10 نوفمبر 2024
تغيير "قواعد اللعبة"
ثمّة مساحةٌ ما تزال غامضةً في السياسة الأميركية تجاه سورية بين تصريحاتٍ متعدّدة، للرئيس الأميركي دونالد ترامب ومسؤولين في إدارته، تعلن التخلي عن فكرة إسقاط الأسد كلياً ليس فقط عملياً، كما كان حاصلاً، بل حتى رسمياً وعلنياً، والقيام بقصف صاروخي لقاعدة جوية سورية فجر السبت الماضي، بل وتقديم تصريحات مناقضة للتصريحات السابقة، بعدم وجود دور للأسد في مستقبل سورية.
على الرغم من أنّ الضربة محدودة، وليست مؤثرةً بما يصل إلى محاولة إسقاط الأسد أو الضغط العسكري عليه، إلاّ أنّها حملت رسالةً أهم من حجم الضربة نفسها، تتمثل بتغيير قواعد الصراع في سورية، ليس على صعيد مصير الأسد الذي ما يزال الأكثر غموضاً في السياسات الأميركية، بل فيما يتعلق بالدور الأميركي في الصراع السوري، ففحوى الرسالة للسوريين والروس والإيرانيين هي: نحن هنا، ولا يجوز تجاوز الولايات المتحدة بعد اليوم في الشأن السوري.
إذا تجاوزنا السؤال المربك عن إسقاط النظام السوري أو إبقائه، فإن هنالك تحولين كبيرين رئيسين حدثا في السياسات الأميركية تجاه سورية، كما تشي بذلك المؤشرات الأولية على سياسة الرئيس ترامب.
يتمثل التحول الأول في عدم تسليم سورية للروس والإيرانيين، وحتى للأتراك أو أي طرفٍ آخر، والخروج من المعمعة، بدعوى عدم التورّط في حالة فوضى طائفية وعرقية، والرغبة بعدم الغرق في مستنقع المنطقة التي تتفكّك، كما كانت عليه حال مقاربة الرئيس السابق باراك أوباما، فإدارة ترامب، على النقيض من ذلك، تريد أن تمتلك نفوذاً كبيراً في سورية، والتأثير في حاضرها ومستقبلها، وهنالك تسريبات، على درجة من الواقعية، بالتفكير بإنشاء قواعد عسكرية متعدّدة، وتأهيل مطارات عسكرية، وتعزيز تحالفاتها وعملياتها العسكرية، سواء مع الأكراد أو مع دول عربية مجاورة، مثل الأردن، ومع حلفائها الغربيين، بخاصة البريطانيين والفرنسيين، وتعزيز وجودها العسكري بإرسال مزيد من الجنود والمدربين الأميركيين، والتصدّي لقيادة معركة الرقة مباشرة، ومحاربة تنظيم داعش.
ويتمثل التحول الثاني، في المقاربة الأميركية، في إعادة تعريف الأهداف الاستراتيجية في سورية، إذ كانت سابقاً مقتصرةً على هزيمة "داعش"، أمّا الآن فأصبحت مزدوجة، بإضافة تحجيم النفوذ الإيراني في سورية، وقطع الطريق على بناء مجال استراتيجي جديد لطهران، يمتد إلى البحر المتوسط، عبوراً إلى العراق والأراضي السورية.
يبدو الهدف الأول أقل تعقيداً سياسياً وعسكرياً، ومن الواضح أنّ الرئيس ترامب أكثر تصميماً من أوباما على إنهاء دويلة "داعش" في العراق وسورية، وقد حدّد إطاراً زمنياً، وزاد بصورة ملحوظة من الجرعات العسكرية، ليضمن القضاء على التنظيم في المدن هذا العام.
أما الهدف الثاني، تحجيم إيران، فهو أكثر تعقيداً وصعوبةً في التحقيق والإنجاز، فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة ستسعى إلى السيطرة على مناطق في سورية عبر شبكة تحالفاتها، والدخول بقوة على مسار تقرير مستقبل سورية، إلاّ أنّها ستكون حذرةً في التعامل مع طهران، وعدم الدخول معها في صدام عسكري مباشر، لما تمتلكه الأخيرة من نفوذ عسكري ومليشيات في العراق وسورية، وقدرة على تهديد المصالح الأميركية والوجود العسكري لواشنطن في الدولتين، من ناحية، ولوجود المحور الإيراني- الروسي من ناحية ثانية.
ستسعى السياسات الأميركية إلى كسر ما يسمى "الهلال الشيعي"، عبر قطع الطريق عليه في سورية، وتعزيز قوة الأكراد حليفاً موثوقاً، بخلاف الأتراك وحكومة بغداد. وفي الأثناء، ستحاول فك الشراكة بين إيران وروسيا، ما يتطلب تقديم جائزةٍ مغريةٍ بديلةٍ للروس عن التمسك بكل من الأسد وطهران. كيف؛ هل ستكون في القرم، كما لمّح الملك عبدالله الثاني في مقابلته مع صحيفة واشنطن بوست، أخيرا؟ ليس واضحاً بعد.
على الأغلب، الخطط السياسية والتكتيكات والتفاصيل غير مكتملة بعد، لكن ما هو أهم أنّ الأهداف أعيدت هيكلتها، وقواعد اللعبة تغيرت، أيها السادة.