بنكيران والتّمديد الحكومي والحزبي

28 مارس 2016

بنكيران يعتقد أن الانتخابات التشريعية ستبقيه بالمرتبة الأولى (الأناضول)

+ الخط -
ترجيح قيادة حزب العدالة والتنمية في المغرب عقد مؤتمر استثنائي للحزب في أواخر مايو/ أيار المقبل، أي قبيل الانتخابات التشريعية في أكتوبر/ تشرين الأول، لا يمكن تفسيره إلا بمركزية السلوك الانتخابي في البنية التنظيمية للحزب الإسلامي.
فهو اليوم اللاعب رقم واحد في الحياة السياسية المغربية، يصنع الجدل حوله، ويخلق الاصطفافات خارجه، وربما يكون له الفضل في جمع شتات الخريطة السياسية الممزقة من كياناتٍ متصارعةٍ إلى قوى تنتظم تحت مصالح مرحلية.
وقد بدأت معاناته باعتباره رأس حربة الحكومة من تفرّق الإسلاميين حوله، بعد المساندة الضمنية التي حظي بها في فترة "السماح" الأولى من جماعة العدل والإحسان، على وجه الخصوص، عندما انسحبت من حركة 20 فبراير في شبه دعم للتجربة، حتى إذا اختلطت الأوراق، وأصبح الحزب الإسلامي حزب "حكومة"، لا حزب تغيير، كما أرادته منه رياح الربيع المغربي، فكّت "الجماعة" الارتباط معه شيئا فشيئًا، بل تحولت العلاقة إلى نوع من المواجهة الصامتة، قبل أن تخرج إلى العلن في اتهامات وإدانات متبادلة، عندما عادت الجماعة مجدداً إلى استعمال ورقة الشارع، للتعبير عن حضورها الأخطبوطي في قطاعاتٍ مدنيةٍ ومهنيةٍ وطلابيةٍ، ووسط الفئات الاجتماعية الواسعة المتضرّرة من السياسات الحكومية وضربها معيشة المواطنين المغاربة.
يحمل حرص "العدالة والتنمية" على عقد مؤتمر استثنائي في فترة غير استثنائية، والإجماع الضمني لفريق وزراء الحزب على التجديد مرة ثالثة لعبد الإله بنكيران حتى يبقى في رئاسة الحكومة المقبلة، إشارة سياسية سلبية من الحزب إلى الدولة.
ويدرك كل من يعرف المزاج السياسي الرسمي للدولة في المغرب، خصوصا في فترة حكم الملك محمد السادس، أن القاعدة كانت دائماً إعطاء فرصة واحدة لكل فريق سياسي تأتي به صناديق الاقتراع. مر الاشتراكيون في شخص عبد الرحمن اليوسفي، وقٌطعت التجربة وجيء بالتكنوقراط في شخص رئيس الحكومة إدريس جطو، ثم أعقبته حكومة برأس سياسي بقيادة الاستقلالي عباس الفاسي، ليأتي عبد الإله بنكيران حصاداً للربيع، وحصاناً يجربه الحكم أول مرة.
عاد، في الأسبوع الماضي، بنكيران إلى الحديث مجدّدا عن علاقته بالملك، العلاقة التي كانت مشمولة بالكتمان في عهد من يضعهم الدستور في المرتبة الثانية في هرم الدولة. وهو من هذه الناحية أضاء منطقةً معتمةً من الحكم لصالح المواطنين، لكنه من فرط تكراره ذلك، لم يعد أحد ينتبه للتفاصيل، فالتكرار يقتل التشويق. أما الملك فهو موجود في الواقع رئيساً للدولة وفي الافتراضي، فاتحا المجال أمام شعب "فيسبوك" للاطلاع على تفاصيل من حياته الشخصية، وهو يتحرك على أكثر من صعيد، ويغطي كل الواجهات، ويتجاوز عمل الحكومة.
تحدث بنكيران، أخيراً، وكأنه يهيئ نفسه لصدمات المرحلة المقبلة، عندما قال إنه سيمتثل للأمر، إذا لم يرده الملك أن يكون جزءاً من المرحلة المقبلة. لكنه، من جهة أخرى، يحرص على دفع قيادات و"حزب الوزراء" في "العدالة والتنمية" على عقد مؤتمر استثنائي، ليس ضرورياً، لإلحاق تعديل بالقانون الأساسي للحزب وتمتيعه بولاية ثالثة، استعداداً لنتائج الانتخابات التشريعية في أكتوبر، والتي يعتقد بنكيران أنها ستبقيه في المرتبة الأولى، اعتماداً على تقديرات مراكز استطلاع و"وجهة نظر" هيلاري كلينتون، المترشحة لسباق الرئاسيات الأميركية.
إنه وضع تنظيمي غير مسبوق، يعيشه الحزب الذي يتغنى بديمقراطيته الداخلية، وهي اليوم في الامتحان، فالوجوه القيادية في الحزب ستتضرّر من بقاء "العدالة" رهينة بنكيران، والدولة ستنظر إلى حركة "العدالة والتنمية" محاولة "احتيال بيضاء" لفرض الأمر الواقع عليها، واختبار نياتها الجدية من الحزب الإسلامي، بعد "صحبة" خمس سنوات، كانت في مجملها "سمناً على عسل".
أما إذا تأجلت الانتخابات للتطورات التي تمر بها قضية الصحراء، القضية الوطنية الأولى، فسيبقى بنكيران الرئيس المُمدّد له في الحكومة وفي الحزب، إلى حين.
6A0D14DB-D974-44D0-BAC8-67F17323CCBF
حكيم عنكر
كاتب وصحافي مغربي، من أسرة "العربي الجديد". يقول: الكرامة أولاً واخيراً، حين تسير على قدميها في مدننا، سنصبح أحراراً..