10 نوفمبر 2024
النسخة الجديدة من داعش
يقف الباحث الأميركي الرصين، مارك لينش، في مقالته "الطائفية وحملة استعادة الفلوجة"، عند استطلاع رأي، غير علمي، أجراه مذيع "الجزيرة" فيصل القاسم، على حسابه الافتراضي (موقع تويتر) عن موقف الرأي العام العربي من معركة الفلوجة أخيراً.
كانت النتائج (على الرغم من أنّه استطلاع غير علمي) صادمة، لكنّها، في ضوء الحيثيات المصاحبة للمعركة متوقعة، فهنالك قرابة 87% يرونها معركةً إيرانية ضد السنة، و72% يدعمون التنظيم ضد مليشيات الحشد الشعبي، و84% يرون أنّ خطر إيران أكبر من خطر التنظيم.
لا تختلف النتائج عن استطلاعاتٍ أخرى، كالتي أجريت قبل عام تقريباً، وأظهرت أنّ الأغلبية من سكان الموصل يفضلون "داعش" على "الحشد الشعبي". وهي نسب قد تكون زادت بعد أعمال الحشد الشعبي في المناطق التي سيطروا عليها في الفلوجة، ومع أهاليها المشرّدين.
يرى لينش نفسه أنّ تنامي الطائفية ليست حالة سنيةً بحتة، فوجود قاسم سليماني والتصريحات المتطرفة من الجانب الآخر تؤكّد على أنّها نزعة تهيمن على القوى الشيعية.
إذا تجاوزنا هذه الاستطلاعات، وقرأنا مقالات لنخبة من أبرز الكتّاب العرب، المحسوبين على خط ليبرالي أو رسمي، سنجد أنّنا أمام تداعياتٍ مرعبة لما حدث في الفلوجة، وما يحدث حالياً في سورية، فكاتب ليبرالي بوزن حازم صاغية يعتبر ما يحدث بمثابة "مذبحةٍ سنيةٍ"، تتواطأ فيها إيران والمجتمع الدولي، ولا يختلف عن ذلك موقف إياد أبو شقرة، في حين يخصص مشاري الذايدي مقالين عن التداعيات النفسية والسياسية الخطيرة على المنطقة مما يحدث في الفلوجة، الأول بعنوان "حتى لا يعود البغدادي" والثاني "الحرب على السنة العرب"، للحديث عن الأمر نفسه، فإذا كانت هذه آراء النخبة الليبرالية والعلمانية العربية، فماذا عن موقف الشارع، وخصوصاً في سورية والعراق؟
الطريف أنّ النتيجة نفسها خلص إليها من جانب آخر، عبد الوهاب الساعدي، قائد عمليات تحرير الفلوجة، عندما حذّر من ظهور نسخةٍ أكثر تطوراً من "داعش" في المستقبل القريب، ما يذكّر برواية الجزائري، واسيني الأعرج، "حكاية العربي الأخير"، والتي يتنبأ فيها بظهور ما يسميه التنظيم، بعد زوال تنظيم داعش، وهو أكثر تطوراً وخطراً ودموية وقدرات من "داعش" نفسها.
من أجل ذلك، كنا، منذ البداية، نحذّر من الاتكاء على الجانب العسكري، من دون حلولٍ سياسية عميقة، تتزامن معه وتوازيه، فهزيمة "داعش عسكرياً ليست نهاية المطاف (بالمناسبة بدأت تظهر مقالات وأوراق في الولايات المتحدة تذهب في الاتجاه نفسه)، بل قد تكون مقدمةً لما هو أسوأ.
ما حدث في الفلوجة نقطة تحوّل، لكنّها قد لا تكون إيجابيةً، بل سلبية جداً، وتعزّز الشعور المتنامي بالمظلومية السنية، وبالخطر الإيراني، لكن ما هو أسوأ من هذا وذاك تفشّي المشاعر الطائفية، وحالة اليأس والإحباط وخيبة الأمل من النظام الرسمي العربي، ومن موقف المجتمع الدولي التائه في المنطقة.
ثم يأتي زعيم حزب الله، حسن نصر الله، ليصب الزيت على النار، عندما يصف معركة حلب الحالية بأنّها "المعركة الاستراتيجية الكبرى"، والسؤال ضد من؟ فأغلب القوى الموجودة في حلب قوى سورية معارضة، تتعرّض لاستخدامٍ روسي مفضوح لقنابل محرّمة دولية، بتواطؤ وصمت عجيب من المجتمع الدولي والولايات المتحدة الأميركية.
في مثل هذه الظروف، لن يبقى السؤال الساذج المطروح عربياً هو: لماذا يتطرف الشباب العرب؟ بل السؤال الأكثر دقّة هو: لماذا لا يتطرفون؟
انتشار الطائفية وانهيار النظام الرسمي العربي وعجزه عن مواجهة الاستحقاقات التاريخية مع ظروف الفشل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتنموي والانقلاب على لحظة الثورات والربيع العربي، ذلك كله هو المناخ النموذجي لنمو "داعش" وما بعد "داعش" وما بعد بعد "داعش"، وهو مناخ كفيل بجرّنا جميعاً إلى هاويةٍ سحيقة، مع عجز الحلول السياسية عن تقديم الجواب للأسئلة المصيرية الكبرى.
