وزراء قيس سعيّد أكباش فداء
تُعدّ إقالة وزير التربية التونسي محمد علي البوغديري، في اليوم الأول من إبريل/ نيسان الجاري، وقد قضّى 14 شهرا في منصبه، أحدث الإقالات في حكومة الرئيس قيّس سعيّد برئاسة أحمد الحشاني الذي خلف نجلاء بودن، المعفاة من منصبها في أول أغسطس/ آب 2023. وهذه الإقالة تعدّ رقم 17 منذ بدأ سعيد مسار "25 جويلية" (يوليو/ تموز 2021)، فقد أُقيل في تلك السنة كل من رئيس الحكومة هشام المشيشي، ووزراء الدفاع الوطني إبراهيم البلتاجي، والعدل حسناء بن سليمان، والمالية علي الكعلي، وتكنولوجيا الاتصال محمد فاضل كريم، والشباب والرياضة سهام العيادي. وإقالة وزير التربية هي الثالثة في سنة 2024، فقد سبقه كل من وزيري النقل ربيع المجيدي والثقافة حياة قطاط القرمازي المقالين يوم 12 من الشهر الماضي (مارس/ آذار). وفي سنة 2023 أقال سعيّد ثمانية وزراء من مناصبهم، هم على التوالي وزراء التجارة وتنمية الصادرات فضيلة الرابحي (الثالث من يناير/ كانون الثاني)، والتربية فتحي السلاوتي (30 يناير)، والفلاحة والصيد البحري والموارد المائية محمود إلياس حمزة (30 يناير)، والخارجية والهجرة والتونسيين في الخارج عثمان الجرندي (السابع من فبراير/ شباط)، ووزير التشغيل والتكوين المهني والناطق الرسمي باسم الحكومة نصر الدين النصيبي (22 فبراير)، والداخلية توفيق شرف الدين (17 مارس/ آذار)، والصناعة والمناجم والطاقة نائلة نويرة القنجي (الرابع من مايو/ أيار)، والاقتصاد والتخطيط سمير سعيّد (10 أكتوبر/ تشرين الأول).
ويزخر سجلّ الرئيس سعيّد بإقالات أخرى كثيرة، على غرار إقالة حكومة إلياس الفخفاخ يوم 15 يوليو/ تموز 2020، التي سُوّقت للرأي العام في شكل استقالة، تجنّبا للوقوع في مطب دستوري بموجبه يرجع تشكيل الحكومة البديلة إلى البرلمان، وليس إلى رئيس الدولة، وفق مقتضيات دستور 2014. وأعفي قبل ذلك وزير الخارجية خميس الجيهناوي يوم 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، وتلاه خليفته نور الدين الري في 24 أغسطس/ آب 2020، بعد ستة أشهر من تسميته، وهو الذي اصطفاه سعيّد نفسه للمنصب على أثر لقاء وحيد جمعهما في مسقط على هامش زيارة الرئيس لتقديم العزاء في وفاة السلطان قابوس. وشمل السجلّ أيضا إنهاء مهام الوزيرة مديرة الديوان الرئاسي نادية عكاشة، يوم 25 يناير/ كانون الثاني 2022، وكثير من الولاة، منهم والي قابس مصباح كردمين، وفق بيان رئاسة الجمهورية التونسية يوم 30 مارس/ آذار 2023، وهو الذي كان من المقرّبين وأشرف على حملة سعيّد الرئاسية جهويا في انتخابات 2019.
خصّ سعيّد نفسه بوظيفة إقالة الوزراء، فأسّس لها دستوريا، في حين أن تلك المهمّة كانت من صلاحيات رئيس الحكومة
لم يشرك الرئيس التونسي قيّس سعيّد أيا كان في تسمية الوزراء والمسؤولين الرفيعين في الدولة أو في إقالتهم، فقد دأب على اختيارهم بنفسه من دون استشارة الأحزاب والقوى المدنية والنخب الوطنية، أو الاستئناس بآرائها، فهو لا يعترف بوجودها وبدورها في الحياة السياسية وتولي الشأن العام، فلا مكان لها أجساما وسيطة في الحياة العامة السياسية وغير السياسية، بما في ذلك الأحزاب والقوى الوفية له المدافعة عن توجّهاته منذ "25 جويلية"، فهي تقرأ نبأ تسمية الوزراء وإقالتهم في صفحة رئاسة الجمهورية التونسية على "فيسبوك"، شأنها شأن عوامّ الناس. وينطبق هذا الأمر على مجلس نواب الشعب، فهذا الهيكل التشريعي المصنّف مؤسّسة منتخبة لا يملك سلطة التسميات على رأس الوزارات، أو استشارة قواه، وهي التي تُشهر ولاءها للرئيس ومشروعه من دون قيود ولا شروط، أو مراقبتها وإسقاط بعضها كما كان يحدث في المجالس التشريعية السابقة بعد سنة 2011، ولا يُعلم بالإعفاءات إلا بعد انتشار الأخبار وترويجها من وسائل الإعلام وبلوغها العامّة والجمهور الواسع.
