هل بدأ ترسيم حلف ناتو عربي - إسرائيلي؟

16 يونيو 2024
+ الخط -

إذا صحّ ما نشره موقع إكسيوس الأميركي، القريب من مصادر استخبارات إسرائيلية وأميركية، عن اجتماع بين مسؤولين عسكريين إسرائيليين وعرب جرى في البحرين، فإننا دخلنا مرحلة جديدة من رمي الفلسطينيين تحت رحمة حرب الإبادة الصهيونية... وفقاً لمراسل الموقع الإسرائيلي باراك دايفيد، التقى رئيس الأركان الإسرائيلي هيرتسي هليفي جنرالات من دول عربية، تحت رعاية أميركية، للتنسيق العسكري بين الأطراف المعنية، بعد "نجاح تعاون دول عربية في إسقاط المسيّرات الإيرانية منعا لوصولها إلى إسرائيل" في ليلة 13 إبريل/ نيسان.

وكانت كاتبة هذه السطور قد رأت، في مقالات في "العربي الجديد"، أن واشنطن وجدت في "التعاون العربي" فرصة لبدء خطوات عملية في إنشاء حلف عربي - إسرائيلي عسكري معلن تحت عنوان مواجهة الخطر الإيراني. وواضح أن هذا بدأ تنفيذه بقيادة قائد قوات المنطقة الوسطى للجيش الأميركي مايكل (إيريك) كوريلا.

قد لا يكون اجتماع المنامة الأول من نوعه، لكن اللافت أن هناك من قرّر تسريب الخبر إلى "إكسيوس" لفرض واقع جديد على من قَبِل أو لم يقبل في العالم العربي، فالتخاذل والتواطؤ العربيان بعد سلسلة المذابح الإسرائيلية المستمرّة ضد الفلسطينيين شجعا واشنطن على عدم التستّر على هذه الاجتماعات، فالمطلوب تحرّكات علنية، تضع الدول المشاركة في زاوية قد تكون مُحرِجة لبعضهم، من باب فرض الأمر الواقع، حتى لا يبقى مكانٌ للتراجع أمام الشعوب. ونية تشكيل حلف عسكري حربي عربي - إسرائيلي رسمي معروفة، لكن الوقت يبدو أنه جاء لوضعها في مرحلة تفعيل علني ينبثق عنه اتفاق رسمي لا سرّية فيه، فالعلنية مهمّة لواشنطن، وبخاصة بعدما أفقدت وحشية الحرب الإسرائيلية الإدارة الأميركية نزعة أخلاقية طالما حاولت إشاعتها في الغرب عن نفسها. إضافة إلى أن ترسيم هذا الحلف يركّز اهتمام الغرب على إيران وليس على إسرائيل، بوصفها التهديد الاستراتيجي على المنطقة، وبالتالي، تصبح الجرائم الاسرائيلية حدثا عابرا لا تداعيات استراتيجية لها.

المطلوب تحرّكات علنية، تضع الدول المشاركة في التنسيق مع أميركيا وإسرائيل في زاوية قد تكون مُحرِجة لبعضهم، من باب فرض الأمر الواقع، حتى لا يبقى مكانٌ للتراجع أمام الشعوب

إضاءة موقع إكسيوس على الحدث مقصودة لمن سرّب الخبر، فهي رسالة طمأنة إلى الإسرائيليين بأن اميركا جادّة في تحقيق الحلف العلني، كما تهدف إلى تسريع اكتمال حلقة التطبيع الرسمي العربي، خصوصاً أن الموقع نفسه أفاد بأن مسؤولين من السعودية حضروا ذلك الاجتماع الذي ضم ممثلين عن الإمارات والبحرين ومصر والأردن مع رئيس الأركان الإسرائيلي. وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مهتمة بإرساء خطوات تطبيع سعودي - إسرائيلي تخدمها في الانتخابات الرئاسية المقبلة، حتى لو لم تُنجز معاهدة سلام بين السعودية وإسرائيل قبل عملية الاقتراع في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.

وكما هو متوقع، لم تؤكّد أيٌّ من الدول المعنية ولم تنف نبأ الاجتماع، غير أن الضغط سيكون أشد على الرياض وعمّان، الأولى بغرض اتخاذ خطوات تطبيعية جديدة، والثانية لأن دورها محوري من ناحية عملية، فهي الأقرب للدولة الصهيونية، أي على خط المواجهة. كما أن آلة الدعاية الصهيونية تركّز على الأردن بترويج أنه الدولة المهدّدة من إيران، وبحاجة إلى حمايتين، أميركية وإسرائيلية. فمنذ التصريحات الإيرانية ضد مشاركة الأردن في إسقاط مسيّراتها، وبالرغم من أن عمّان حاولت رسميا عدم التصعيد مع إيران، فإن النغمتين، الأميركية والصهيونية (وهما واحدة) تتحدثان عن تهديد إيراني استراتيجي للأردن، ونصادف دعوات هنا وهناك إلى تعزيزات عسكرية أميركية للأردن، وحتى إلى ضرورة نشر صواريخ وأسلحة في جنوب سورية لحماية الأردن.

