بنكيران وتصريف فائض القوة

14 سبتمبر 2015

بنكيران.. النظافة السياسية قبل الشعار الحزبي (5 سبتمبر/2015/ Getty)

+ الخط -
بعد الصدمة التي أحدثها في المغرب لدى منافسيه في الانتخابات الجماعية التي جرت قبل أيام، مال حزب العدالة والتنمية، الإسلامي، إلى ليونة أكثر في تشكيل مكاتب المجالس المسيرة المحلية، بل ذهب بعيدا حين جسر الطريق حتى لخصومه السياسيين للفوز برئاسة عدد من الجهات، وهذا بخلاف ما كان يتوقعه متابعون للشأن السياسي في البلاد من أن الحزب القوي المحصن بنتائج اقتراع كاسح في المدن، سينهج سياسة "الأرض المحروثة"، وسيقصي منافسيه من تذوق ثمرات المدن الكبرى، بعد أن دفعهم دفعاً إلى التمترس في العالم القروي، الخزّان التقليدي للسلطة السياسية في البلاد.
ولعل عبدالإله بنكيران، رئيس الحكومة ورئيس حزب العدالة والتنمية، بكاريزميته المعروفة، يكون قد أدرك أحد شيئين، في القراءة التي أنجزها لنتائج حزبه وتموقعه الجديد في الخريطة السياسية.
الحقيقة الأولى مستلهمة من التجربة الجارية لمثيله السياسي، حزب العدالة والتنمية التركي، والذي يواجه اليوم مأزقا سياسيا، يتمثل في الإخفاق في التوصل مع المعارضة إلى حل متوافق عليه، يجنب البلاد الدخول في دوامة انتخابية جديدة. ولذلك، صال بنكيران وجال على خصومه، إبّان الحملة الانتخابية التي قادها، وخلال التجمعات الحاشدة، ولم يترك لهم مجالا للتقدم وضرب بقوة في معاقل انتخابية، اعتبرها معيارا واضحا واستفتاء على شعبيته. لكنه عاد في مرحلة ثانية، وبعد ظهور النتائج، إلى تليين خطابه السياسي، وذهب إلى أبعد حد، حين لوح بإمكانية التحالف مع ألد خصومه في المشهد السياسي المغربي، حزب الأصالة والمعاصرة.
الحقيقة الثانية التي رآها بنكيران رأي العين، أنه، ومهما كانت المرتبة التي احتلها حزبه، وهي الثالثة رسميا، إلا أنه لا يمكنه أن يضع نفسه خارج المشهد السياسي المغربي، والطريقة "الطريفة" التي يدبّر بها، من حيث تشكيل القيادات المحلية المسيرة، حينما تبنى الحزب منطقا تشاركيا مع حلفائه أولاً، ثم مع منتخبي المعارضة ثانياً، لكنه أخضع أمر تشكيل مجالس الجهات ورئاستها "الحكومات المحلية"، لمنطق جديد، فهو يعرف أن نخبه المحلية لا تملك الخبرات الكافية لتسيير جهات، في تجربة جديدة يدخلها المغرب بأبعاد سياسية واضحة.
ولذلك، لم يخاطر بنكيران في هذا الموضوع، فمن جهة هناك شعبية الحزب التي توجد دائما في الميزان، مع ظهور معطيات جديدة على الخريطة السياسية، بتصدع ظاهر بين الشقيقين: العدالة والتنمية وجماعة العدل والإحسان، حينما وقع تماس لفظي في الهزيع الأخير من الحملة الانتخابية، ما دفع جماعة عبدالسلام ياسين المقاطعة للمسلسل الانتخابي إلى مهاجمة بنكيران شخصياً، والرد بقوة على كلام قاله في حقها.
ومن جهة ثانية، يعرف بنكيران جيداً أن الانتخابات التشريعية المقبلة لم يعد يفصلها إلا دورة زمنية واحدة. ولذلك، يذهب بسرعة إلى استباق الزمن لترتيب وضعه، فهو اليوم يشكل مقود زمام مبادرة الأغلبية الحكومية، لكنه في التجربة المقبلة قد يضطر، في ظل حصوله على الترتيب نفسه، الذي حازه في الانتخابات الجماعية، إلى الانضمام لتشكيل حكومي، تمليه المصلحة الوطنية الكبرى، ليصبح جزءاً من كل، وليس رأس تدبير وقيادة.
بهذه الطريقة، يقود بنكيران المرحلة السياسية الراهنة، فاردا جناحيه للجميع، شعاره النظافة السياسية، وليس الانتماء الحزبي، عسى أن يقوي من احتمالاته، ويعزز فرضيات انبعاث جديد لحزبه، في ظل جدل قوي في الساحة العربية حول مستقبل الإسلام السياسي والدولة الوطنية والنخب الحاكمة وما تريده البنى العميقة للدول العربية، تلك التي تتكون من آليات الحكم التقليدي ومصالح المؤسسات المالية الكبرى، والمستجدات الجيوسياسية التي يعود إليها الحسم في مستقبل الحياة السياسية في عدد من بلدان الربيع وما بعده.
إنه اختبار حقيقي، ذلك الذي يواجهه بنكيران، هو الذي نطلق عليه "تصريف فائض القوة"، وهذا ليس سهلا، لأن الملاحم تقول إن وراء كل بطل نهاية تراجيدية.
6A0D14DB-D974-44D0-BAC8-67F17323CCBF
حكيم عنكر
كاتب وصحافي مغربي، من أسرة "العربي الجديد". يقول: الكرامة أولاً واخيراً، حين تسير على قدميها في مدننا، سنصبح أحراراً..