يستند سعيّد في احتكار تسمية الوزراء والحكومات وإقالتهم جماعات وفرادى، إلى نصيّن دستوريين خطّهما بيمينه واستعملهما قاعدة قانونية لحكمه بعد الاستفراد بالسلطة في 25 يوليو/ تموز 2021. الأول هو الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021 الذي حدّد وظائف رئيس الجمهورية، وأعطته النقطة الخامسة من الفصل عدد 12 حقّ "إقالة عضو من أعضاء الحكومة أو البتّ في استقالته". والثاني هو الفصل 102 من دستور 25 جويلية 2022، وجاء فيه "رئيس الجمهورية ينهي مهامّ الحكومة أو عضو منها تلقائيا أو باقتراح من رئيس الحكومة".
لقد خصّ سعيّد نفسه بوظيفة إقالة الوزراء، فأسّس لها دستوريا، في حين أن تلك المهمّة كانت من صلاحيات رئيس الحكومة وفق ما جاء في المحطّة الثانية من الفصل 92 من دستور 27 جانفي 2014 "يختص رئيس الحكومة بـ .. –إقالة عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة أو البت في استقالته، وذلك بالتشاور مع رئيس الجمهورية إذا تعلّق الأمر بوزير الخارجية أو وزير الدفاع". لكن رئيس الحكومة، وفق دستور 2014، لا يمتلك هامشا كبيرا يمكّنه من إقالة الوزراء، فاستبدال وزير بآخر يمرّ حتما عبر نيل الثقة من البرلمان، وربما يتمّ إسقاطه برلمانيا حتى قبل تولي مهامه. وكان هذا يحدّ من النزوع إلى الإقالات، ولأن رئيس الحكومة يعلم أن أغلب الوزراء في الحكومة يحتمون بأحزاب أو ائتلافات حزبية تنافح عنهم، وأن إقالة بعضهم قد تؤدّي إلى سقوط الحكومة بكاملها، وهذا ما قلّل من عدد الإقالات في ظل النظام البرلماني الذي كان سائدا في تونس من 2011 إلى 2021. بينما الوزراء الذين يصطفيهم الرئيس سعيّد لا بواكي لهم، فهم كالأيتام يفتقدون السند السياسي، وليس لهم من ضامن أو داعم سواء الولاء المطلق للرئيس والتقرّب منه والتزلّف له قدر الإمكان للبقاء في المنصب. ذلك أن انتقاء سعيّد وزراء حكومته بعد 25 جويلية (2021) لم يخضع لمقاييس عقلانية وتاريخية، وأخرى كاريزمية وسياسية، فمن محرّمات تولّي الوزارة لدى سعيّد وجود ماضٍ سياسيٍّ أو حزبي لعضو من أعضاء حكومته. ولذلك جميع وزرائه المباشرين والمقالين مجرّد موظفين في الإدارة التونسية، وأعلاهم رتبة كان يشغل موقع مدير عام في وزارته أو في وزارة أخرى، باستثناء وزراء الخارجية الذين يقع انتقاؤهم من بين سفراء تونس في الخارج، ولا علاقة لهم بالشأن السياسي وبالسياسة ونضالاتها، ومقتضيات دفع ضريبة ممارستها مناف وسجون ومعتقلات ومراقبة إدارية وتهجير وتهميش وطرد من العمل وقطع أرزاق وتشتيت عائلات والحرمان من الحقّ في التعلم والعمل وحتى التصفية الجسدية والاغتيال.
