مفتاح الإصلاح المنشود في الأردن
بالرغم من الضجيج الهائل في عمّان بشأن الإصلاح السياسي ومخرجات لجنة تحديث المنظومة السياسية، وبالرغم من إقرار التعديلات الدستورية والتحضير لإقرار قوانين الانتخاب والأحزاب الموصى بها من اللجنة، وبالرغم، ثالثاً، من الحراك الملموس في تأسيس أحزاب سياسية جديدة وتشكيلها؛ إلا أنّ هنالك مناخا ملبّدا بالشكوك والتشكيك والرهان على أنّ تغييراً لن يحدث، وسنبقى ندور في "الحلقة المفرغة" نفسها، من توصيات اللجان والوعود الإصلاحية، ومصير ذلك كلّه ما حدث مسبقاً من تراجع إلى وراء.
قبل أيامٍ قليلة، انضم رئيس مجلس الأعيان، فيصل الفايز، إلى حلف المشكّكين والمتشككين في الإصلاح الديمقراطي وأهميته، بصورة غير مباشرة، بتأكيده أنّ الإصلاح السياسي لا يتجاوز أن يكون ترفاً لدى النخب السياسية في عمّان، فيما كلّ ما يعني باقي محافظات المملكة والشارع لقمة الخبز والوظيفة والظروف الاقتصادية القهرية.
لم يمارس الفايز أداءً منفرداً (صولو) وسط النخبة السياسية المحسوبة على الدولة، بل كان جزءاً من أوركسترا عزفت لحن التخويف والتشكيك بالمضي نحو حياة حزبية، بدعوى الخشية على الهوية الوطنية أو التأكيد على أنّ الأولوية اقتصادية، أو التأكيد على أنّ المجتمع غير جاهز بعد للحياة الحزبية والانتقال إلى الحكومات ذات الأغلبية الحزبية.
في الأثناء، وكحركة معاكسة للانفتاح السياسي المنشود، أعلنت جماعة الإخوان المسلمين (الأم، هناك جماعة منشقّة عنها أخذت قانونياً الاسم الرسمي)، وذراعها السياسي حزب جبهة العمل الإسلامي، مقاطعة الانتخابات المحلية (البلدية واللامركزية)، فيما يبدو أنّه عمل سياسي مرتبط بالأزمة المتراكمة والتوتر المستمر بينهم وبين الحكومات المتعاقبة، بخاصة بعد تجميد عضوية نائب من نوابه عامين، على خلفية مشاجرة في مجلس النواب، ما اعتبرته الجماعة تصعيداً. وفي الأثناء أيضاً، اجتمع معلمون مفصولون في مبنى وزارة التربية والتعليم، وقاموا باعتصام سلمي، احتجاجاً على عدم إعادتهم إلى أعمالهم، بعد أن كانوا قد فصلوا بسبب مشاركتهم في أنشطة نقابة المعلمين.
ما تزال جهود ترجمة مخرجات اللجنة الملكية تدور في فلك ندوات المجتمع المدني ومحاضراته وأنشطته، ومحاولات شخصيات سياسية تشكيل أحزابٍ، بالإضافة إلى القنوات الرسمية التي تمرّ من خلالها تشريعات اللجنة بصعوبة شديدة، وسط خطاباتٍ عرمرميةٍ وناريةٍ تشكّك بالمشروع الإصلاحي برمته من تياراتٍ سياسيةٍ متعدّدة.
مثل هذا المشروع الطموح المدعوم من الملك مباشرة من المفترض أن يكون على أبواب المئوية الثانية للدولة بمثابة انعطافة سياسية حقيقية في تاريخ البلاد، ويشحذ طاقة الجميع للمشاركة في الانتقال نحو نموذج ديمقراطي، أيا كانت التحفظات من المعارضة أو قوى سياسية عليه، فهو، في الحدّ الأدنى، خطوة مهمة أفضل بكثير من الوضع الراهن الذي يشتكي منه الجميع!
ما هي كلمة السرّ المطلوبة لتغيير المزاج العام، ونقله إلى حالة من التفاعل والإيجابية وإضعاف حجج المشكّكين والمتخوفين والمخوّفين من المشروع الإصلاحي؟ الكلمة هي المناخ السياسي، فمن غير الممكن، ولا المنطقي، الحديث عن إصلاح سياسي ديمقراطي في مناخ مشحون بالتوتر بين الجميع، ولا توجد فيه على أرض الواقع بوادر وإرهاصات لانفتاح سياسي واقعي، على صعيد النقاش الإعلامي والحريات العامة والرسائل التي تؤكّد أنّنا أمام مرحلة جديدة من العمل العام لإنعاش (واسترداد) الثقة بمؤسسات الدولة، والعملية الديمقراطية، وتحفيز جيلٍ من القيادات الشبابية للانتقال من حالة الغضب والاحتقان والحرد إلى العمل السياسي تحت قبّة البرلمان.
تتحدّث الدولة عن الإصلاح وكأنّه منفصلٌ عن الواقع السياسي، وتمضي خطوةً إلى اليمين ثم أخرى إلى اليسار، وهذا مشهد بحدّ ذاته سيؤدي إلى إضعاف مصداقية المشروع الجديد، ويعزّز الشكوك حوله! لن تتشكل الحالة الحزبية، ولن يشعر جيل الشباب بالاطمئنان إلى الخطوات المطلوبة من دون أن يكون المناخ السياسي مهيئاً لمثل هذا التغيير، وذلك يستدعي رسائل ولقاءات وحواراتٍ تؤدّي إلى إقناع الغالبية العظمي بأنّ المسار الحالي هو الرئيس، وأنّ المشاغبات والتخوّفات لن تضعف النيات الحقيقية لدى الدولة بالانتقال المطلوب.
أخطر ما في المشهد الأردني اليوم أنّ جيلاً عريضاً من الشباب المتعطش للعمل السياسي رفع سقف توقعاته نتيجة الخطاب المرافق لمخرجات اللجنة، وأي نكوصٍ أو ارتدادٍ إلى الخلف ستكون نتائجه وخيمة على الحالة العامة، وعلى آمال هذا الجيل وطموحاته.