هل يمدّ شيخ الأزهر يداً لإنقاذ مصر؟
تطلَّع المصريون، لا منذ 30 يونيو/ حزيران 2013، بل منذ اندلاع الأحداث الدامية في بلدهم، إلى تدخل شيخ الأزهر، أحمد الطيب، آملين في أن يبتغي ما لدى الله، يترك قليل متاع الحياة الدنيا الزائل، يخرج معلنًا رغبته الشخصية الممتزجة مع أهمية منصبه، رأس أكبر مؤسسة سنية في العالمين، العربي والإسلامي، يعلن إيثاره حقن الدماء ومصلحة بني وطنه، حتى لو أدت الأمور إلى إعلانه موقفًا ينبع من دينه وإيمانه، وإن دفع منصبه ثمنًا له، يرجو الله وحده أولًا فيه، ويسعى إلى ما لديه مما هو خير وأبقى، شاء مَنْ شاء وأبى مَنْ أبى. تأخر موقف الشيخ كثيرًا، وطال انتظار المصريين، ولم يشف غليلهم، أو يذهب رغبة أرواحهم، مجرد بيان يدعو الطيب فيه إلى ضبط النفس وعدم إسالة الدماء في ميدان رابعة العدوية. انتظرنا بعد مذبحتي ميداني رابعة العدوية والنهضة، وميادين أخرى، في 14 من أغسطس/ آب التالي للأزمة، ما هو أكثرمن بيان الشيخ الذي دان فيه تفجر الدماء، خصوصا أن التلفزيون الرسمي أذاعه مرة واحدة، فلم ينل ما يستحقه، بقي البيان مجرّد كلمات، واستمرت الأحداث، وبقي ما كنا نرجوه من الشيخ أكبر وأكثر. فرحنا لمّا عارض الرئيس في وقوع الطلاق الشفهي، ازدادت فرحتنا بوقوفه أمام دعاوى تجديد الدين، خصوصا حواره مع رئيس جامعة القاهرة، محمد عثمان الخشت. تمنينا أن تكون هذه المواقف علامات في الطريق، وتفصيلات ممهدة لموقف أعم وأشمل، يأتي لما يستشعر الشيخ الأخطار المحدقة بوطنه.
صار الوطن منقسمًا إلى جزأين، أحدهما ينعم بخيراته كاملة والآخر محروم من أبسط حقوقه فيه
تفجّرت الأمور أكثر، ووصلت مصر إلى مرحل بالغة التردّي، سواء على مستوى لُحمة ونسيج المصريين الذي كان أقرب وأكثر متانة قبيل أحداث 2013، والذي اتخذ النظام الحالي من خوفه من تمزقه ستارًا للوصول إلى الحكم، عقب نحو ثماني سنوات، ظهرت النتائج أكثر سوءًا مما يتمنّى كل مخلصٍ شريف لوطنه. ازداد تمزّق النسيج الاجتماعي بشكل مريع. صار الوطن منقسمًا إلى جزأين، أحدهما ينعم بخيراته كاملة والآخر محروم من أبسط حقوقه فيه، وجرت من أسفل النهر مياه أكثر امتلاءً بالمتفجرات تجاه جزء من المصريين، ازداد معدل القتل فيهم، واستشرى، حتى تجاوز عدد الذين توفوا في السجون والمعتقلات الألف، فيما تزايدت معدلات إصدار أحكام الإعدام وتنفيذها حتى الحكم في الـ14 من الشهر الماضي (يونيو/ حزيران) بتأييد محكمة النقض إعدام 12 من خيرة أبناء مصر، وفيهم عميد كلية أصول الدين والدعوة الأسبق في جامعة المنصورة عبد الرحمن البر، والأستاذ في كلية طب الأزهر، محمد البلتاجي. وفي الأثناء، تعدّدت أزمات مصر وانهياراتها، وازدادت معاناة المحتاجين. بقي النظام في شغل عن الجميع بالبحث خلف عوامل استتبابه واستقراره، وازدياد بطشه الأمني بمعارضيه.
وعلى مدار قرابة ثماني سنوات، وصلت الأمور إلى أقصى مدى من استضعاف المصري داخل بلاده، واستضعاف مصر نفسها عالميًا على النحو الذي اضطر الطيب نفسه، قبل أيام، إلى إصدار بيان يدين فيه اسئثار إثيوبيا بمياه النيل وبناءها سدودًا تحول دون جريانه وتدفقه، وتخالف القوانين الدولية.
أحداث لم يسبق مرور مصر بها، ونتعجب من تأخر موقف واضح لشيخ الأزهر منها
إننا إزاء أحداثٍ لم يسبق لمصر أن مرّت بها، وما زلنا ننتظر متعجّبين من تأخر موقف واضح لشيخ الأزهر منها، يبرئ ساحته من احتمال رضاه، لا قدر الله، عن كل ما يجري، يخرج، في الوقت نفسه، إنكار الشيخ الأحداث من أضعف الأيمان، بحسب الحديث الشريف، إلى موقف محاولة تغيير المنكر باللسان الذي يجدر بالشيخ اتخاذه، ننتظر من شيخ الأزهر هذه الساعة، اليوم قبل غد، أن يعلن مبادرة واضحة يجبر فيها خواطر المصريين، يدرس بنودها جيدًا، يدعو المخلصين من أهل البلاد والشرفاء إلى صياغتها والعمل والسهر عليها، يعلن أنه لا يرضى عن شقّ صف المصريين، في أي حال، يدعو، إبراء لساحته، لجمع شتات الوطن ووأد فرقة المواطنين، ينادي بتجمع جميع الراغبين في إعلاء صالح الوطن والمواطنين إلى جانبه، يعلن رأيًا واضحًا قويًا أن الجميع أبناء مصر يجب أن يتنازلوا عن مصالحهم الخاصة وحبهم أنفسهم في سبيل الحفاظ على الوطن ذخرًا للأمة، يعلن رغبته في فتح باب لجميع المضطهدين، يعودون فيه بكرامتهم محفوظة إلى حضن الوطن. يؤكّد الشيخ، في النهاية، أنه يحرص على ضمان أمن أبناء الوطن الواحد وسلامهم، حتى يستطيع أهله النهوض به من كبوته وعثرته، والإعداد لغد أفضل مشرق ينبذ الوطن فيه الطغاة قساة القلوب، ويقرّب الأنقياء الذائبين حبًا فيه من مختلف المشارب والتيارات، وبالتالي يتم عصف ذهني متتابع كبادرة لحل الانشقاق، ووقف الإعدامات، وفتح المعتقلات، وعدم حجز مسجون رأي واحد تحت أي دعوى أو مسمّى، يجتهد المصريون بعدها لرأب الصدع ومواجهة تحدّي سد النهضة الإثيوبي.
أحيا تجديد رئيس الشؤون الدينية التركي السابق، محمد غورماز، أخيرا، الأمل في أنفسنا مناشدته شيخ الأزهر التدخل لوقف إعدام 12 عالمًا ومفكرًا بسبب الخلافات السياسية، وحذّر من أن تنفيذ الحكم مؤذٍ يزيد من الانقسام المصري، مذكّرًا بمكانة الأزهر "التي أورثت مصر مسؤوليةً كبيرةً فصارت قدوةً للعالم الإسلامي، ومحطّ أنظاره في العلم والعدل والتقوى والسلوك والحضارة والمدنية"، فهل يفعلها شيخ الأزهر الساعة قبل اليوم قبل غد؟