الخارجية التونسية من الارتباك إلى التخبط

08 ابريل 2015

مقر وزارة الشؤون الخارجية في العاصمة تونس (14يوليو/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

منذ سقوط نظام بن علي، لم تكن مواقف الخارجية التونسية أشد تخبطاً مما هي عليه اليوم، فقد بدا واضحاً مدى سوء التعاطي مع المشهد الإقليمي وفوضى التصريحات التي يدلي بها الوزير الحالي، الطيب البكوش، فبعد موقفه المضطرب مما يجري في ليبيا، وسوء تقدير الموقف الذي لازم قراراته المتعلقة بالتعاطي مع مركزي القرار المتصارعين في ليبيا، الأمر الذي أفضى الى أن تصبح تونس لاعباً ثانوياً في الوساطة بين أطراف الأزمة الليبية، وهي المؤهلة، بحكم الجغرافيا والتاريخ والمصالح المشتركة، أن تلعب الدور المركزي في استضافة الحوار الوطني الليبي الذي وجد طريقه إلى المملكة المغربية، تطل علينا تصريحات جديدة للوزير التونسي، تخلو من الدراية، سواء في ما يخص الموقف من سورية أو التصريحات المعادية لتركيا.

وبنظرة سريعة إلى مواقف وزراء خارجية تونس منذ الثورة، يمكن ملاحظة أن التخبط الحالي غير مسبوق، لجملة عوامل:

فبعد الثورة مباشرة، وعندما صرح أحمد ونيس، وزير الخارجية في حكومة محمد الغنوشي، منوها بمواقف وزيرة الخارجية الفرنسية، ميشال إليو ماري، التي كانت مناهضة للثورة التونسية، وعند تأكيده أن ما جرى في تونس مجرد فاصل، أدت مواقفه هذه إلى إقالته من منصبه، بعد أسابيع فقط من توليته إياه، تحت ضغط الشارع الثوري في تونس. وفي ظل حكومة الترويكا، وعلى الرغم من كل المؤاخذات التي يمكن توجيهها إلى أدائها، المتعثر أحياناً، كانت تونس ذات سياسة واضحة، من حيث إعلانها الانحياز إلى حقوق الشعوب في التحرر ومقارعة الاستبداد. وكان سحب السفير التونسي من سورية استجابة موضوعية لواقع إقليمي متغير، وحراك شعبي سوري، أفضى إلى سحب الشرعية من نظام بشار الأسد، كما يمكن أن نذكر، في السياق نفسه، الموقف التونسي القوي المناهض للعدوان على قطاع غزة سنة 2012، ما تجلى، حينها، في زيارة وزير الخارجية التونسي في حينه، رفيق عبد السلام، إلى القطاع، معلنا تضامن بلاده مع الشعب الفلسطيني، أو حتى في سرعة التحرك من أجل إجلاء المواطنين التونسيين العالقين في مالي، في أثناء اندلاع الصراع المسلح فيها، مقارنة بالعجز عن إجلاء التونسيين العالقين حالياً في اليمن.

واليوم، نجد التخبط واضحاً في مواقف الخارجية التونسية، فبعد الارتباك الواضح في التعامل مع الوضع الليبي، وسوء التعامل مع المشهد السياسي المتغير هناك، بما يحفظ مصالح الشعب التونسي، يأتي تصريح وزير الخارجية التونسي الذي يتهم تركيا بتسهيل تحركات الإرهابيين، ليثير توتراً مع دولة من أهم الداعمين للاقتصاد التونسي بعد الثورة، وما سيزيد الأمر سوءاً التضارب الحاصل في المواقف، حول استئناف العلاقات الدبلوماسية مع سورية، حيث أكد الوزير أنه سيتم إعادة السفير التونسي إلى دمشق، الأمر الذي نفاه علنا رئيس الجمهورية، مؤكدا أن قراراً كهذا يخضع للانسجام التونسي مع الإجماع العربي، وان إمكانية عودة السفير غير واردة. في موقف كشف عن عمق التباعد بين وزير الخارجية ورئيس الجمهورية الذي يُعتبر المسؤول الفعلي عن رسم السياسات الخارجية، وتحديد مقتضيات التعامل مع المشهدين، الدولي والإقليمي.

وربما يجد هذا التخبط جذوره في التناقضات التي تحكم بنية الحزب الحاكم (نداء تونس)، والذي ينتمي إليه كل من الوزير والرئيس، فإذا كان الطيب البكوش يُعرف بولائه المعلن للقوى العلمانية، ذات المنحى اليعقوبي التي تعلن عداءها للتيارات الإسلامية، وانتقادها الثورات العربية، وتحاول التخندق دولياً مع الأنظمة التي تعتبرها قريبة منها، من حيث التوجهات، ونعني، هنا، خصوصاً، النظام السوري، فإن الرئيس الباجي قائد السبسي تربى سياسياً في الحزب الدستوري، وتعلم من بورقيبة سياسة تجنب الأحلاف والتورط في الصراعات والاكتفاء بدبلوماسية هادئة، تتماشى مع المزاج الدولي، غير أن السيئ في هذه المواقف المتضاربة هو ما يمكن أن تحدثه من أزمات محتملة لتونس مع دول متعددة، خصوصاً وأن الوزير فشل في الخروج من شرنقة رجل الأيديولوجيا إلى سعة رجل الدولة، حيث ظل يعبر عن مواقفه السياسية الخاصة، من دون مراعاة حساسية المنصب الذي يتولاه. بل وصدرت عنه، أحياناً، تصريحات تبدو غير واقعية، مثل حديثه عن مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي لإلغاء التأشيرة عن المواطنين التونسيين الراغبين في السفر إلى الدول الأوروبية، وهو أمر صعب المنال، إن لم يكن مستحيلاً، ولم يكن يجدر التلويح بوعود كهذه، تثبت الوقائع عدم إمكان تحقيقها.

تواصل مثل هذه الأخطاء الدبلوماسية وتراكمها قد يفضي إلى مشكلات تظل البلاد التونسية في غنى عنها. وهذا أمر يقتضي إجراءات عاجلة من أجل إنقاذ الخارجية التونسية من الوقوع في مزيد من التخبط وسوء التقدير.

B4DD7175-6D7F-4D5A-BE47-7FF4A1811063
سمير حمدي

كاتب وباحث تونسي في الفكر السياسي، حاصل على الأستاذية في الفلسفة والعلوم الإنسانية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس ـ تونس، نشرت مقالات ودراسات في عدة صحف ومجلات. وله كتب قيد النشر.