19 نوفمبر 2016
الرأي العام العالمي يساعد على الانتصار
يتساءل سوريون كثيرون ومناصروهم عن سبب هذا الموقف المتردّد، والمتشكك أحياناً، من المجتمع المدني والرأي العام الأوروبي والأميركي تجاه ثورة الشعب السوري وحقه في التخلص من حكم مافيوي عائلي، حكمه بالحديد والنار أكثر من خمسة وأربعين عاماً، ويستغربون غياب الدور الذي لعبه المجتمع المدني الغربي إلى جانب حق شعب فيتنام في التخلص من الهيمنة الأميركية، أو في دعم مسعى شعب جنوب إفريقيا للتحرّر من نظام الفصل العنصري. ولماذا لم تستطع كل المظالم والدماء في سورية دفع النخب الثقافية الغربية إلى الشعور بالذنب تجاه تقصير حكوماتها بحق قضية السوريين العادلة، كما حصل عندما تظاهرت هذه النخب في شوارع مدن الغرب، دعماً لتطلعات الأفارقة الجنوبيين نحو الحرية والمساواة والعدالة، أو تلك النزعة لدى النخب الأوروبية التي ناصرت، بكل قوة، حقوق دول أميركا اللاتينية في التحرّر من الدكتاتوريات الموالية للغرب التي حكمتها، وتحكّمت بمصيرها عقوداً، أو الحماس الغربي للوقوف إلى جانب دول أوروبا الشرقية، عندما خرجت شعوبها بالملايين في رومانيا وألمانيا الشرقية وتشيكيا وهنغاريا، مطالبة بإسقاط مستبديها الشيوعيين الذين أذاقوها الأمرّين عقوداً من الحقبة الشيوعية.
من حقنا أن نتساءل، ومن واجبنا أن نبحث عن الأسباب. وعلينا التوقف عن القول إن القصة كلها مؤامرةٌ تحاك ضدنا، نحن العرب والمسلمين، لأن خسارة معركة الرأي العام العالمي هي أحد أسباب تأخر انتصار القضايا العادلة للشعوب التي تواجه طغاةً بقسوة الذي نواجهه ووحشيته.
على الرغم من أن الحكومات الغربية تعتبر أن مصالح حكوماتها ورضا شعوبها، وليس العواطف والمشاعر الإنسانية هي الأسس التي تضمن كسب معاركها الانتخابية ضد خصومها السياسيين، إلا أن التاريخ يعلِّمنا أن نجاح أنصار أي قضيةٍ في تحويل قضاياهم ومظالمهم إلى قضايا رأي عام في الدول الديمقراطية كان دائماً مقدّمة لانتصار هذه القضايا، ولو أنه شرط لازم غير كاف.
خصّصت، أخيراً، وقتاً لمتابعة وسائل الإعلام والصحافة الأوروبية وبعض الأميركية، وللحديث
إلى مطلعين نسبياً على ما يجري في سورية، في الوسط الثقافي الأوروبي وبعض الدبلوماسيين المتقاعدين الذين عملوا، قبل تقاعدهم، في دول الربيع العربي، وفي سورية خصوصاً. وحاولت متابعة مقالات بعض كتاب الرأي المختصين بالشرق الأوسط في أوروبا الغربية ولقاءاتهم مع محطات التلفزة الغربية، وراقبت تصريحات وتحليلات محللين غربيين كثيرين لوسائل إعلام ناطقة بالعربية. كما كنت أحاول أن أتلمّس نظرة المواطن الأوروبي إلى ما يجري في سورية. من ذلك كله، أستطيع أن ألخص مواقف صنّاع الرأي في أوروبا والغرب من الثورة السورية كالتالي:
أولاً، الأسد مستبد وفاسد ودكتاتور، ورث السلطة عن أبيه المستبد والدكتاتور والفاسد أيضاً. والاثنان قادا ما يشبه مجموعة عائلية، ارتكبت جرائم كثيرة بحق السوريين الذين من حقهم المطالبة بالتخلص من هذه المجموعة، ونيل حريتهم واستعادة قدرتهم على انتخاب حكوماتٍ تحترم حقوقهم ومحاسبتها، لكن البديل التي أفرزته الثورة السورية (هم يعتقدون أن القوى التي تقاتل الأسد هي "داعش" وتنظيمات شبيهة تختلف مع "داعش" على أحقية حكم سورية وإدارة الخلافة الإسلامية فيها) سيكون أكثر استبداداً ودمويةً، وقد يقضي على بعض الحريات الاجتماعية التي أتاحها نظام الأسد العلماني (لا أوافق أن نظام عائلة الأسد علماني، هو مافيوي لا يعنيه لا الدين ولا الشريعة ولا العلمانية، بل يستخدمها جميعاً لاستمرار سلطته)، وبعض مبادئ "البعث" الخاصة بحقوق المرأة والأقليات الدينية.
