10 نوفمبر 2024
طموحات بوتين القصوى
كتبت صحيفة الفاينانشال تايمز، في السابع من أبريل/ نيسان الماضي، أن طموحات الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تعيد تشكيل النظام العالمي. لا مبالغة كبيرة في استنتاج الجريدة، اعترف به الرئيس الأميركي، باراك أوباما، ضمنياً، عندما قال "نحن نقوم بالاستثمار الضروري لقدراتنا العسكرية، لردع العدوان والدفاع عن أمننا وأمن حلفائنا. وهذا يشمل توسيع خططنا في أوروبا، لدعم حلفائنا في حلف شمال الأطلسي (الناتو) في ضوء الإجراءات العدوانية التي تقوم بها روسيا". كان هذا الإعلان قبل يومين من ظهور عدد "فاينانشال تايمز"، أما التهديدات التي قصدها أوباما، فقد عبر عنها مسؤول رفيع في "الناتو"، قائلاً "في السنوات الخمس الأخيرة، قام بوتين بالاستثمار بشكل كبير في القوات، وأنشأ قوات برية جيدة. وقد رأيتم قواته الجوية في سورية، حيث اجتازت اختبارها هناك. وقد أنشأ صواريخ بعيدة المدى ذات توجيه دقيق، والتي تم إطلاقها من السفن، وأيضاً من الغواصات. فهو أوجد الفرصة لإظهار القوة، وقام باستغلالها". الأمر الذي يجب التوقف عنده أن تصاعد القدرة العسكرية الروسية، وعرضها علناً على شكل صواريخ قادرة على الوصول وطائرات متفوقة مترافق مع أداء اقتصادي ضعيف جداً.
كان هم كرادلة الكرملين، في أثناء الحقبة الباردة بين الاتحاد السوفييتي وأميركا، تحقيق تفوق عسكري، وكانت أيديولوجيا ماركس ولينين تتحول إلى وقودٍ سائل وجاف للصواريخ عابرة القارات، وأسلحة نووية ذات قدرة تدميرية مروعة، واستطاع بالفعل ذلك الكيان القائم على لاهوت سياسي، يتم فيه تسويق الفقر على أنه ديمقراطية شعبية، أن يحافظ على توازنٍ عسكريٍّ مثير للدهشة، على الرغم من الاقتصاد المزري الذي كان يقف عند حافة الانهيار.
تتعدّى طموحات بوتين إقليمه الضيق، ولا ترضى بدور محدود، يقتصر على دول الجوار، فهو صاحب رؤية "سوفياتية" ذات مدى عالمي، ولا يرى نفسه أقل من "كاردينال" شيوعي، وهو يؤمن بأنه قادر على الوصول إلى حدودٍ بعيدة، بغض النظر عن مستوى روسيا الاقتصادي، ويمكن لطموحه أن يبقى في أوج زهوه السياسي، مثلما حافظ الاتحاد السوفييتي على مستوى قوته عالمياً، بعيداً عن ظروف الاقتصاد.
هناك فرق مهم بين الاتحاد السوفييتي الذي كان يدير اقتصاديات الفقر بشكل مركزي، بمساعدة المخابرات (كي جي بي) أحياناً، والنظام الروسي الحالي الذي خصخص جزئياً بعض قطاعاته الاقتصادية، وأصبح يضبط أداءه التجاري على إيقاعات السوق. وكان قد استفاد من الطفرة الاقتصادية في السنوات العشر الأولى للقرن الحالي، فضاعف، وفق الطموح البوتيني، الإنفاق العسكري بشكل كبير. ولمواجهة أي هجوم اقتصادي غربي، بدأ بوتين فترة رئاسته عام 2012 بمجموعة مراسيم اقتصادية، سميت "مراسيم مايو"، قرّر فيها رفع الإنتاجية بمقدار كبير وزيادة الأجور، وركّز على قطاعات اقتصادية محدّدة، ووضع هدفاً لتطبيقها عام 2018، وهو تاريخ نهاية فترته الانتخابية. ولكن، بعد عام واحد، بدأت النتائج السيئة بالظهور، فأعيد طرح خطط اقتصادية. لكن، هذه المرة، من الوزارات المختصة، وليس بطريقة مراسيم بوتين الرئاسية.
