يائير لبيد نجم إسرائيل الجديد
في أواسط القرن الماضي ظهرت شخصية ديفيد بن غوريون، رجل إسرائيل الذي أُعطي لقبا روحيا رفيعا، ووقّع وثيقة استقلال إسرائيل، وقادها منذ إنشائها حتى العام 1963. تخلل ذلك فترة راحة ما بين عامي 1954 و1955، ما يعني أنه حكم 13 سنة وبضعة أشهر. كان بن غوريون يتخلى عن منصبه متظاهرا بالسخط، ويلجأ إلى مخبئه في صحراء النقب قابعا بعيون مفتوحة، مراقبا ما يحدث، وسرعان ما يعود إلى المنصب نفسه، والحزب نفسه، فيوزع جوائز الترضية الوزارية على مناصريه، مستفيدا من اسمه التاريخي و"إنجازاته الوطنية". على الرغم من ذلك، لم يرحمه أعضاء حزبه ورفاقه وراقبوه فرحين وهو يغادر، وعيونهم على مقعده الذي أصبح شاغرا، لكنه حاول أن يعود، فأسس حزبا جديدا باسم "رافي" مع تلميذه شيمون بيريز، من دون جدوى. وسرعان ما حان يومه الأخير، وذهب هذه المرة، بلا رجعة، إلى مخبئه في صحراء النقب، معتكفا يؤلف الكتب، ويرقب بحنق مصيره المحزن، وكان في السابق يعتقد أن إسرائيل التي أسسها مرتبطة باسمه الشخصي.
أما بنيامين نتنياهو فقد استمر رئيسا للوزراء أعواما أكثر من بن غوريون، وهو الآن صاحب الرقم القياسي في المنصب. ومن الطبيعي أن يشعر بأنه أصبح مالكا شرعيا لكرسي رئيس الوزراء. كان يمارس سلطاته ويوزع هو الآخر المناصب الوزارية على مناصريه بترف، من دون أن يدرك أن لحظة تشبه لحظة بن غوريون قادمة إليه لا محالة، وتبدو الآن قد اقتربت على أيدي أعضاء سابقين في حكوماته المتلاحقة: بيني غانتس زعيم أزرق أبيض ووزير دفاع، ونفتالي بينيت وزير سابق وزعيم حزب يمينا، وأفيغدور ليبرمان رئيس "إسرائيل بيتنا" ووزير دفاع سابق، ويائير لبيد وزير مالية سابق وزعيم لائحة هناك مستقبل. .. يشترك هؤلاء جميعا بأنهم تحالفوا مع نتنياهو، وكانوا أعضاء في حكومته، ولديهم أسباب تحالفٍ سياسية وشخصية لإقصاء نتنياهو الذي لا يمتلك مخبأً في الصحراء، بل تنتظره عدة قضايا فساد ورشوة وسوء استخدام للسلطة، وقد يغادر منصبه الرفيع إلى السجن.
يضاف إلى أولئك شخصيات لديها ثأر سياسي عتيق، ولم تتحالف مع نتنياهو، وأحزاب تعتبره خطرا على إسرائيل، كحزبي العمل وميرتس المغرق في اليسار، بالإضافة إلى النائب منصور عباس، الإسلامي الذي قبل أن يصافح كلا من نفتالي ولبيد لإطاحة نتنياهو، مجموعة ذات توجهات تبدو متنافرة يجمع بينها كراهية هذا الشخص، ورغبة في اختفائه عن المسرح. ولكن كيف لهذا الخليط أن يتجانس، بعد أن يتم تحقيق المرحلة التكتيكية ومواجهة الاستحقاق التشريعي؟ يبدو أن التعايش بينهم صعب، وقد لا يتمكّن من إكمال سنواته الأربع، ولكن مؤشّرا يمكن أن يوظّف لصالح الإبقاء على هذا الائتلاف أو توسيعه أو تعديله، وهو شخصية يائير لبيد الذي خضع لمتطلبات بينيت، صاحب المقاعد السبعة، ورضي أن يعطيه منصب رئيس الوزراء سنتين في الفترة الأولى للحكومة، وقد يضطر الليكود لمواجهة الواقع بعد أن يتم إقصاء نتنياهو.
يمكن أن يتصرّف "الليكود"، وهو صاحب حجم المقاعد الأكبر بحرية أوسع، إذا رحل زعيمه نتنياهو، وقد تحصل تغيرات جوهرية في شكل الحكومة بوجود لبيد، الشخصية القادرة على التموضع والتمركز في أفضل المواقع، وهو الذي استوعب السياسة الإسرائيلية، وقرأ درس بن غوريون وطبقه على نتنياهو، ليفتح لنفسه طريقا يطوَّب فيه من أنبياء إسرائيل، وهو الصحافي الذي كتب ذات يوم بنَفَسٍ انفعالي وبعاطفة صهيونية عارمة: "أنا صهيوني، وأعتقد أن أي شخص يعيش هنا يجب أن يخدم في الجيش، وأن يدفع الضرائب، وأن يصوّت في الانتخابات، وأن يحفظ أغنية واحدة على الأقل لشالوم حنوك". وكان يجب أن يكمل قائلا: وأن يساعد رئيس وزراء عجوزا على السقوط ليجلس مكانه.