19 نوفمبر 2016
سورية ومأساتها
تنتهي السنة السادسة، منذ تحرّك السوريون في مارس/ آذار 2011، آملين التخلص من أحد أكثر أنظمة الحكم دموية وفساداً، ويكاد يصل عدد من فقدوا حياتهم من السوريين إلى نصف مليون مع عدد مماثل من المعاقين والجرحى، وعشرات آلالاف المفقودين والمقتولين تعذيبا في سجون طاغية دمشق، إضافة إلى ملايين المشرّدين واللاجئين داخل سورية وخارجها، وآلاف المقتولين ذبحاً بسيوف داعش وأشباهه، من دون أن يرى السوريون ضوءاً في نهاية نفق الدمار والموت.
كانت هناك آمال كبيرة لدى ملايين السوريين، في بداية ثورتهم، بإمكانية نقل بلادهم من سطوة نظام عائلي مافيوي دموي إلى نظام ديمقراطي، يمكّنهم من اختيار حكوماتهم وممثليهم بطريقة ديمقراطية، ويتيح لهم التحكّم بثروات بلادهم وطاقات شبابهم وبناتهم، وحشدها لإحداث نقلة حضارية في حياتهم، تخلصهم من فقر وتخلف فرضته عليهم مافيا أمنية اقتصادية، عطلت طاقاتهم، وبدّدت ثرواتهم نصف قرن. لكن شراسة نظام مافيا الأسد ودمويته، وتخاذل المجتمع الدولي وتمنّعه عن دعم الطموحات المشروعة للسوريين، إضافة إلى أسلمة الثورة (بالمعنى السياسي للكلمة) وتسليحها، رداً على عنف النظام المفرط وإجرامه، وتناقض مصالح القوى الإقليمية الداعمة للمعارضة، حوَّل حلم التغيير الديمقراطي في سورية إلى كابوس مليء بالدماء والدمار، وحوّل سورية ساحةَ لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، خاسرها الأكبر هو الشعب.
استطاعت روسيا، سعياً منها إلى استعادة دورها الدولي، تأمين حماية كاملة لنظام الأسد، ففي البداية منعت اتخاذ أي قرار أممي جدي، يوقف قتله المتظاهرين السلميين، واعتقال آلاف منهم بوحشية، وقتل بعضهم تعذيباً، كما منعت إنضاج أي حل سياسي متوافق عليه دولياً، يؤمن انتقالاً سياسياً سلمياً في سورية، بينما تولت إيران ومليشياتها اللبنانية والعراقية والأفغانية حماية النظام عسكرياً بوجود مباشر على الأرض السورية، قبل أن تضطر روسيا للتدخل العسكري المباشر لمؤازرة إيران ومليشياتها والحفاظ على النظام ومنعه من السقوط.
اقتصر دور الولايات المتحدة التي تزعمت الدول الداعمة للمعارضة السورية على الحفاظ على توازن قوى، يمنع المعارضة من إسقاط الأسد، ويمنع الأخير من هزيمة المعارضة، واستعادة
السيطرة على البلاد، ما أدى إلى إطالة زمن الحرب، وأعطى الفرصة لجذب متطرفي العالم إلى سورية، وتحويلها إلى ساحة معركة بين تنظيماتٍ متطرّفة تدعم النظام (حزب نصر الله، إيران وحرسها الثوري، والتنظيمات الأصولية الشيعية المدعومة من إيران)، وتنظيمات تكفيرية أرادت إسقاط النظام، لتحويل سورية إلى قاعدة لإرهابها لتهديد العالم (داعش والقاعدة وتفرعاتها)، ما يتيح فرصة ذهبية للولايات المتحدة للتخلص من الطرفين معاً بأقل تكلفة بشرية واقتصادية ممكنة، ولو أدى ذلك إلى تدمير سورية وتشريد شعبها، الأمر الذي يخدم مصلحة إسرائيل في تدمير الشعب الأكثر قدرةً على الوقوف في وجهها، لو أتيحت له فرصة امتلاك زمام أمره، بعيدا عن الاستبداد والفساد.
نجح إجرام نظام الأسد المافيوي، بخبرته الطويلة في القمع وجاهزيته لرهن سورية ومصيرها لمن يمنع سقوطه، مستفيداً من معارضة عديمة الخبرة، منقسمة في ولاءاتها ومتنافسة فيما بينها، في تحويل الثورة التي قام بها، في البداية، جميع السوريين على اختلاف انتماءاتهم الدينية والعرقية ضد نظام مافيوي مستبد وفاسد إلى حربٍ أهلية، ذات صبغة طائفية، واستطاع أن يتحول من نظام مجرم تجب محاكمته، إلى طرفٍ في هذه الحرب، فضمن لنفسه كرسياً حول أي طاولة مفاوضات، للبحث في حل سياسي، ينهي الكارثة السورية.