يواجه الغرب طموحات بوتين بتدابير اقتصادية وعقوبات مباشرة، وأحياناً بإغراق الخصم بمشكلات استنزافية، من دون التورّط بأي شكل من المواجهات العسكرية المباشرة، أو غير المباشرة. ويتَّبِع أوباما سياسة دع المحموم يموت وحده، فهو يعتقد أن أزمة أوكرانيا، ومزيداً من التورط في سورية، سيجبران بوتين على الانكفاء. ولكن، في ظل تدابير بوتين الاقتصادية المستمرة، والتي تشحذ حلولاً، وإن مؤقتة، وضعف المجتمع المدني الروسي، وفقر الحياة السياسية، وهي ميزة أصلية في المجتمع الروسي، ربما من الإرث السوفييتي القديم، قد يضطر الغرب أن ينتظر طويلاً قبل أن يشاهد بوتين في مرحلة الاحتضار. وبنظرةٍ زمنيةٍ، نرى أنه لم تظهر على المجتمع السوفييتي علائم الانحلال، إلا في عهد غورباتشوف، وبين بداية عهد غورباتشوف وانتهاء الحرب العالمية الثانية، مرَّ أربعون عاماً، أما بوتين فلم يُمض بعد أكثر من ستة عشر عاماً، وانتظار الحمى تستلزم وقتاً طويلاً، لا تحتمله الشعوب.
كان هم كرادلة الكرملين، في أثناء الحقبة الباردة بين الاتحاد السوفييتي وأميركا، تحقيق تفوق عسكري، وكانت أيديولوجيا ماركس ولينين تتحول إلى وقودٍ سائل وجاف للصواريخ عابرة القارات، وأسلحة نووية ذات قدرة تدميرية مروعة، واستطاع بالفعل ذلك الكيان القائم على لاهوت سياسي، يتم فيه تسويق الفقر على أنه ديمقراطية شعبية، أن يحافظ على توازنٍ عسكريٍّ مثير للدهشة، على الرغم من الاقتصاد المزري الذي كان يقف عند حافة الانهيار.
تتعدّى طموحات بوتين إقليمه الضيق، ولا ترضى بدور محدود، يقتصر على دول الجوار، فهو صاحب رؤية "سوفياتية" ذات مدى عالمي، ولا يرى نفسه أقل من "كاردينال" شيوعي، وهو يؤمن بأنه قادر على الوصول إلى حدودٍ بعيدة، بغض النظر عن مستوى روسيا الاقتصادي، ويمكن لطموحه أن يبقى في أوج زهوه السياسي، مثلما حافظ الاتحاد السوفييتي على مستوى قوته عالمياً، بعيداً عن ظروف الاقتصاد.
هناك فرق مهم بين الاتحاد السوفييتي الذي كان يدير اقتصاديات الفقر بشكل مركزي، بمساعدة المخابرات (كي جي بي) أحياناً، والنظام الروسي الحالي الذي خصخص جزئياً بعض قطاعاته الاقتصادية، وأصبح يضبط أداءه التجاري على إيقاعات السوق. وكان قد استفاد من الطفرة الاقتصادية في السنوات العشر الأولى للقرن الحالي، فضاعف، وفق الطموح البوتيني، الإنفاق العسكري بشكل كبير. ولمواجهة أي هجوم اقتصادي غربي، بدأ بوتين فترة رئاسته عام 2012 بمجموعة مراسيم اقتصادية، سميت "مراسيم مايو"، قرّر فيها رفع الإنتاجية بمقدار كبير وزيادة الأجور، وركّز على قطاعات اقتصادية محدّدة، ووضع هدفاً لتطبيقها عام 2018، وهو تاريخ نهاية فترته الانتخابية. ولكن، بعد عام واحد، بدأت النتائج السيئة بالظهور، فأعيد طرح خطط اقتصادية. لكن، هذه المرة، من الوزارات المختصة، وليس بطريقة مراسيم بوتين الرئاسية.
يواجه الغرب طموحات بوتين بتدابير اقتصادية وعقوبات مباشرة، وأحياناً بإغراق الخصم بمشكلات استنزافية، من دون التورّط بأي شكل من المواجهات العسكرية المباشرة، أو غير المباشرة. ويتَّبِع أوباما سياسة دع المحموم يموت وحده، فهو يعتقد أن أزمة أوكرانيا، ومزيداً من التورط في سورية، سيجبران بوتين على الانكفاء. ولكن، في ظل تدابير بوتين الاقتصادية المستمرة، والتي تشحذ حلولاً، وإن مؤقتة، وضعف المجتمع المدني الروسي، وفقر الحياة السياسية، وهي ميزة أصلية في المجتمع الروسي، ربما من الإرث السوفييتي القديم، قد يضطر الغرب أن ينتظر طويلاً قبل أن يشاهد بوتين في مرحلة الاحتضار. وبنظرةٍ زمنيةٍ، نرى أنه لم تظهر على المجتمع السوفييتي علائم الانحلال، إلا في عهد غورباتشوف، وبين بداية عهد غورباتشوف وانتهاء الحرب العالمية الثانية، مرَّ أربعون عاماً، أما بوتين فلم يُمض بعد أكثر من ستة عشر عاماً، وانتظار الحمى تستلزم وقتاً طويلاً، لا تحتمله الشعوب.