كثيرا ما كان سعيّد يمارس سلوكا تحقيريا تجاه وزرائه يساعد على إضعافهم والحطّ من قيمتهم في أعين عامّة الناس
كان التزلّف للرئيس جليا في سلوك أغلب الوزراء. ويُشار في هذا السياق إلى ما كان قد صرّح به وزير التربية المُقال حديثاً محمد علي البوغديري، وقد جاء به سعيّد بهدف ضرب الاتحاد العام التونسي للشغل. ومن ذلك قوله، على هامش زيارة قام بها يوم 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إلى إحدى المدارس الابتدائية في مدينة فرنانة في الشمال الغربي التونسي: "إن تونس على الطريق الصحيح، وقوية بقائدها الرئيس قيّس سعيّد الذي يشرّف كل التونسيين ويعمل يوميا للخروج بتونس نحو الأفضل"، فهو من أطلق، تزلّفا، صفة الرئيس القائد على سعيّد، وهي مقتبسة من القاموس السياسي البعثي، وكانت تطلق على الرئيس العراقي الراحل صدّام حسين.
وتولّى الدور نفسه بشيء من الغلوّ وزير الداخلية توفيق شرف الدين قبل إقالته بأيام قليلة، حين قال، في 7 مارس/ آذار 2023، على هامش إحياء ذكرى ملحمة إفشال العدوان الإرهابي على مدينة بنقردان في الجنوب التونسي: "مثلما يقول سيدي الرئيس بعدما كان هناك حزب واحد يعاني منه الشعب أصبح هناك لوبي واحد، رجال إعلام خسارة فيهم كلمة رجال إعلام، مرتزقة رجال أعمال باعوا الوطن، نقابيون باعوا الوطن، أحزاب باعوا الوطن، النخبة السياسية هي نكبة سياسية.. أقول التفّوا حول السيد الرئيس. إنها حرب ضروس، إنها حرب ضروس، إنها حربٌ ضروس"، الأمر الذي لقي استهجان قوى المجتمع المدني والسياسي والإعلامي وتنديدها.
ومع ذلك، هذا الولاء الأعمى للرئيس سعيّد، وحجم التزلف له وتبرير اختياراته غير الموفّقة، ولعب دور الجهاز الدعائي للرئيس، ووضعه في مرتبة القادة التاريخيين والأولياء والصالحين، لم يشفع لوزرائه، فيرتقي بمكانتهم لدى المسؤول الأول في الدولة التونسية، ويحفظ لهم كرامتهم ويصون هيبتهم التي فيها هيبة الدولة. على عكس ذلك، كثيرا ما كان سعيّد يمارس سلوكا تحقيريا تجاه وزرائه يساعد على إضعافهم والحطّ من قيمتهم في أعين عامّة الناس، حين يضعهم في مواقف محرجة في أثناء زياراته غير المعلنة، مصحوباً بكاميرات التصوير، لبعض مرافق الدولة وإداراتها وشركاتها العمومية ومؤسساتها الدينية، على غرار زيارته يوم 26 فبراير/ شباط الماضي لجامع القصبة، ففي هذه الزيارة (أو الغزوة الرئاسية) الهادفة منذ البداية إلى تجديد شعبية الرئيس، في سنة انتخابية، بعدما اهترأت في ثنايا الحكم، الموثّقة تفاصيلها في فيديو نشر في صفحة رئاسة الجمهورية على "فيسبوك"، تقمّص رئيس الجمهورية دور المحقق مع وزير الشؤون الدينية، الذي ظهر في حالة الموظف الصغير الذي تعوزُه الإجابة عن أسئلة رئيسه متلعثما في الردّ على أسئلته وإحراجاته، واستحضار التبريرات لما عليه الجامع من حالة مزرية، بعدما جرى إغلاقه في نهاية سنة 2011.