سورية اليوم كوطن وشعب واقعة بين سندان استبداد الأسد والمليشيات الطائفية الإيرانية التي تدعمه ومطرقة التطرّف التكفيري، المتمثل بداعش والتنظيمات القاعدية والإسلامية الرافضة الدولة الحديثة القائمة على حكم الشعب والدستور الذي لا يميّز بين مواطني الدولة على أساس الدين أو الطائفة أو الانتماء القومي.
ليس للدول العظمى مصلحة مباشرة في إيقاف مثل هذه الحروب المذهبية، طالما أنها تحقق مصالحها، وتجري في منطقة بعيدة عنها جغرافياً، ولا تهدد مصالحها مباشرة، وهي مرشحة لأن تتحول إلى حروب مزمنة، تحاول كل قوة دولية أو إقليمية أن تخوضها بالوكالة، عبر تمويل أو دعم مليشيا أو تنظيم عسكري أو سياسي من المليشيات والتنظيمات العسكرية والسياسية، المتكاثرة كالفطر على الساحة السورية. وهذا ما بدا واضحاً في تحالف إيران وروسيا مع مليشيات النظام والولايات المتحدة مع مليشيات "قوات سورية الديمقراطية"، وأخيرا تركيا مع جزء من المعارضة المسلحة لتحجيم "داعش" والأكراد، ومنع خطرهم عن حدودها، والأصابع الأخرى، المرئية وغير المرئية، لدول صغيرة وكبيرة، ما سيؤدي إلى تلاشي إمكانية استعادة سورية دولة ووطناً، وتحولها إلى حالة شبيهة بالصومال أو أفغانستان، أو تقسيمها كما حصل في يوغسلافيا السابقة.
على الرغم من استفحال المعضلة السورية، وخطورة المرحلة التي تمر بها، إلا أنه لازالت هناك آمال في إنقاذ سورية من التحول دولة فاشلةً، وساحة حربٍ مزمنةٍ، أو بلقنتها وتقسيمها، لكن ذلك يحتاج نخبة سياسية سوريةً وطنيةً ونزيهة، قادرة على طرح حلول جريئة وواقعية، تعتبر وقف هذه الحرب المجنونة أولويةً لا بد منها، والعمل على الانفتاح على جميع القوى الإقليمية والدولية المؤثرة على الحالة السورية، ومناقشة هذه الحلول معها، للوصول إلى تفاهماتٍ لا تحقق بالضرورة كل أهداف الثورة، لكنها توقف التدمير، وتفتح طريقاً آمناً لعودة المهجرين، والبدء بإعادة إعمار ما دمرته الحرب. وقبل كل شيء، تؤمن مرحلة انتقالية بضماناتٍ دولية، تنتهي بانتخابات حرة، تتيح للسوريين التصويت على دستور يحكم حياتهم، وانتخاب قياداتهم بحرية.
كانت هناك آمال كبيرة لدى ملايين السوريين، في بداية ثورتهم، بإمكانية نقل بلادهم من سطوة نظام عائلي مافيوي دموي إلى نظام ديمقراطي، يمكّنهم من اختيار حكوماتهم وممثليهم بطريقة ديمقراطية، ويتيح لهم التحكّم بثروات بلادهم وطاقات شبابهم وبناتهم، وحشدها لإحداث نقلة حضارية في حياتهم، تخلصهم من فقر وتخلف فرضته عليهم مافيا أمنية اقتصادية، عطلت طاقاتهم، وبدّدت ثرواتهم نصف قرن. لكن شراسة نظام مافيا الأسد ودمويته، وتخاذل المجتمع الدولي وتمنّعه عن دعم الطموحات المشروعة للسوريين، إضافة إلى أسلمة الثورة (بالمعنى السياسي للكلمة) وتسليحها، رداً على عنف النظام المفرط وإجرامه، وتناقض مصالح القوى الإقليمية الداعمة للمعارضة، حوَّل حلم التغيير الديمقراطي في سورية إلى كابوس مليء بالدماء والدمار، وحوّل سورية ساحةَ لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، خاسرها الأكبر هو الشعب.
