من يفرض الحلّ في ليبيا؟

من يفرض الحلّ في ليبيا؟

04 يناير 2023
+ الخط -

بعد مرور أكثر من عام على تأجيل انتخاباتها الرئاسية التي كانت مقرّرة في 24 ديسمبر/ كانون الأول 2021، تجد ليبيا نفسها في حالة جمود سياسي وعجز عن التقدّم نحو الخروج من الأزمة والوصول إلى حالة الاستقرار التي يتمنّاها الشعب. ورغم أنّ الإنجاز الأساسي الذي تحقق هو تواصل حالة السلام الهشّ وتوقف الحرب الشاملة، رغم حصول بعض المناوشات الجزئية في مواقع مختلفة، ويبدو أن استئناف القتال مستبعدٌ في الوقت الراهن، بسبب فيتو دولي على عودة الحرب إلى ليبيا بعيدا عن الجعجعة التي تصدُر عن هذا الطرف أو ذاك.

وفي الوقت الذي تعلن فيه جميع الأطراف، وبصورة معلنة، عن رغبتها في تنظيم الانتخابات، والوصول إلى بناء نظام سياسي شرعي ومستقر، إلا أن الممارسات والمواقف الواقعية التي تتبنّاها تكشف عن تعطيل فعلي لمسار الانتخابات والبحث عن صيغ أخرى لإدارة البلاد بشكل محاصصاتٍ عانت منها طويلا في السنوات الماضية. وكشف المبعوث الأممي، عبد الله باتيلي، في إحاطته أمام مجلس الأمن في 16 الشهر الماضي (ديسمبر/ كانون الأول) أن رئيسي مجلسي النواب والدولة يتحمّلان مسؤولية تعطيل مسار الانتخابات الليبية بسبب عجزهما عن إيجاد صيغة تفاهم لحل الخلافات الحاصلة بخصوص القاعدة الدستورية. وطالب المبعوث الأممي بوضوح مجلس الأمن أن يسعى إلى "استخدام آلياتٍ بديلةٍ للتخفيف من المعاناة التي تسببها الترتيبات السياسية المؤقتة، التي عفا عليها الزمن، ومفتوحة بلا سقف زمني". ووجد موقف المبعوث الأممي دعما واضحا من الدول الكبرى، وخصوصا مجموعة الأربعة (بريطانيا والولايات المتحدة وايطاليا وألمانيا) التي أكّدت، في بيانات منفصلة، أنها ستسعى إلى إيجاد بدائل أخرى، إذا فشل المجلسان المتنازعان في ليبيا في الوصول إلى اتفاق يسمح بإجراء انتخابات في وقت قريب.

والحقيقة أنّ الوضع الحالي في ليبيا هو ضحية تنازع داخلي وتدخل خارجي يعطّل الوصول إلى تفاهم يسمح بتجديد المؤسسات السياسية للدولة الليبية، ففي ظل برلمان مزمن تجاوز فترة نيابته للشعب بسنوات وحكومات متنازعة بين الشرق والغرب ومليشيات تهدّد، في كل لحظة، باستئناف الحرب، يظل السؤال قائما عن الصيغة المثلى لمجاوزة الأزمة، فليست هناك حالياً في ليبيا مؤسسة دستورية أو قوة محل إجماع وطني يمكن الانطلاق منها لإعادة التأسيس والوصول إلى الحلّ، فالمفاوضات بين رئيس مجلس النواب في الشرق، عقيلة صالح، ورئيس مجلس الدولة في الغرب، خالد المشري، فشلت في تحقيق التفاهم على القاعدة الدستورية، وتحديداً على بعض التفاصيل المتعلقة بشروط الترشّح وقواعد الانتخاب، لتتحوّل المفاوضات بين الطرفين إلى حلقة مفرغة، والتركيز على تفاهماتٍ من أجل تشكيل حكومة جديدة تكون بديلا لحكومتي فتحي باشاغا وعبد الحميد الدبيبة، والاتفاق على المحاصصة في تقاسم المناصب، وهو ما يعني أنّ طرفي التفاوض لا يرغبان فعلياً في الوصول إلى انتخاباتٍ بقدر ما يعملان على تأبيد الوضع الحالي، ولا ينبغي أن نغفل هنا عن أنّ كلّاً من مجلسي النواب والدولة لا يملكان قرارهما، بقدر ما يخضعان لقوى مليشياوية وأصحاب النفوذ الفعلي الذين وجدوا فائدة فعلية في استمرار الوضع على ما هو عليه.

ما يزيد الوضع الليبي تعقيداً اتساع دائرة الفساد الذي ينخر أجهزة الدولة وتضخّم حجم المستفيدين منه

ربما كانت البدائل التي تسعى الدول الأربع (بريطانيا والولايات المتحدة وايطاليا وألمانيا) إلى طرحها عبر المبعوث الأممي تكمن في تكرار تجربة المبعوثة الأممية السابقة بالنيابة، الأميركية ستيفاني وليامز، عندما شكّلت ملتقى الحوار الوطني من 73 عضوا، بينهم 26 عضوا من مجلسي النواب والدولة، غير أنه قد يتم استبعاد تمثيلية المجلسين هذه المرّة. لكنّ بديلاً كهذا لا يملك فرصاً كبيرة للنجاح، بالنظر إلى عدة عوامل، أهمها أنّ القوى الفعلية على الأرض، والتي تتحكّم في المليشيات قد ترفض خياراً كهذا، إذا لم تكن هي صاحبة اليد الطولى فيه. وحتى إذا جرى التفاهم على قاعدة دستورية لتنظيم الانتخابات فإنها لن تجري إلا بموافقة الرجلين القويين حاليا، خليفة حفتر في الشرق وعبد الحميد الدبيبة في الغرب.

وما يزيد الوضع الليبي تعقيداً اتساع دائرة الفساد الذي ينخر أجهزة الدولة وتضخّم حجم المستفيدين منه، ويكفي أن نورد في هذا الإطار ما ذكرته دراسة لمعهد الأمم المتحدة الإقليمي لأبحاث الجريمة والعدالة، ونقل فحواها مركز "أوراسيا ريفيو" للدراسات والبحوث الأميركي، أن متوسّط الخسارة السنوية من التدفقات المالية غير المشروعة في ليبيا يقدّر ب 1.2 مليار دولار. وأوضح المركز أنّ هذه الخسارة تستفيد منها مافيا تهريب المهاجرين، بالإضافة إلى حوالي 30 مليون دولار سنوياً من تهريب الأسلحة الخفيفة، في غياب سيطرة الدولة على أراضيها الشاسعة.

الأزمة الليبية معقّدة تتداخل فيها عوامل محلية وإقليمية ودولية، وتتقاطع في تأجيل إيجاد حل سياسي نهائي، وإعادة الدولة إلى صورتها المعتادة وبناء المؤسسات بشكل ديمقراطي، غير أنّ هذا الانتظار الطويل لإجراء الانتخابات أصبح عبئاً ثقيلاً يعانيه المواطن الليبي الذي ما زال بانتظار لحظة الخروج من هذا النفق.

B4DD7175-6D7F-4D5A-BE47-7FF4A1811063
سمير حمدي

كاتب وباحث تونسي في الفكر السياسي، حاصل على الأستاذية في الفلسفة والعلوم الإنسانية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس ـ تونس، نشرت مقالات ودراسات في عدة صحف ومجلات. وله كتب قيد النشر.