تحولت إقالات سعيّد لوزرائه ورؤساء حكوماته إلى ظاهرة لافتة، لكثرتها وتكرارها وعشوائيتها
استعرض الرئيس جميع معارفه التاريخية عن جامع القصبة الحفصي، ووضع زيره للشؤون الدينية موضع الدونية، ولكنه تجنّب ذكر السبب الحقيقي لغلق الجامع في أوج الثورة التونسية وانتفاضتها الشعبية العارمة سنة 2011، وهو سببٌ أمني بالأساس، لمتاخمة المعلم الديني التاريخي وزارة الدفاع الوطني. وقد يكون الرئيس حقّق مكسباً اتّصاليا، وجعل من مساءلة وزيره مصعدا انتخابيا، إلا أن صورة الوزير، وكل الوزراء الذين مورس معهم السلوك نفسه، ستترسخّ في الذهنية الشعبية، رموزاً للفشل، ومن ثمّة تكون أرضية الإقالة قد أُعدّت سلفا ولم يتبقّ إلا القرار. وهذا ما وقع فعليا مع وزير النقل في أثناء زيارة سعيّد غير المعلنة لمستودع الحافلات بباب سعدون بتونس يوم 25 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ومع وزيرة الثقافة عند زيارة رئيس الجمهورية للمدينة العتيقة في تونس العاصمة يوم 20 فبراير/ شباط الماضي، ومعاينة بعض المنشآت الثقافية، فقد نجح الرئيس في تحويل زيارتيه إلى مساءلة علنية واختبار على الملأ لوزيريْه اللذين ظهرا في شكل تلميذين مرتبكين لحظة خضوعهما لامتحان شفوي من دون أن يؤدّيا واجبهما المنزلي تهيؤا لذلك الامتحان. والحال أن النصيب الأكبر من المسؤولية يعود إلى الرئيس نفسه، ذلك أن دستور 2022 ينصّ بوضوح في فصله عدد 100 على أن "رئيس الجمهورية يضبط السياسة العامة للدولة ويحدّد اختياراتها الأساسية ويعلم بها مجلس النواب"، فالرئيس سعيّد لم يعلن عن سياسته واختياراته الأساسية، ولم يعلم بها المجلس المذكور، بل إنه لم يزر مقرّ ذلك المجلس ألبتة، بعدما انطلق في أشغاله منذ 13 مارس/ آذار 2023 وفق الشروط السياسية والقانونية التي وضعها سعيّد نفسه. وبالإضافة إلى ذلك، لم يعقد الرئيس التونسي أي مجلس وزراء موسّع أو مضيّق لتناول القضايا التي يثيرها في زياراته غير المعلنة ومتابعتها وفق جدول زمني ورزنامة عملية محدّدة وناجعة، فهو يكتفي دائما بالاستعراض والمشهدية التي كثيرا ما يتحوّل فيها وزراؤه إلى أكباش فداء وأصحاب شُبهات بالفساد مع وصمهم بالفشل، من دون أن تتوفّر لهم فرصة الدفاع عن أنفسهم لتفادي حملات التنمّر التي تطاولهم، فيلتزمون الصمت خشية تتبعهم أو احتراما لواجب التحفّظ المفروض عليهم قانونا.
ولا يكلّف الرئيس سعيّد نفسه، لمن يختارهم أكباش فداء من الوزراء، فيُصدر حكمه في شأنهم، وهو حكمٌ غير قابل للنقض والتعقيب، بإقالتهم من مناصبهم، سوى نشر خبر الإعفاء مقتضباً بارداً لا يتضمّن تبريراً أو تفسيراً أو فهما وتحليلا، على صفحة فيسبوك الرئاسية، فيتزهّد حتى في إعلامهم بواسطة الهاتف أو عن طريق أحد المستشارين مسبقاً، احتراماً للدولة ومن تولّى خدمتها من الرجال والنساء.
