"النهضة"... كاريزما الشّيخ ومستقبل الحركة

30 مايو 2016

الغنوشي يلقي خطاباً في مؤتمر "النهضة" (23 مايو/2016/الأناضول)

+ الخط -
آلت رئاسة حركة النهضة من جديد إلى راشد الغنوشي، في مؤتمرها العاشر المنعقد بتونس (من 20 إلى 22 مايو/ أيار 2016)، وفاز بنسبة 75% من مجموع أصوات 1200 من المؤتمرين الذين انتخبوا رئيسهم مباشرة. ويُعتبر الغنوشي (74 سنة) من أعلام حركة النهضة وزعمائها التاريخيّين، فقد واكب نشأة الجماعة وظهورها وانتشارها بين النّاس، وعايش لحظات ازدهارها وسنوات انحسارها، وكان في صفّ المدافعين الأوائل على استمرارها أيّام محنتها (1991- 2010)، وتولّى رئاستها في السرّ والعلن، وأشرف على قيادتها سنوات طويلة، ولم ينافسه في ذلك إلاّ قليلون من رموزها فترات محدودة، وتولّى الرّجل تمثيل الحركة في المحافل الدوليّة، والتّعريف بها في المنابر الحقوقيّة والإعلاميّة، وأسهم في التّأسيس لمهادها النّظري، وإطارها الأيديولوجي المرجعي، وكان له دور في بلورة شكلها التّنظيمي وآليّات عملها وقت السرّية وزمن الشرعيّة .ويحظى راشد الغنّوشي بقدرٍ معتبر من الاحترام داخل تونس وخارجها، ويَعُدّه دارسون من روّاد التّجديد داخل تيّار الإسلام السّياسي، ويعتبره مراقبون شخصيّة توافقيّة، معتدلة داخل المشهد السّياسي في تونس اليوم. وهو يتمتّع بكاريزما خاصّة، جلّتها قدرته على المحاورة والمناورة وكسب الأنصار، وعلى إعادة تشكيل الحركة بعد عشرين سنة من انفصام عُراها، إذ أعاد إليها حيويّتها، ولمّ شمل أتباعها بعد سنوات من النّفي والسّجن والمطاردة، وهو في نظر بعضهم الرّجل القويّ في الحركة، والفاعل الرّئيسي الموجّه لخياراتها السياسيّة في الفترة الانتقاليّة. وقد أمسك بزمام المبادرة في إقناع أتباعه بضرورة التنحّي عن السلطة زمن حكم الترويكا، مفضّلاً الانخراط في مشروع الحوار الوطني، مسلّماً بمخرجاته، وذلك تحقيقاً للسلم الاجتماعي، وتفادياً لتداعيات الاحتقان بين الائتلاف الحاكم ومعارضيه. وساهم الغنوشي، بشكل غير مباشر، في تحفيز نواب كتلة حركة النهضة في المجلس التأسيسي على رفض قانون العزل السياسي، وعدم التنصيص على الشريعة في الدستور، بغاية بلورة مدوّنةٍ دستوريةٍ جامعةٍ أكبر طيفٍ من التونسيين. ولم ير حرجاً في التسليم بحرّية الضمير، والتآلف مع أحزابٍ علمانية.

وعلى الرغم من أنّ هذه التوجهات صادفت تململاً آنيّاً، نسبياً في صفوف الحركة والمتعاطفين معها، فقد بدا جليّاً في مؤتمر الحركة، أخيراً، حجمُ التأييد الذي تحظى به خيارات الغنّوشي داخل قواعد الجماعة التي تدرّجت في مزاولة العمل الدّيمقراطي، وفتحت أبواب النقاش حول ماضيها وحاضرها ومستقبلها. وصاغت لوائح في التقييم الذاتي، وفي التعاطي مع الشأن العامّ، كانت محلّ جدلٍ ونقدٍ بين المؤتمرين وعموم الأتباع قبل أن تتبلور في شكلها النهائي. وبدا واضحاً إقرار الحزب الفصل بين الدعوي والسياسي، وإعلانه التباين مع الحركات الإسلامية التقليدية، وتوجهه نحو الانتماء إلى ما يسمّى تيّار المسلمين الديمقراطيين الذين لا يرون حرجاً في الجمع بين الإسلام، باعتباره هويّة مرجعيّة وقيمية، والديمقراطية باعتبارها نظام حكم ووسيلةً لترسيخ ثقافة الاختلاف والتداول السلمي على السلطة.
ومع أهمية هذا السّلوك الدّيمقراطي داخل حزبٍ يتولّى المشاركة في إدارة دفّة الحكم في تونس، في المرحلة الانتقاليّة، يبقى الجانب التنظيمي في حركة النّهضة في حاجة إلى مزيد من المراجعات، خصوصاً ما تعلّق بأهمية الخروج بالحركة من طابعها المشيخي الرّئاسي إلى طابعٍ مؤسّسي، تتوزّع فيه المسؤوليّات بين الهياكل والمؤسّسات، وتتراجع فيه سلطة الرّئيس، وتعطى فيه مكانةً أكبر للمرأة والشباب في المراكز القيادية. والظاهر أنّ المؤتمر العاشر قد مال إلى توسيع صلاحيات الرئيس، بدل تحديدها أو التقليص منها، فأصبح في وسعه، بموجب القانون الداخلي الجديد، تعيين أعضاء المكتب التنفيذي جميعهم، ولا يتجاوز دور مجلس الشورى حدود التزكية من عدمها، وذلك بناءً على قرار أغلبية الحاضرين، لا أغلبية أعضاء المجلس. كما أنّ من حقّ الرئيس الترشح للمناصب القيادية في الدولة، وهي الرئاسات الثلاث، بما في ذلك رئاسة الجمهورية، أو ترشيح من يراه مناسباً لذلك، وبمقدوره منح العضوية الشرفية لمن يشاء. ومعلومٌ أنّ توسيع صلاحيات الرئيس، وتركيز النفوذ بيديه، قد يقلّصان من حضور الدمقرطة في الداخل الحزبي، وقد يدفع خَلَف الغنّوشي إلى الاستفراد والمجلس التنفيذي بزمام القرار في الحركة.
كما أنّ التوصية بمنح الشباب والمرأة نسبة 10% في المراكز القيادية أمرٌ، على إيجابيّته، يبقى غير كاف، وبحاجة إلى التنفيذ في مجتمع أغلب أفراده من الشباب، وتضطلع فيه المرأة بأدوار تقدّمية، حيوية. والثابت أنّ الجيل المؤسّس لحركة النهضة كان له السبق في ظهورها، واستمرارها وانتشارها. لكن، من المفيد إنتاج طاقات شبابية جديدة، وتأهيلها فكرياً وأيديولوجيّاً لتزاول أدوار الإدارة، والقيادة والانفتاح على الآخر، مستجيبةً لتطلّعات شباب الثّورة، ومستجدّات العصر الانتقالي. ذلك أنّ الحزب الذي لا يتجدّد، ولا يتعزّز بالشباب القيادي الفاعل، يبقى رهين الحرس القديم، ويصعب عليه كسب معركة المستقبل لا محالة.

511AC165-C038-4A2F-8C46-0930BBB64EBE
أنور الجمعاوي

أستاذ وباحث جامعي تونسي، فاز بالجائزة العربيّة للعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة لتشجيع البحث العلمي (فئة الشباب) من المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. له عدة أبحاث وكتب.