبه تحت طائلةِ الاتهام بالإرهابِ أو الانضمامِ لجماعةٍ إرهابية، أو مشاركةِ تلك الجماعة الافتراضيّة أهدافها.
كان يمكن تفهّم أسباب هذا اللامعقول المصري ودوافعه في الأشهر والسنوات القليلة الأولى من عمرِ السلطةِ الحاكمة، على اعتبار أنّها قطعت المسافة إلى عرشها ومقاعدها سيراً على دماءٍ غزيرةٍ، ومظالم وانتهاكات أكثر لقطاعاتٍ هائلة من المجتمع، وبالتالي، كانت تخشى هفهفة عصفور بجناحيه بالقرب من نافذةٍ من نوافذها، ومن ثمّ تحكم وتدير بالحديد والنار.
أمّا وأنّ عمر هذه السلطة في الحكم بات 11 عاماً، قضت خلالها على كلّ احتمالات مُناوأتها أو الثورة عليها، فإنّه يُصبح مضحكاً إلى درجةِ الدموع أن تقرأ وأنت في صيف العام الرابع والعشرين بعد الألفين خبراً، بأنّ نيابة أمن الدولة العليا قرّرت حبس شاب أو فتاة سخر/ت من تشكيلِ الحكومة الجديدِ (وهو تشكيلٌ جدير تماماً بالسخرية) 15 يوماً احتياطيّاً على ذمّة قضية أمن دولة عليا. ووجهت له اتهامات بالانضمامِ إلى جماعةٍ إرهابية، ونشر أخبار كاذبة وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، بسبب فيديو على "تيك توك" أو "فيسبوك" أو "إكس" (تويتر سابقا).
ويبعثُ على الحزن كذلك أن تعلن وزارة الداخلية بفخرِ المنجز، المنتصر، الواثق، أنّها اعتقلت شابّاً حضرَ عزاءَ لاعب الكرة، أحمد رفعت، وبيده لافتة غاضبة من الأشخاصِ والجهات الرياضية التي قهرت اللاعب الشاب حتى الموت، بزعم أنّ من شأن لافتة من هذا النوع أن تهدّد استقرار الوطن.
وما يُضاعف كميات الحزن والأسى أنّ تلك التهمة التافهة (الانضمام لجماعة إرهابية) تطلق كذلك على عشراتِ المصريين المنتفضين، ألماً وغضباً، من أجل الشعب الفلسطيني الشقيق الذي يتعرّض لمجازر جماعيّةٍ وجرائم إبادةٍ وتطهيرٍ عرقي وحصار عسكري واقتصادي شلّ الحياة تماماً في قطاع غزّة، إذ لا تتوقف الأخبار عن حبسِ وتجديدِ حبسِ شبابٍ قرّروا التضامن إلكترونيّاً مع الشعب الشقيق تحت شعار "طلاب من أجل فلسطين".
غير معقول أنّ كلّ ما يدبّ على الأرض في مصر، بما لا يُوافق رغبة السلطة هو كيان أو جماعة أو أفراد متّهمون بالإرهاب، إذ لا يقتصر هذا التصنيف الممجوج على المنتسبين لجماعةِ الإخوان المسلمين، بل اشتمل على حركة 6 إبريل وروابط شباب أولتراس كرة القدم. والآن باتتْ تهمة الانضمام لجماعةٍ إرهابيّةٍ تصل إلى المواطنين العاديين في المنازل، إن تبرّموا من انقطاعاتِ الكهرباء ومضاعفةِ أسعارها أو اشتكوا من مضاعفةِ ثمن رغيف الخبز.
هذه السهولة، أو هذا الاستسهال المُثير للسخريّة، في توزيعِ الاتهاماتِ بالإرهاب على الشعب المصري، قابلته صرامةٌ وجهامةٌ لو تجرّأ مواطنٌ على رفع دعوى قضائية تُطالب باعتبار الاحتلال الصهيوني كياناً إرهابيّاً، كما جرى في العام 2015 عندما أصدرتْ محكمة الأمور المستعجلة في القاهرة قراراً بعدم الاختصاص بنظر دعوى اعتبار إسرائيل إرهابية، في الأجواء ذاتها التي قرّرت فيها المحكمة نفسها اعتبار كلّ من حركةِ حماس المُقاومة، وحركة 6 إبريل المعارضة، وروابط الأولتراس الرياضية ومئات الأفراد، كيانات إرهابية، بحسب قانون 8 لسنة 2015 الذي جعل كلّ مستوى من مستوياتِ المعارضة كياناً إرهابيّاً، حتى لو كان شخصاً واحداً.