خطوات أميركية حديثة لفرض قيادة أمنية أميركية إسرائيلية، جديدها أخيراً الاجتماع التنسيقي في البحرين لجعل ذلك أمراً واقعا

تحاول، بوضوح، أصواتٌ عاليةٌ في هذا الاتجاه، في الصحافة الاسراىيلية ومراكز أبحاث أميركية وصهيونية، وحتى في مطبوعات عربية، حرف الأنظار عن مجازر إسرائيل في غزّة، وهجمات المستوطنين في الضفة الغربية، وعن عملية توسيع المستوطنات ومصادرة الأراضي الفلسطينية، خصوصا أن الأوضاع في الضفة الغربية، بشكل خاص، تثير مخاوف حقيقية في الأردن من إفراغ الأراضي الفلسطينية أو التهجير إلى الأردن، فالانفجار في الضفة والقدس الشرقية مصدر قلق حقيقي للدولة الأردنية. ولكن تغطيةً تجرى على ذلك بادّعاءات أن هناك خطراً وجودياً على الأردن، وتجاهل تصريحات المسؤولين الإسرائيليين العلنية عن خطط طرد الفلسطينيين وتهجيرهم، فهذه الحكومة الإسرائيلية لا تهمها حتى مجاملة ملك الأردن أو قبول ما يمكن عرقلة دعوة الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسئليل سموترتش، وهما من قادة المستوطنين، لتهجير الفلسطينيين، ولو تطلّب حرقهم، إلى شرق الأردن.

لا تقصر المسألة طبعا على غلاة المتطرفين، مثل الوزيرين بن غفير وسموترتش، بل الحكومة الإسرائيلية كلها، وكذلك انزياح المجتمع الإسرائيلي إلى أقصى اليمين، وموجة الكراهية غير المسبوقة بين الإسرائيليين للعرب والفلسطينيين، ولا يهمّهم قتل الفلسطيني في الضفة أو غزّة، ولا السلام مع الأردن أو الأردنيين، فالعنصرية في أوجِها، ويخطئ أي عربي بتخيّل إمكانية التعايش مع الإسرائيليين، حين يكون ما يحرّك مجتمعا كاملا شعار "إما نحن أو هم".

كانت الرؤية الاسرائيلية، ولكنها أصبحت أشدّ وضوحاً، "الهيمنة على المنطقة"، من خلال تسريع عملية التطبيع الكامل وربط العالم العربي بمشاريع اقتصادية، وبخاصة التي تتيح استيلاء إسرائيل على موارد الطاقة في العالم العربي، أو اشتراكها في هذه الموارد، وحلف عسكري أمني عربي إسرائيلي تجرى خطوات ترسيمه بتسارع مقصود. ولا يعني هذا أن ليس للعالم العربي محاذير أو مخاوف من إيران، ومن سعيها إلى بسط سيطرتها الإقليمية، لكن حرف الأنظار عن المشروع الاستيطاني العنصري الإحلالي بادّعاء أن هناك ضرورة لحماية عسكرية أميركية إسرائيلية للدول العربية، وبالأخص الأردن، ليس أكثر من تمويه ومشاركة في تحقيق المشروع الصهيوني وحمايته، لا أكثر، بل إنه دليل عداء للفلسطينيين والعرب عموما.

بلغت الاستهانة بالدم الفلسطيني والأمن القومي العربي أن مجازر تُرتكب وتعرض على الشاشات، فيما تُتَّخذ خطوات ترسيم الاستهانة بالدم المسال والأمن العربي

طالعنا الصهيوني دايفيد شينكر، في 5 يونيو/ حزيران الحالي، بمقال في موقع معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، يحذّر من أن وضع الأردن دقيق ويجعل استقراره مهدّدا من إيران وحزب الله وحركة حماس. لكنه لا يدعو إلى زيادة المساعدات الأميركية العسكرية إلى الأردن، بل يحذّر، بتهديد مبطّن، بأنه لا بديل للأردن إلا في تعميق التعاون الأمني الاستراتيجي مع إسرائيل. وهنا مربط الفرس؛ يريد من الأردن غضّ النظر عن حرب الإبادة وعن خطر التوسّع الاستيطاني في فلسطين، والاحتماء بإسرائيل. وشينكر، وهو صديق لمثقفين وكتّاب أردنيين وعرب، واضح في احتقاره المخاوف الأردنية من إسرائيل، ولا يخفي صهيونيته، ويقوم بدوره في ترويج هيمنة إسرائيل على المنطقة. وخطورة هذا المقال وأمثاله أنها ترافق خطوات أميركية حديثة لفرض قيادة أمنية أميركية إسرائيلية، جديدها أخيراً الاجتماع التنسيقي في البحرين لجعل ذلك أمراً واقعا.

المشكلة أن شينكر لن يلقى مقاطعة من أصدقائه في الأردن نتيجة كلامه الوقح. والأخطر أنّ الدول العربية لن توقف التطبيع مع إسرائيل، فقد بلغت الاستهانة بالدم الفلسطيني والأمن القومي العربي أن مجازر تُرتكب وتعرض على الشاشات، فيما تُتَّخذ خطوات ترسيم الاستهانة بالدم المسال والأمن القومي العربي.