ثانياً، في البداية، كان هناك تعاطف كبير مع الثورة والمعارضة السورية، لأن معظم الوسط الثقافي والصحافي المهتم بالشرق الأوسط كان يكتب عمّا يجري في سورية ودول الربيع العربي أنه شبيه بالثورات المطالبة بالانفتاح والديمقراطية في أوروبا الوسطى والشرقية، عند سقوط الاتحاد السوفييتي. وبمراجعة مقالات كتبها مهتمون بالشأن السوري، قبل أربعة أعوام، كانت تعتبر التظاهرات السلمية ومشاركة جميع أطياف الشعب السوري فيها، إضافة إلى دور المرأة السورية الواضح فيها، أمراً إيجابياً ومبشراً. غير أن مقالات هؤلاء أنفسهم اليوم، بعد ظهور "داعش" وجبهة النصرة والرايات السود، وهيمنتها على المشهد المعارض السوري، سنجد حجم التغيير الذي حصل، وخصوصاً بعد ظهور صور قطع الرؤوس والرجم والجلد وسبي النساء والرايات السود والعمليات الإرهابية في أوروبا.
أصبح كثيرون من صناع الرأي في أوروبا يفضّلون بقاء ما يعتقدون أنهم مستبدون علمانيون حداثيون على وصول المتطرفين الإسلاميين لحكم تلك الدول والمجتمعات، حيث لم تستطع هذه الثورات، حسب رأيهم، تقديم بديل مقنع آخر، يجعلهم ينزلون إلى الشارع لمناصرته.
لا تقل معركة الرأي العام أهميةً إطلاقاً عن أي معركة أخرى، يخوضها الشعب السوري في سبيل حريته ومستقبل أبنائه، وأن غياب إعلام معارض واع ومدرك مستلزمات هذه المعركة ساهم أيضاً في هذه الخسارة، حيث تُركت الساحة لآلة النظام الإعلامية، لكي تنقل ما يحدث في سورية بالشكل الذي يخدم صورة طاغيتها. وقد ساعد وجود "داعش" و"النصرة" والتنظيمات الإسلامية الأخرى، وما ارتكبته من جرائم بحق السوريين، وما تطرحه من أفكار ظلامية في تأكيد الصورة التي أراد هذا الإعلام طبعها في الرأي العام العربي والعالمي، عن الثورة السورية ومآلاتها.
هل لا تزال هناك فرصة لعمل شيء؟ نعم، لو خلُصت النيات.
من حقنا أن نتساءل، ومن واجبنا أن نبحث عن الأسباب. وعلينا التوقف عن القول إن القصة كلها مؤامرةٌ تحاك ضدنا، نحن العرب والمسلمين، لأن خسارة معركة الرأي العام العالمي هي أحد أسباب تأخر انتصار القضايا العادلة للشعوب التي تواجه طغاةً بقسوة الذي نواجهه ووحشيته.
على الرغم من أن الحكومات الغربية تعتبر أن مصالح حكوماتها ورضا شعوبها، وليس العواطف والمشاعر الإنسانية هي الأسس التي تضمن كسب معاركها الانتخابية ضد خصومها السياسيين، إلا أن التاريخ يعلِّمنا أن نجاح أنصار أي قضيةٍ في تحويل قضاياهم ومظالمهم إلى قضايا رأي عام في الدول الديمقراطية كان دائماً مقدّمة لانتصار هذه القضايا، ولو أنه شرط لازم غير كاف.
