نظام قاعدي يديره القصر الجمهوري

18 مارس 2023
+ الخط -

رغم اعتراض الجميع تقريبا باستثناء بعض الأنصار، نجح الرئيس التونسي، قيس سعيّد، في تحويل المستحيل إلى واقع، فالنظام القاعدي الذي تحدّث عنه منذ 2012، واستهجنه السياسيون، بمن فيهم مختلف مجموعات أقصى اليسار، وحتى الذين ما زالوا يساندونه، واعتبروه فكرة طوباوية راودت بعض الاشتراكيين في مرحلة خلت قبل أن تنهزم تاريخيا، ها هي تصبح القاعدة الدستورية للنظام السياسي والمؤسّساتي في تونس، بعد أن كانت مجرّد فرضية بين دفّتي كرّاس صغير لصاحبه قيس سعيّد. لقد طبق معظم الفصول حرفيا، لم يبق سوى جوانب قليلة، مثل مجالس الأقاليم والجهات، وتغيير وضع البلديات، وتحجيم دور المنظّمات والجمعيات.

لم يكن هذا النظام اختيارا شعبيا، وإنما هو نابعٌ من قناعة فردية، حوّلها الرئيس إلى نظامٍ ملزمٍ للجميع، اعتقادا منه بأنه الأفضل لخدمة الشعب، وباسم الشعب، فهو اعتبر أن النسبة العالية من الأصوات التي حصل عليها في الانتخابات الرئاسية (2019) كافية لكي تمكّنه من شطب معارضيه وتغيير النظام السياسي، وتفويضا له من التونسيين لتجسيد كل أحلامه. وبناء عليه، شرع في إعادة هندسة مؤسّسات الدولة، فجرّد خصومه من أسلحتهم، بما في ذلك حقوقهم الأساسية، مستعملا في ذلك القانون، ومستفيدا من أجهزة الدولة نفسها، وفي مقدّمتها المؤسّسات الصلبة.

يُعتبر البرلمان الجديد الواجهة الرئيسية لهذا النظام القاعدي الذي جرى انتخابه وفق قانون انتخابي خاص، وضعه الرئيس بنفسه من أجل إقصاء المعارضين لما حدث في 25 جويلية (يوليو/ تموز) 2021. وفي جلسة افتتاح هذا البرلمان، وجّه قيس سعيّد رسالة واضحة وحازمة إلى النواب مضمونها أنهم سيكونون تحت مقصلة سحب الوكالة منهم في كل لحظة وحين. كما تمارس حاليا ضغوطٌ، مباشرة وغير مباشرة، عليهم من أجل عدم التنصيص في القانون الداخلي على آلية الكتل البرلمانية، بحكم أن رئيس الدولة هاجم نظام الكتل، واعتبره تخريبا للحياة السياسية، في حين أن الدافع وراء ذلك هو القضاء على الأحزاب والحزبية بشكل تدريجي، وتعميق الاختلال وعدم التوازن بين السلطة التنفيذية، مجسّدة في رئاسة الجمهورية، وبين برلمانٍ لم يعد سلطة، وإنما مجرّد وظيفة، ولا يمثل قوة موازية، وإنما يتشكّل من أفراد في حالة تشظٍّ يمكن التأثير عليهم والتحكّم فيهم وتغييرهم إن لزم الأمر من دون اللجوء إلى حل البرلمان.

وقد زادت هذه الفكرة رسوخا لدى الرئيس، بعد أن راج احتمال عزل أغلبية برلمانية الرئيس، والتي بني عليها سيناريو "المؤامرة على أمن الدولة الداخلي والخارجي" التي يسجن بسببها قادةٌ سياسيون ومؤثّرون في الشأن العام حاليا، وهو ما دفع الاتحاد الأوروبي إلى إصدار بيان دان فيه ما وصفه بـ "المنحى الاستبدادي" للرئيس سعيّد، ووقف المساعدات المالية التي كانت مخصّصة لوزارتي الداخلية والعدل، وهو إجراء لم يسبق أن اتخذه الأوروبيون حتى خلال تصاعد طغيان الرئيس بن علي. وهناك توقع أن يعلن مجلس الاتحاد الأوروبي في اجتماعه بعد غد الاثنين (20 مارس/ آذار الجاري) مزيدا من القرارات الموجعة ضد تونس، بسبب قلقه المتزايد حسب تعبيره تجاه تدهور حقوق الإنسان والحرّيات.

في ضوء هذا العرض، يتبيّن أن النظام القاعدي الذي تم تركيزه حاليا في تونس هو نظام حكم فردي بامتياز، وليس بالنظام القائم على المشاركة الشعبية الواسعة كما يُفهم من ظاهر الكلمة. وهو ما دفع سالم لبيض، صاحب الصوت الناشز داخل حركة الشعب، المناصرة بقوة للرئيس سعيّد إلى وصف البرلمان الحالي بأنه مجرّد "ديكور للسلطة".

لم يكن قيس سعيّد قبل الثورة منتميا إلى حزب التجمّع الدستوري الديمقراطي التونسي (الحاكم إبّان عهد بن علي)، فكان متوقعا من نظامه القاعدي أن يفرز وجوها جديدة من خارج النخبة السياسية التي يريد التخلّص منها، فكانت النتيجة أن أعضاء نصف البرلمان تجمّعيون قدامى؟ هل يعود ذلك إلى قدرة الحزب القديم على التلوّن والاختراق، أم أن المشكلة أعمق من مجرّد تغيير شكل النظام؟

266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس