هل المطلوب "مشاغلة" مصر؟

15 أكتوبر 2024

الرؤساء حسن شيخ محمود (يمين) وعبد الفتاح السيسي وأفورقي في أسمرة (رئاسة الجمهورية المصرية)

+ الخط -

استمع إلى المقال:

فاجأت مصر منطقة القرن الأفريقي بانعقاد القمة الثلاثية مع إريتريا والصومال في أسمرة، الخميس 10 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، وحضرها إلى جانب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نظيراه الإريتري أسياسى أفورقي والصومالي حسن شيخ محمود.

رغم الحديث عن فعالية اللقاء وأهميته على الصعيد الاقتصادي للدول الثلاث، إلا أنّ هناك من نظر إلى هذه القمة وحمّلها رسائل من الجانب المصري إلى الآخر الإثيوبي اللذين بينهما خلافاتٌ بدأت بقرار تشييد إثيوبيا سد النهضة على النيل الأزرق، وقد لا تنتهي بصراع النفوذ على البحر الأحمر بين البلدين.

لقد أثار المشروع حفيظة مصر ودفعها إلى تسجيل اعتراض شديد اللهجة إلى الجانب الإثيوبي، ما شرّع باب الصدام بين الدولتين، ففي أغسطس/ آب الماضي، أعلنت إثيوبيا أنها قامت بتشغيل توربينين جديدين على سد النهضة الكبير، ما يتيح لها مضاعفة إنتاجها من الكهرباء، بفضل هذا السدّ الضخم الذي بنته على نهر النيل، مسببًة مشكلاتٍ مع دول حوض النيل، في مقدّمتها مصر. ووفق وزير الري والموارد المائية المصري، هاني سويلم، تتقدم مصر قائمة الدول القاحلة والأقل من حيث معدل الأمطار، مع الاعتماد شبه المطلق على نهر النيل بنسبة 98%، لافتاً إلى أن سد النهضة الإثيوبي أحد المخاطر الرئيسية على مصر وأمنها الغذائي.

منذ اندلاع الحرب السودانية، وقفت مصر إلى جانب عبد الفتاح البرهان وأمدّته بالأسلحة وبالمسيّرات، بهدف إبعاد خطر قوات الدعم السريع عن حدودها

وطّد الخلاف المصري الإثيوبي العلاقة بين مصر والصومال، حيث تعاني الأخيرة من جارتها إثيوبيا التي اعترفت بإستقلالية إقليم "أرض الصومال" (صوماليلاند)، ما أعطى حقّاً لأديس أبابا بالوصول إلى ميناء بربرة، على البحر الأحمر. تحت عنوان "المصيبة تجمع"، وجدت القاهرة أن عليها التقدم خطوة إلى الأمام في ملفّ منع إثيوبيا من الاستمرار في مشروعها سدّ النهضة. ولهذا سارعت إلى دعم مقديشو، ليس حبّاً بها، بل من أجل ممارسة مزيدٍ من الضعط على جارتها أديس أبابا، وفرضها معادلة "الوصول إلى البحر الأحمر مقابل التخلي عن مشروعها في سدّ النهضة".

تضاف "أزمة النيل" إلى أزمات مصر، التي ارتفع منسوبها، خصوصًا مع رفض رئيسها السيسي عام 2020 تطبيق صفقة القرن التي طرحتها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. هي نفسها مصر اليوم تعيد رفضها التهجير القسري لفلسطينيي غزّة التي تلح عليه إسرائيل بمباركة أميركية فاضحة. فهل أزمات مصر في منطقة القرن الأفريقي جزءٌ من حرب "المشاغلة" التي تنتجها الإدارة الأميركية عبر تفعيلها الأزمات من دون التقدّم بحلول جذرية؟

كشف المتحدّث الإقليمي باسم الخارجية الأميركية سامويل وربيرغ عن موقف بلاده من أزمة سدّ النهضة الإثيوبي في الشهر الماضي (سبتمبر/ أيلول)، معتبراً أن بلاده لا يمكنها فرض القرارات على الدول، في ظلّ تركيزها على الدول الأفريقية، لأنها منطقة حساسة، ولها أهمية استراتيجية.