خصّصت، أخيراً، وقتاً لمتابعة وسائل الإعلام والصحافة الأوروبية وبعض الأميركية، وللحديث
أولاً، الأسد مستبد وفاسد ودكتاتور، ورث السلطة عن أبيه المستبد والدكتاتور والفاسد أيضاً. والاثنان قادا ما يشبه مجموعة عائلية، ارتكبت جرائم كثيرة بحق السوريين الذين من حقهم المطالبة بالتخلص من هذه المجموعة، ونيل حريتهم واستعادة قدرتهم على انتخاب حكوماتٍ تحترم حقوقهم ومحاسبتها، لكن البديل التي أفرزته الثورة السورية (هم يعتقدون أن القوى التي تقاتل الأسد هي "داعش" وتنظيمات شبيهة تختلف مع "داعش" على أحقية حكم سورية وإدارة الخلافة الإسلامية فيها) سيكون أكثر استبداداً ودمويةً، وقد يقضي على بعض الحريات الاجتماعية التي أتاحها نظام الأسد العلماني (لا أوافق أن نظام عائلة الأسد علماني، هو مافيوي لا يعنيه لا الدين ولا الشريعة ولا العلمانية، بل يستخدمها جميعاً لاستمرار سلطته)، وبعض مبادئ "البعث" الخاصة بحقوق المرأة والأقليات الدينية.
ثانياً، في البداية، كان هناك تعاطف كبير مع الثورة والمعارضة السورية، لأن معظم الوسط الثقافي والصحافي المهتم بالشرق الأوسط كان يكتب عمّا يجري في سورية ودول الربيع العربي أنه شبيه بالثورات المطالبة بالانفتاح والديمقراطية في أوروبا الوسطى والشرقية، عند سقوط الاتحاد السوفييتي. وبمراجعة مقالات كتبها مهتمون بالشأن السوري، قبل أربعة أعوام، كانت تعتبر التظاهرات السلمية ومشاركة جميع أطياف الشعب السوري فيها، إضافة إلى دور المرأة السورية الواضح فيها، أمراً إيجابياً ومبشراً. غير أن مقالات هؤلاء أنفسهم اليوم، بعد ظهور "داعش" وجبهة النصرة والرايات السود، وهيمنتها على المشهد المعارض السوري، سنجد حجم التغيير الذي حصل، وخصوصاً بعد ظهور صور قطع الرؤوس والرجم والجلد وسبي النساء والرايات السود والعمليات الإرهابية في أوروبا.
أصبح كثيرون من صناع الرأي في أوروبا يفضّلون بقاء ما يعتقدون أنهم مستبدون علمانيون حداثيون على وصول المتطرفين الإسلاميين لحكم تلك الدول والمجتمعات، حيث لم تستطع هذه الثورات، حسب رأيهم، تقديم بديل مقنع آخر، يجعلهم ينزلون إلى الشارع لمناصرته.
لا تقل معركة الرأي العام أهميةً إطلاقاً عن أي معركة أخرى، يخوضها الشعب السوري في سبيل حريته ومستقبل أبنائه، وأن غياب إعلام معارض واع ومدرك مستلزمات هذه المعركة ساهم أيضاً في هذه الخسارة، حيث تُركت الساحة لآلة النظام الإعلامية، لكي تنقل ما يحدث في سورية بالشكل الذي يخدم صورة طاغيتها. وقد ساعد وجود "داعش" و"النصرة" والتنظيمات الإسلامية الأخرى، وما ارتكبته من جرائم بحق السوريين، وما تطرحه من أفكار ظلامية في تأكيد الصورة التي أراد هذا الإعلام طبعها في الرأي العام العربي والعالمي، عن الثورة السورية ومآلاتها.
هل لا تزال هناك فرصة لعمل شيء؟ نعم، لو خلُصت النيات.