نقاش مغربي على رصيف مقهى

07 مارس 2016

مغاربة يطالبون في الدار البيضاء بإصلاحات سياسية (3 يوليو/2011/أ.ف.ب)

+ الخط -
الشعب المغربي حساس للأحداث السياسية، متفاعل بدرجة كبيرة مع ما يجري في بلده وفي العالم. ففي المقاهي، يتحدث الناس بكثير من الطلاقة والجرأة، بصوت عال ومسموع، وبلا خوفٍ أو وجل، عكس تلك السنوات الصعبة التي تعرف بـ "سنوات الرصاص"، حيث كان فيها مجرد حمل جريدة "المحرّر"، وليس تصفحها، يقود إلى "سين وجيم"، وقد يؤدي إلى حبس صاحبها سنوات من عمره، ظلما وعدوانا، ثمنا لتلك "الخفة" التي لم يكن يستحبها النظام الأمني. كانت الخطة تقتضي المراقبة اللصيقة، وعن قرب، لكل ما يتحرك. وكل ما يتحرك هو هدف مشروع، من دون الحاجة إلى محاكماتٍ، أو إلى إجراءات قضائية مهما كانت شكليتها.
يتحدث المغربي، اليوم، بصوت مرتفع، واثق، ربما جاء من مساحات الانفراج السياسي التي تعرفها الحياة السياسية والحريات، وربما لأنه جاء وقت، أصبحت فيه السياسة تخلق في "معامل سرية"، وليس في الشارع، حيث تحولت "الجماهير الشعبية" إلى مجرد ديكور من كرتون، لا يقدر على الإتيان بشيء، متحكم فيه ومربوط إلى حبال لامرئية، تدفع بالنميمة السياسية إلى أقصاها، وتخرجها عن حدودها المعقولة.
ولكن، ومهما يكن، فإن هذا مكسب كبير، انعكس على الصحافة وحرية التعبير، وسمح برفع شعارات، أو بتجاوز الخطوط الحمر، وكشف عن مكنون تلك الحيوية الثاوية هناك، والتي تحتاج إلى من يوقظها.
ليس بالضرورة أن تكون فتنة جبارة تأتي على الأخضر واليابس، بل حركة صغيرة ودالة، فقد خرج المغاربة مثل غيرهم في 20 فبراير/شباط، وتحققت بعض المكاسب، وعاد الشارع إلى هدوئه، واللعبة السياسية إلى كواليسها المعتادة.
يترقب المغاربة المباراة الانتخابية المقبلة بين "العدالة والتنمية" و"الأصالة والمعاصرة"، مثل من يتطلع للديربي الإسباني، ويتحدثون عن الأمر وكأنهم غير معنيين بآثار نتيجتها، فقد أصبح في حكم المؤكد أن الأحزاب السياسية التي تلعب في رقعة الشطرنج، لا قدرة لها على الإتيان بجديد، وسواء أكان الإسلاميون في الحكومة أم المعارضة، فإن قانون اللعب السياسي لن يتغير، فهو مرهون ضمن مساحة معينة، وقع الاتفاق عليها، ليس الآن فقط، بل منذ الاستقلال، لمّا أبرمت زعامات الحركة الوطنية اتفاقا مع المشروعية التي تمثلها الملكية.
ولذلك، فشلت تلك الحركات السياسية الصغيرة التي كانت تطرح بديلاً سياسيا آخر، حتى أن النظام لم يحاربها مباشرة بما يكفي من الجدية، بل تركها عرضةً لشراسة الأحزاب التي فتكت بها، وأقصتها جملة وتفصيلا من المشهد السياسي.
وذاكرة يساريي المغرب ليست نسّاءة، فهم يتذكّرون جيدا تلك الحملات التي كانت تشن ضدهم في النقابات وفي المنظمات المدنية، وفي الشارع السياسي، ومن الجمعيات المحسوبة على الدين، والتي كانت تصدر أحكام تكفير بكل "خفة" في حق هؤلاء الشباب، المؤمن بحق شعبه في الحرية والكرامة.
يتحدث المغاربة في أمور دنياهم، بصوت مرتفع، وهذا شيء سار، ومن أسفٍ أنه لا يجد القنوات الصحيحة لتصريف مثل الجو الخاص بالاحتفال الشأن العام، لأن لعبة الاستقطاب جارية، وهي لا تترك المجال لنضوج حوار هادئ حول القضايا الرئيسية في البلاد.
ولكن، لا تخلو هذه الممارسة الجيدة من علامات سوداء، تخرق مألوف الحوار الهادئ والرصين، فعادة ما ينبري الفاعل السياسي نفسه إلى "تسخيف" تطلعات الرأي العام، بغية مزيد من التحكم والتوجيه، لكن الأحزاب هي الخاسر في النهاية، لأنها تجد نفسها محشورة في ركن العزلة، تترجم فوريا في صناديق الاقتراع، من خلال النسب المتدنية التي تسجل في الاستحقاقات الانتخابية المتوالية.
هكذا عندما يتعالم السياسي، ويتعالى على جمهوره، ينتهي به الأمر إلى نيل العقاب الذي يستحق، ويكون ذلك مترجما بوضوح في الصندوق الانتخابي.
يشهر الجمهور الناخب ورقة ضغطه في وجه من رفعوا شعاراتٍ براقةً، ثم تحالفوا، في النهاية، مع القوى الرجعية ورأسمال المال المتخلف، وشبكة المصالح المتخوّفة من الإصلاحات، حينها يكون الوقت لتثبيت الثقة.
هذه سيرة مغربية تحكي عن نفسها كل يوم.
6A0D14DB-D974-44D0-BAC8-67F17323CCBF
حكيم عنكر
كاتب وصحافي مغربي، من أسرة "العربي الجديد". يقول: الكرامة أولاً واخيراً، حين تسير على قدميها في مدننا، سنصبح أحراراً..