استطاعت روسيا، سعياً منها إلى استعادة دورها الدولي، تأمين حماية كاملة لنظام الأسد، ففي البداية منعت اتخاذ أي قرار أممي جدي، يوقف قتله المتظاهرين السلميين، واعتقال آلاف منهم بوحشية، وقتل بعضهم تعذيباً، كما منعت إنضاج أي حل سياسي متوافق عليه دولياً، يؤمن انتقالاً سياسياً سلمياً في سورية، بينما تولت إيران ومليشياتها اللبنانية والعراقية والأفغانية حماية النظام عسكرياً بوجود مباشر على الأرض السورية، قبل أن تضطر روسيا للتدخل العسكري المباشر لمؤازرة إيران ومليشياتها والحفاظ على النظام ومنعه من السقوط.
اقتصر دور الولايات المتحدة التي تزعمت الدول الداعمة للمعارضة السورية على الحفاظ على توازن قوى، يمنع المعارضة من إسقاط الأسد، ويمنع الأخير من هزيمة المعارضة، واستعادة
نجح إجرام نظام الأسد المافيوي، بخبرته الطويلة في القمع وجاهزيته لرهن سورية ومصيرها لمن يمنع سقوطه، مستفيداً من معارضة عديمة الخبرة، منقسمة في ولاءاتها ومتنافسة فيما بينها، في تحويل الثورة التي قام بها، في البداية، جميع السوريين على اختلاف انتماءاتهم الدينية والعرقية ضد نظام مافيوي مستبد وفاسد إلى حربٍ أهلية، ذات صبغة طائفية، واستطاع أن يتحول من نظام مجرم تجب محاكمته، إلى طرفٍ في هذه الحرب، فضمن لنفسه كرسياً حول أي طاولة مفاوضات، للبحث في حل سياسي، ينهي الكارثة السورية.
سورية اليوم كوطن وشعب واقعة بين سندان استبداد الأسد والمليشيات الطائفية الإيرانية التي تدعمه ومطرقة التطرّف التكفيري، المتمثل بداعش والتنظيمات القاعدية والإسلامية الرافضة الدولة الحديثة القائمة على حكم الشعب والدستور الذي لا يميّز بين مواطني الدولة على أساس الدين أو الطائفة أو الانتماء القومي.
ليس للدول العظمى مصلحة مباشرة في إيقاف مثل هذه الحروب المذهبية، طالما أنها تحقق مصالحها، وتجري في منطقة بعيدة عنها جغرافياً، ولا تهدد مصالحها مباشرة، وهي مرشحة لأن تتحول إلى حروب مزمنة، تحاول كل قوة دولية أو إقليمية أن تخوضها بالوكالة، عبر تمويل أو دعم مليشيا أو تنظيم عسكري أو سياسي من المليشيات والتنظيمات العسكرية والسياسية، المتكاثرة كالفطر على الساحة السورية. وهذا ما بدا واضحاً في تحالف إيران وروسيا مع مليشيات النظام والولايات المتحدة مع مليشيات "قوات سورية الديمقراطية"، وأخيرا تركيا مع جزء من المعارضة المسلحة لتحجيم "داعش" والأكراد، ومنع خطرهم عن حدودها، والأصابع الأخرى، المرئية وغير المرئية، لدول صغيرة وكبيرة، ما سيؤدي إلى تلاشي إمكانية استعادة سورية دولة ووطناً، وتحولها إلى حالة شبيهة بالصومال أو أفغانستان، أو تقسيمها كما حصل في يوغسلافيا السابقة.
على الرغم من استفحال المعضلة السورية، وخطورة المرحلة التي تمر بها، إلا أنه لازالت هناك آمال في إنقاذ سورية من التحول دولة فاشلةً، وساحة حربٍ مزمنةٍ، أو بلقنتها وتقسيمها، لكن ذلك يحتاج نخبة سياسية سوريةً وطنيةً ونزيهة، قادرة على طرح حلول جريئة وواقعية، تعتبر وقف هذه الحرب المجنونة أولويةً لا بد منها، والعمل على الانفتاح على جميع القوى الإقليمية والدولية المؤثرة على الحالة السورية، ومناقشة هذه الحلول معها، للوصول إلى تفاهماتٍ لا تحقق بالضرورة كل أهداف الثورة، لكنها توقف التدمير، وتفتح طريقاً آمناً لعودة المهجرين، والبدء بإعادة إعمار ما دمرته الحرب. وقبل كل شيء، تؤمن مرحلة انتقالية بضماناتٍ دولية، تنتهي بانتخابات حرة، تتيح للسوريين التصويت على دستور يحكم حياتهم، وانتخاب قياداتهم بحرية.