نتنياهو... وجه إسرائيل اليميني
تنهي الانتخابات الإسرائيلية التي جرت في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري فترة عصف سياسي غير مستقرّ، جعل الإسرائيليين يعودون إلى صناديق الانتخابات خمس مرّات متتالية، شكّلت اختبارات مضنية، فشل فيها المجتمع الإسرائيلي في التعبير السياسي عن نفسه بوضوح. وحسمت انتخابات الثلاثاء الماضي الخط السياسي، فأظهرت وجه إسرائيل النهائي بإعادة بنيامين نتنياهو إلى الصدارة، وخروج حزب ميرتس اليساري من الكنيست، بعد أن فشل في تجاوز العتبة الانتخابية، والبالغة 3.4% من الأصوات، وبتراجع حزب العمل إلى المركز الأخير في القوائم الانتخابية الناجحة، حيث بالكاد استطاع تجاوز نسبة الحسم، واحتل أربعة مقاعد في الكنيست.
يستطيع نتنياهو أن يشكّل حكومة بسهولة نسبية، ولديه خيارات تجعله قادرا على ترؤس حكومة يمينية مع ميل بسيط نحو الوسط، أو يمينية خالصة مع بعض التشدّد الراديكالي، أو يمينية متطرّفة متعصبة. وفي القوائم الانتخابية الناجحة خيارات واسعة تتيح له ترف الانتقاء، فمن الناحية العملية جميع القوائم الانتخابية مرشّحة للدخول في تحالف مع نتنياهو، باستثناء القوائم العربية (10 مقاعد) وقائمة حزب العمل (أربعة مقاعد). أما ما تبقى فكلها خياراتٌ واردةٌ تتوقف على شكل السياسة التي يريد نتنياهو انتهاجها خلال السنوات الأربع المقبلة، ومع فقدان قائمة أفيغدور ليبرمان ميزتها "صانع ملوك"، فنتنياهو يستطيع أن يضع في جيبه، كما كان يفعل دائما، حركة شاس وحزب يهودت هتوراة، ليضمن 50 مقعدا، هي حصيلة ما تملكه الأحزاب الثلاثة، وعملية البحث عن المقاعد الأحد عشر الباقية، ليعبر تصويت الثقة في الكنيست، هي عملية بسيطة وتحدّدها رغبة نتنياهو وخيار نهجه السياسي.
خيار التهوّر الأقصى هو ضم حزب "الصهيونية الدينية" المتطرّف، والذي كان نجم الانتخابات الأخيرة، وحصل فيها على 14 مقعدا. يريد هذا الحزب سيادة إسرائيلية على كل المستوطنات مع توسيعها، ويذهب بعض أعضائه بعيدا إلى ضم الضفة الغربية كلها، وإيقاف أي محادثاتٍ مع الفلسطينيين، بالإضافة إلى المواقف الدينية التي تدعو إلى التدريس الديني وإحلال الشرائع اليهودية. أما أخطر ما يريد هذا الحزب القيام به هو السماح لليهود بالصلاة في باحات المسجد الأقصى، وهذا استفزاز خطير للفلسطينيين، بالإضافة إلى مطالباته بتطبيق عقوبة الإعدام على الفلسطينيين الذين يقومون بعمليات عسكرية على الجانب الإسرائيلي. يمكن لهذا الحزب، فيما لو اشترك في الحكومة، أن يفرض شروطاً على نتنياهو، يضيف إلى تطرّفه تطرّفاً، وقد يحدّ من هامش مناوراته، ليوجّه سياساته بشكل صارم نحو مزيد من اليمين.
الخيار الثاني هو تحالف نتنياهو مع بني غانتس وحزب الوحدة الوطنية، رغم أن تاريخ علاقات غانتس ونتنياهو سيئ، ولم يدم تحالفهما طويلاً، كما أن غانتس قال إنه سيكون في المعارضة، ولا يرغب بالاشتراك في حكومة نتنياهو. ولكن إذا أراد نتنياهو التخفيف من التشدّد عليه اللجوء إلى غانتس. ومثل هذا التحالف سيلقى قبولا أميركيا وشكلا أفضل للحكومة الإسرائيلية أمام أوروبا. هذه الحكومة التي يمكنها، في الوقت ذاته، أن تمارس سياسة متشدّدة تجاه الفلسطينيين، وهو ما تقوم به حاليا، بغض النظر عن توجّه الأحزاب التي تشكلها، فقد قصفت غزة أمس، ورئيس الحكومة ليبيد محسوبٌ على اليسار. وهذا يمكن أن يكون خياراً بعيداً لنتنياهو، فيما لو أراد التحرّر أكثر من يمينية الأحزاب. وفي التاريخ السياسي الإسرائيلي، حدث تحالف نادر بين إسحاق شامير وشمعون بيريس قطبي اليمين واليسار، عندما تناوبا على رئاسة الحكومة، لكنه يبقى اليوم خيارا بعيدا، فنتنياهو يريد أن يكون رئيساً للوزراء أربع سنوات يكون بعدها قد بلغ السابعة والسبعين.
يمكن اعتبار هذه الانتخابات "نصراً" لليمين الإسرائيلي ونصرا للتطرّف. وهي بمعنى ما، نصرٌ خاص لنتنياهو، بما تتيحه له من خيارات، فبقدر ما هي لحظة من لحظات اليمين الإسرائيلي، فهي تشكّل لحظة من لحظات نتنياهو، مع ملاحظة أن الاثنين شيء واحد.