ولا يختلف سعيّد، في هذا السلوك، مع الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة، فقد روى الوزير الأول الأسبق محمد مزالي في كتابه "هذا نصيبي من الحقيقة" واصفا طريقة إقالته من منصبه "أُعلن عن إقالتي يوم الثلاثاء 8 جويلية 1986، في ذلك اليوم بعد رجوعي من العمل كنتُ جالسا أمام التلفاز، بدأ شريط الأنباء بتلاوة بيانٍ ألقته المذيعة، قالت قرّر الرئيس الحبيب بورقيبة إقالة السيّد محمد مزالي من مهامه كوزير أوّل وتسمية السيّد رشيد صفر في منصب وزير أوّل". ويضيف مزالي "وبالطبع، اندهشت، لأن الحبيب بورقيبة لم ير من اللياقة دعوتي ليعلمني بقراره قبل الإذن ببثه في الوسائل الإعلام". والواقع أن ما أتاه بورقيبة تجاه وزيره الأول، الذي كان قبل ثلاثة أسابيع من إقالته قد عيّنه خليفة له (حسب رواية مزالي)، وهو من رجاله الأوفياء وعمل 50 سنة تحت إمرته إبّان فترة الاستعمار وتأسيس الدولة الوطنية وإدارتها، لا يختلف في شيء عن طريقة إقالة سعيّد رئيسة حكومته نجلاء بودن التي كانت يوم إعفائها من منصبها تمارس مهامّها بمكتبها بقصر الحكومة بالقصبة بصورة طبيعية، إلى أن انتشر نبأ إقالتها بوسائل التواصل الاجتماعي، وربما كانت آخر من علم به.
لا يكلّف سعيّد نفسه، لمن يختارهم أكباش فداء من الوزراء، فيُصدر حكمه في شأنهم، غير قابل للنقض والتعقيب، سوى نشر خبر الإعفاء مقتضباً بارداً
المفارقة أن كل وزير أو مسؤول جرى إعفاؤه من منصبه يعتبر متّهما في نظر رئيس الجمهورية، بعد أن كان قد اجتباه بنفسه، وهو متّهم ومُدان أيضا في ما ينشر على صفحات أنصار الرئيس وأوفيائه الافتراضيين المنتشرين في عالم السوشيال ميديا لتبرير سياساته وتلميع صورته لدى الرأي العام. بينما كان هذا الوزير أو ذاك بالأمس القريب هو الأجدر بالوظيفة وتولي الوزارة وهو الأعلى كفاءة والأكبر مقدرة، فالرئيس، في نظرهم، لا يأتيه الباطل أبدا في اختيارات أعوانه ومساعديه الحكوميين. أما إذا تقرّر إعفاء أحدهم من منصبه، فإن تلك الكفاءة والجدارة المبشّر بها تتحوّل سريعاً إلى شبهات فساد وضعف في التسيير وعدم معرفة بالإدارة والدولة وتحقيق الوزير مصالح لنفسه أو لغيره أو الإضرار بالإدارة، ويصبح بموجب تلك التهم تحت طائلة الفصل 96 من المجلّة الجزائية، وغيرها من القوانين الزجرية، تنتظره تحقيقات الدوائر الأمنية والقضائية والأحكام بالخطايا المالية المجحفة ودهاليز سجن المرناقية وغيره من السجون التونسية. بينما يبقى الرئيس سعيّد عالي المقام، فوق كلّ الشبهات، لا يُسمح بسؤاله، حتىّ لمّا يتّخذ القرار ونقيضه، وتقتصر سياساته على مجرّد الكلام، خالية من تحمّل مسؤولية التسميات والأفعال، ومن العمل وصناعة البرامج والمقترحات والأفكار.
إقالات الرئيس سعيّد وزراءه ورؤساء حكوماته تحوّلت إلى ظاهرة لافتة، لكثرتها وتكرارها وعشوائيتها، في ولايته الرئاسية الأولى التي أوشكت على النهاية، فهو لا يُعلم شعبه بأسباب اختيار وزرائه وعوامل تنحيتهم. إنه، وعى بذلك أو لم يع، يستبطن أفكارا تجعل من هذا الشعب قاصراً ولا حاجة لإعلامه بقرارات الرئيس وشرح خفاياها. وقد بلغ به الأمر أن عيّن بدلا عن وزير التربية موظفة في الوزارة نفسها، كان قد اتخذ الوزير في حقّها إجراءاتٍ تأديبية قبل تسميتها في المنصب الوزاري بأقلّ من شهر، وهو ما يرتقي إلى مستوى العبث بالدولة وبنواميسها المنظّمة. وهو بذلك الإجراء يكون قد اقترب في هذا السلوك السياسي الذي يميل إلى تحميل المسؤولية للآخرين، من دون أي نقد ذاتي أو اعتراف بالأخطاء من الأنا الحاكم - الرئيس، من الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة في نهاية حكمه وفي زمن شيخوخته البيولوجية والسياسية، فقد عُرف عن الرجل تسمية الوزراء صباحا وإعفاؤهم مساء.