صحيح ما كشفه وربيرغ أن القارّة السمراء تقع ضمن الرؤية الاستراتيجية لصراع النفوذ بين أميركا وكل من ورسيا والصين تحديداً، لكنّ ما لم يصدق فيه عدم مقدرة بلاده من فرض القرارات على الدول، بل الأصح قولاً إن بلاده لا تسعى إلى ذلك، طالما أنّ القضية تقع ضمن دائرة الأولويات المصرية، وهذا ما تحتاجه اليوم لإشغال مصر عن قضايا أخرى في المنطقة.

تنتقل مشاغلة مصر من إثيوبيا إلى السودان، حيث هاجم مستشار قائد قوات الدعم السريع في السودان، الباشا طبيق، مصر، وقال إنه "حان الوقت لإيقاف كل الصادرات السودانية إليها"، وإن "الخيارات مفتوحة للتعامل مع الملف المصري". وكان قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) قد توجّه سابقاً إلى اتهام مصر بالتدخل في الشأن السوداني، وأنها تدمّر البنى التحتية من مصانع وجسور ومؤسّسات مدنية للسودان. فمنذ اندلاع الحرب السودانية، وقفت مصر إلى جانب عبد الفتاح البرهان وأمدّته بالأسلحة وبالمسيّرات، بهدف إبعاد خطر قوات الدعم السريع عن حدودها.

المطلوب "مشاغلة" مصر كي لا تكون عقبة أمام مشروع بناء إسرائيل الكبرى

تجد مصر في منطقة القرن الأفريقي حاجة إلى التدخل لحماية أمنها القومي والغذائي، ولكن هناك من يريد من مصر أن تغرق في حرب "مشاغلة"، علّ في ذلك ما يضعف من قدرتها على المقاومة والوقوف في وجه المشروع الأكبر الذي يحضّر للشرق الأوسط، والمتمثل بعملية "ترانسفير" لسكان غزّة إلى صحراء سيناء، بغرض إقامة موطن جديد لهم. وهذا ما كشفته وثيقةٌ مسرّبة من وزارة الاستخبارات الإسرائيلية عن مخطط تل أبيب لتهجير سكّان قطاع غزّة قسراً إلى سيناء. وتعود إلى أكتوبر/ تشرين الأول 2023، مشيرة إلى أن ذلك "سيحقق نتائج استراتيجية إيجابية طويلة الأمد".

المطلوب اليوم "مشاغلة" مصر التي تعدّ دولة إقليمية ذات وزن، كي لا تكون عقبة أمام المشروع الرئيسي نحو بناء إسرائيل الكبرى، في ظل الفوضى التي سبّبتها الحرب التي تخوضها إسرائيل على محور الممانعة. لهذا، الأمور ذاهبة نحو التصعيد، مع التعنّت الإسرائيلي برفض عودة سكان القطاع إلى مناطقهم، رغم إعلان جيش العدو، أنّ غزّة أصبحت "ساحة قتال ثانوية". ليس بالضرورة أن تنجح حرب المشاغلة في ثني القاهرة عن الاستمرار في الوقوف أمام المشروع الكبير، سيما وأن هناك إرادة صلبة عند الشعب الفلسطيني من التمسّك بأرضهم والحفاظ على هويتها، ولديها أيضا مروحة واسعة من الحلفاء الإقليميين والدوليين المعارضين تغيير الخريطة في الشرق الأوسط، والمطالبين بحق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته.

B3845DCD-936C-4393-BC7F-0B57226AC297
B3845DCD-936C-4393-BC7F-0B57226AC297
جيرار ديب
كاتب وأستاذ جامعي لبناني
جيرار ديب