هل تسمح واشنطن بتعويم الأسد؟
تُظهر تصريحات بشار الأسد إلى وكالة ريا نوفوستي الروسية تصلّباً قد يبدو مختلفاً عن موقف حلفائه الروس، فهو يصرّ من موسكو على أنّ لقاءً مع أردوغان لن يكون مجدياً مع استمرار وجود الجيش التركي في الأراضي السورية. وفي وقت الذي يستهجن الأسد وجود قوات تركية في سورية، يرحّب بزيادة عدد القوات الروسية، ويبرّر، بشكل مسبق، كلّ أنواع الوجود الروسي، مع أخذ الوجود الإيراني الكثيف هناك أيضاً بالاعتبار، نجد أنّ الأسد تغاضى فعلاً عن وجود قوات أجنبية وبرّر انتشار بعضها.
يتطلّع الأسد إلى مجموعة من الأخبار الجيدة بالنسبة له، فبوجود قبول خليجي كبير، وبعض دول الخليج لديها سفارات بالفعل في سورية، وتتبادل زياراتٍ على مستوى عالٍ مع سورية، ودخول مصر إلى نادي المرحّبين به، يجعل له صوتاً قوياً في موسكو، ويجعله يتشدّد في مواقفه، خلال مرحلةٍ يكثر الحديث فيها عن تقارب سوري تركي ترعاه موسكو. ويبدو أنّ الأسد موجود هناك لهذا السبب بالذات، رغم حديثه عن مشروعات وتعاون وخطط للمستقبل مع روسيا.
كانت زيارة الأسد إلى روسيا قبل التي جرت الأسبوع الماضي، في سبتمبر/ أيلول عام 2021، ولم يُعلن عنها إلا بعد وصوله بالفعل إلى الأراضي الروسية، حيث ناقش خلالها بوتين في مواضيع داخلية كالوضع الاقتصادي في سورية وخواء مخازن النفط والوقود السورية، بالإضافة إلى ملفّات عسكرية ذات طابع محلي. كان الأسد وقتها لا يزال حبيساً ومحاصَراً دبلوماسياً، ومنبوذاً إلى حدّ كبير، ومهتماً بفعل شيءٍ يوقف تدهور الأحوال الاقتصادية المهلهلة. وكانت إيران قد خفّفت كثيراً من دعمها الاقتصادي، وأُجبرت على الابتعاد عن الحدود الجنوبية السورية، ولم يكن الأفق مبشّراً، فجاءت تلك الزيارة في سياق مزيد من الاستجداء بالحماية.
واليوم، رغم تغير الأحوال وانقلاب مواقف عربية كثيرة ومواقف بعض دول الجوار، فإنّ الموقف الأميركي الرافض استيعاب الأسد على حاله، وقد أدّى هذا الموقف المتشدّد إلى إحجام باقي دول الغرب عن إعادة علاقاتها، أو تدفئتها على الأقل، مع دمشق. وبينما الأسد في موسكو يبحث بعض شروط التقارب مع تركيا تُصدر كل من برلين ولندن وباريس وواشنطن بياناً في ذكرى الثورة السورية تعلن فيه أنها تقف بقوة مع الشعب السوري وتعارض أي تعويم للأسد، ما يعني أنّ الموقف الغربي لم يتغيّر، رغم الرياح التي هبّت على الإقليم، وما تبعها من تغيرات وانزياحات في المواقف بعد حرب أوكرانيا، وتغوّل الصين وتمدّدها إلى المنطقة، وبعض الجفاء الذي يبدو في علاقات دول خليجية مع أميركا.
سيبدو أي تقارب مع دمشق وكأنّه تحدٍ للولايات المتحدة، وكانت دولٌ كثيرة تظهر خشيتها من إظهار مثل هذا التحدّي، فيلمح منها على استحياء ميلٌ باتجاه التقارب، لتعود وتخفيه فوراً، لكن ما هو واضح حالياً أنّ الشوط لإعادة تنظيف الأسد قد وصل إلى مراحل شديدة التقدّم. وزيارة الأسد موسكو أخيراً تدلّ على أنّ اللمسات النهائية توضع على العملية، مع تزامن اجتماع نواب وزراء خارجية الدول المعنية، تركيا وإيران وروسيا وسورية، وهو استعداد لاجتماع آخر يضم وزراء الخارجية للدول نفسها، ولكن الأمر قد يُقرأ بشكل مختلف، إذا ما وضعنا زيارتين مهمتين لمسؤولين عسكريين أميركيين رفيعي المستوى إلى كل من سورية والعراق، وهو سلوكٌ يعكس تركيزاً على المنطقة، بعكس ما هو شائع من تجاهل أميركي للشرق الأوسط على حساب بحر الصين وشرقي أوروبا، ما من شأنه أن يُعرقل كلّ ما ينتج من مخرجاتٍ عن لقاءات وزراء الدول المذكورة، وتبقى معادلة تغيير الأسد في مكانها، وتُثبت واشنطن أنّ لا شيء جوهرياً سيحصل في المنطقة من دون موافقتها.