هل انتهت "الأزمة الأردنية"؟
أدّى استشهاد ضباط وضباط صف من الأمن العام الأردني، خلال فترة الاحتجاجات أخيرا في محافظات عديدة في المملكة، بخاصة في الجنوب، إلى تراجع حدّة الأزمة الاقتصادية - السياسية التي عصفت في البلاد، وأوقفت الناس على رؤوس أقدامهم أياما طويلة. ولكن هل تراجعت الاحتجاجات، وهل تعني حالة الهدوء النسبي الراهنة انتهاء الأزمة؟
من المهم عند الإجابة عن السؤال طرح أسئلة أخرى، في مقدمتها، السؤال الأكثر أهمية، وهو في تعريف الأزمة؟ كيف نقرأها؟ وقد تقودنا الأجوبة عليه إلى مسارات متعدّدة ومتضاربة، ربما تكشف لنا حجم الفرق الكبير بين رؤية دوائر القرار لما حدث ورؤية النخب السياسية؟ والحراك من جهةٍ ثالثة؟ والقوى السياسية المعارضة من جهةٍ رابعة؟ والشارع العام من جهةٍ خامسة؟ .. فمن الواضح أنّ هنالك تعدّداً في القراءات في تفسير ما حدث ولماذا حدث؟ ما أنتج اختلافات ملموسة وكبيرة في الرؤية بين الأطراف السابقة. ولعلّ الأسئلة السابقة المفتاحية تقودنا إلى عنوان لهذا المقال؛ فيما إذا انتهت الأزمة مع تراجع الاحتجاجات والحراك الشعبي وموجة الاعتقالات لمن ترى دوائر القرار فيهم "محرّضين" و"مشاركين في أعمال الشغب"؟ ولعل السؤال يحتاج سؤالا آخر: إلى أي درجة الأزمة عميقة وتكشف عن تحوّلات كبيرة وجوهرية في بنية العلاقة بين المجتمع والنظام؟ أم أنّ المسألة ترتبط بردود فعل طبيعية ومنطقية على ارتفاع أسعار الوقود والأسعار، ضمن الأزمة الاقتصادية العالمية، ومع الضغوط المالية على الموازنة العامة، ما يجعل الدولة أمام خيارين، أحلاهما مرّ؛ إما الاستمرار في القرار والتعامل مع احتجاجات كبيرة أو التراجع عن القرار والعودة إلى المربع الأول في الأزمة المالية وترحيل الاستحقاقات الخطيرة، كما تؤكّد الرواية الرسمية؟
الاختلاف في القراءات كبير جداً بين الأطراف السياسية الخمسة السابقة (دوائر القرار، النخب السياسية، الحراك، القوى المعارضة، الشارع) ما يمثل، بحدّ ذاته، تأكيداً على أنّ الأزمة عميقة جداً وأنّنا نفتقر إلى روايةٍ مشتركة، وفي الحدّ الأدنى أن رواية الدولة تائهة وغائبة تماماً أمام ليس فقط الشارع بل حتى لدى النخب السياسية والمعارضة على السواء!
ما سبق تؤكّده، بما أصبح يمثّل حقيقة ساطعة كالشمس، استطلاعات الرأي العام، بخاصة الصادرة عن مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، وقد ذهب مالك عثامنة (في مقالة له في صحيفة الغد الأردنية) إلى أنّ استطلاع الرأي الذي أعلنت نتائجه في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي كان جرس إنذار لم تدركه دوائر القرار. وفي الحقيقة، استطلاعات الرأي تقرع، منذ فترة طويلة، ليس فقط أجراس الإنذار بل طبول الحرب أيضا؛ فهي بصورة دورية ومتراكمة وبخط بياني متصاعد تشير إلى تجذّر أزمة الثقة والمصداقية بين الحكومات والشارع، وبأنّ المزاج العام يؤشّر بصورة ثابتة إلى الشعور بأنّنا نسير بالاتجاه الخاطئ، وبوجود حالة من عدم اليقين والضبابية أو ما أصبح يعرف بحالة عدم اليقين.
المفارقة، وهي من الملاحظات الأكثر خطورة، أنّ ما حدث أخيرا في الأزمة يعاكس تماماً الخط المعلن للدولة، الذي بدأ منذ عامين مع خطط التحديث السياسي والاقتصادي والإداري والإصرار على الدخول للمئوية الجديدة بروح تحديثيةٍ مدنيةٍ ديمقراطية، تقوم على تعزيز الحياة الحزبية والانتقال إلى مرحلة جديدة، فخلال الأزمة تبخّرت القوى السياسية جميعاً، بل الأصح القول "البنى السياسية"، الحكومة والأحزاب والمجتمع المدني والبرلمان، وظهرت البنى التقليدية فقط، وبدت العشائر وحيدة في المشهد، وهو الأمر الذي استمرّ مع الاجتماعات المتتالية لعشيرة بني صخر وإعلان النائب محمد عناد الفايز استقالته، وفي الوقت نفسه، موقف عشيرة بني حسن والعشائر الأخرى من الحكومة، عندما رفضت استقبال مسؤولين حكوميين!
الجانب الآخر من المفارقة يتمثل في أنّ التعامل الحاسم (العين الحمرا بتعبير الكاتب الأميركي كرتس رايان في مقالته للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات باللغة الإنكليزية قبل أيام) أدّى إلى تراجع آخر وكبير في الحريات العامة والإعلامية وعودة ملف الاعتقالات وحقوق الإنسان إلى الواجهة، ما يجعل الحديث عن تطوير الحياة الحزبية كأنّه خارج السياق تماماً.