كانت النتائج (على الرغم من أنّه استطلاع غير علمي) صادمة، لكنّها، في ضوء الحيثيات المصاحبة للمعركة متوقعة، فهنالك قرابة 87% يرونها معركةً إيرانية ضد السنة، و72% يدعمون التنظيم ضد مليشيات الحشد الشعبي، و84% يرون أنّ خطر إيران أكبر من خطر التنظيم.
لا تختلف النتائج عن استطلاعاتٍ أخرى، كالتي أجريت قبل عام تقريباً، وأظهرت أنّ الأغلبية من سكان الموصل يفضلون "داعش" على "الحشد الشعبي". وهي نسب قد تكون زادت بعد أعمال الحشد الشعبي في المناطق التي سيطروا عليها في الفلوجة، ومع أهاليها المشرّدين.
يرى لينش نفسه أنّ تنامي الطائفية ليست حالة سنيةً بحتة، فوجود قاسم سليماني والتصريحات المتطرفة من الجانب الآخر تؤكّد على أنّها نزعة تهيمن على القوى الشيعية.
إذا تجاوزنا هذه الاستطلاعات، وقرأنا مقالات لنخبة من أبرز الكتّاب العرب، المحسوبين على خط ليبرالي أو رسمي، سنجد أنّنا أمام تداعياتٍ مرعبة لما حدث في الفلوجة، وما يحدث حالياً في سورية، فكاتب ليبرالي بوزن حازم صاغية يعتبر ما يحدث بمثابة "مذبحةٍ سنيةٍ"، تتواطأ فيها إيران والمجتمع الدولي، ولا يختلف عن ذلك موقف إياد أبو شقرة، في حين يخصص مشاري الذايدي مقالين عن التداعيات النفسية والسياسية الخطيرة على المنطقة مما يحدث في الفلوجة، الأول بعنوان "حتى لا يعود البغدادي" والثاني "الحرب على السنة العرب"، للحديث عن الأمر نفسه، فإذا كانت هذه آراء النخبة الليبرالية والعلمانية العربية، فماذا عن موقف الشارع، وخصوصاً في سورية والعراق؟
الطريف أنّ النتيجة نفسها خلص إليها من جانب آخر، عبد الوهاب الساعدي، قائد عمليات تحرير الفلوجة، عندما حذّر من ظهور نسخةٍ أكثر تطوراً من "داعش" في المستقبل القريب، ما يذكّر برواية الجزائري، واسيني الأعرج، "حكاية العربي الأخير"، والتي يتنبأ فيها بظهور ما يسميه التنظيم، بعد زوال تنظيم داعش، وهو أكثر تطوراً وخطراً ودموية وقدرات من "داعش" نفسها.
من أجل ذلك، كنا، منذ البداية، نحذّر من الاتكاء على الجانب العسكري، من دون حلولٍ سياسية عميقة، تتزامن معه وتوازيه، فهزيمة "داعش عسكرياً ليست نهاية المطاف (بالمناسبة بدأت تظهر مقالات وأوراق في الولايات المتحدة تذهب في الاتجاه نفسه)، بل قد تكون مقدمةً لما هو أسوأ.
ما حدث في الفلوجة نقطة تحوّل، لكنّها قد لا تكون إيجابيةً، بل سلبية جداً، وتعزّز الشعور المتنامي بالمظلومية السنية، وبالخطر الإيراني، لكن ما هو أسوأ من هذا وذاك تفشّي المشاعر الطائفية، وحالة اليأس والإحباط وخيبة الأمل من النظام الرسمي العربي، ومن موقف المجتمع الدولي التائه في المنطقة.
ثم يأتي زعيم حزب الله، حسن نصر الله، ليصب الزيت على النار، عندما يصف معركة حلب الحالية بأنّها "المعركة الاستراتيجية الكبرى"، والسؤال ضد من؟ فأغلب القوى الموجودة في حلب قوى سورية معارضة، تتعرّض لاستخدامٍ روسي مفضوح لقنابل محرّمة دولية، بتواطؤ وصمت عجيب من المجتمع الدولي والولايات المتحدة الأميركية.
في مثل هذه الظروف، لن يبقى السؤال الساذج المطروح عربياً هو: لماذا يتطرف الشباب العرب؟ بل السؤال الأكثر دقّة هو: لماذا لا يتطرفون؟
انتشار الطائفية وانهيار النظام الرسمي العربي وعجزه عن مواجهة الاستحقاقات التاريخية مع ظروف الفشل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتنموي والانقلاب على لحظة الثورات والربيع العربي، ذلك كله هو المناخ النموذجي لنمو "داعش" وما بعد "داعش" وما بعد بعد "داعش"، وهو مناخ كفيل بجرّنا جميعاً إلى هاويةٍ سحيقة، مع عجز الحلول السياسية عن تقديم الجواب للأسئلة المصيرية الكبرى.