فرصة الصين التاريخية

03 سبتمبر 2024
+ الخط -

ذكرت صحيفة واشنطن تايمز أن "الجيش الأميركي، لم تعد لديه، وللمرّة الأولى منذ عقود، حاملات طائرات في المحيطين الهندي والهادئ". وتوقّفت عند تزامن ذلك مع التوترات المتزايدة مع الصين بشأن الجزر المتنازع عليها بين الصين وتايوان في بحر الصين الجنوبي.
خشية من تصعيد إيراني محتمل مع إسرائيل، على خلفية ردّها المنتظر على اغتيال إسماعيل هنيّة، حيث قال قائد الحرس الثوري الإيراني، اللواء حسين سلامي، أمام حشد شعبي، في 24 الشهر الماضي (أغسطس/ آب) "ستسمعون أخباراً جيّدة بشأن انتقامنا"، أمرت وزارة الدفاع الأميركية أخيراً حاملة الطائرات "يو أس أس أبراهام لينكلون" بتسريع انتشارها من المحيط الهادئ إلى شرق المتوسّط. وفي وقت سابق، جرى إرسال حاملة الطائرات "يو أس أس ثيودور روزفلت"، إلى الشرق الأوسط أيضاً. وذكرت البحرية الأميركية في بيان، في 19 أغسطس الماضي، أنّ السفينتين الحربيتين موجودتان حاليّاً في خليج عُمان.

العقيدة العسكرية للحزب الحاكم في الصين، تدفع نحو إنهاء الصراع بالطرق الدبلوماسية، وألّا تذهب نحو أيّ تصعيد عسكري

"الأمر خطير" في منطقة المحيطَين بالنسبة إلى حلفاء أميركا، هذا ما يمكننا استنتاجه بعد عملية إعادة الانتشار للجيش الأميركي إذ أصبحت المنطقة خالية من حاملات الطائرات الأميركية للمرّة الأولى منذ العام 2001. قد يقرأ بعضهم في هذا رسالةً من إدارة الرئيس جو بايدن أنّها لا تريد التصعيد حالياً مع الصين، رغم تهديدات بكين المستمرّة لحلفائها في المنطقة من اليابان وتايوان وصولاً إلى الفيليبين.
بشكل شبه يومي، باتت الطائرات الصينية تنتهك أجواء تلك الدول، فهذا ما حصل مع طائرة مراقبة عسكرية صينية عندما خرقت الأجواء اليابانية قبالة الساحل الجنوبي الغربي للبلاد (26 أغسطس) في حدث وصفته وزارة الدفاع اليابانية بأنّه أوّل توغّل معروف من الجيش الصيني في المجال الجوي الياباني. حادثة الطائرة هذه، ليست عرضية، لأنّها واحدةً من مجموعة حوادث يتعمّدها الجيش الصيني لاستفزاز دول الجوار، في مقدمتها تايوان التي تعتبر "حليف الضرورة" للولايات المتّحدة.
يراقب الجيش الصيني بحذر إعادة التموضع والانتشار للجيش الأميركي في المنطقة، وقد لا يجد في هذا فرصته، لأنّه يدرك أنّ إدارة بايدن أمرت في المقابل حاملة الطائرات "يو أس أس جورج واشنطن" المتمركزة في سان دييغو، بالتوجّه إلى اليابان، لسدّ الفجوة الحاصلة، ولكنّها لن تصل إلى موقعها في أقلّ من شهر.
أمام هذه المشهدية المستغربة التي تشكّلها حركة التموضعات العسكرية الأميركية بين المحيط والبحر، هل هي حركة تصبّ لصالح بكين وتشكّل لها غطاءً زمنياً كافياً للتحرّك وضمّ تايوان إليها تحت شعار ترفعه حكومتها "شعب واحد وبلد واحد"؟ أم ستكتفي بكين بالمراقبة والقيام بالاستفزاز تحسّباً من أي صدام عسكري مباشر مع تلك المجموعات (الطوق)، التي شكّلتها واشنطن لمحاصرة الصين على رأسها مجموعة "كواد"؟
على وقع كلمات بيت المتنبي، "مصائب قوم عند قوم فوائد"، تجد الصين فائدةً في الاستنفار الأميركي في منطقة الشرق الأوسط من خلال ما حقّقته إيران من اعتماد (سهواً أو عمداً) سياسة "الإلهاء" لها في البحر الأبيض المتوسّط، على حساب وجودها في مياه بحرها الجنوبي. فوائد للصين عسكرياً ودفعاً لها نحو تحقيق أهدافها، لكنّ هذا التواجد يعتبر بمثابة مصائب على شعوب منطقة الشرق التي تستعدّ للانزلاق نحو الحرب الكبرى.
هي الفرصة التي لن تتكرّر بالنسبة إلى بكين، لاسيّما أنّ هناك فترة 30 يوماً لوصول تلك الحاملة. لكنّ حساب الحقل قد لا ينسجم مع حساب البيدر، لاسيّما أنّ العقيدة العسكرية الصينية للحزب الحاكم في الصين، تدفع نحو إنهاء الصراع بالطرق الدبلوماسية، وألّا تذهب نحو أيّ تصعيد عسكري.

تسقط مبادئ العقيدة الصينية أمام الإصرار الأميركي على الاعتراف باستقلال جزيرة تايوان، من خلال الاعتراف بالرئيس المنتخب لاي تشينغ تي 

ما يفسّر عمق العقيدة دعوة نائب رئيس اللجنة العسكرية المركزية الصينية، تشانغ يو شيا، الولايات المتّحدة إلى "العودة إلى سياسة عقلانية تجاه الصين، وحثّها للعمل على تعزيز التفاعل والتبادل بين جيشي البلدين". جاء ذلك خلال لقاء تشانغ يو شيا (29 أغسطس/ آب) مع مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، جيك سوليفان، الذي نشره الحساب الرسمي له على شبكة التواصل الاجتماعي WeChat، إذ شدّد المسؤول العسكري الصيني على أنّ بلاده تأمل في أن "تتبع الولايات المتّحدة والصين طريق الاحترام المتبادل والتعايش السلمي والتعاون متبادل المنفعة".
تسقط مبادئ تلك العقيدة الصينية أمام الإصرار الأميركي على الاعتراف باستقلال جزيرة تايوان، من خلال الاعتراف بالرئيس المنتخب لاي تشينغ تي الذي تتّهمه الصين بأنّه صُنع في البيت الأبيض. فما صرّح به تي أمام ضبّاط القوات الجوّية، في كلمة نُشرت له في يوليو/ تمّوز الماضي، من أن "شعب تايوان هو الوحيد القادر على تقرير مستقبله"، هو الشيء الوحيد الذي يثير استفزاز بكين والذي قد يدفع بها نحو الحرب.
هل هي الفرصة الصينية الحقيقية من القيام بضربة خاطفة تجاه تايوان لضمّها بالقوة إلى أراضيها بعدما تعثّرت كافّة الطرق الدبلوماسية لذلك؟ وأن تعمل على الاستفادة من استغلال الوضع القائم في منطقة المحيطين، وتقدم على تحقيق حلمها، كما تفعل اليوم إسرائيل في فلسطين، حيث تستغلّ وجود الأميركي في المنطقة، والذي يشكّل قوة رادعة حقيقية لمحور الممانعة، حيث عملت على تدمير قطاع غزّة وتهجير ناسها، وها هي اليوم تقوم بالعمل ذاته في الضفّة الغربية لتحقّق "صفقة القرن"، التي وقّعها دونالد ترامب؟