مصير العقوبات على سورية
بانتهاء ولاية الرئيس الأميركي جو بايدن الحالية ينتهي "قانون قيصر" تلقائياً، إذ يتضمن فقرة تفيد بأن مفاعيله ستتوقف بعد انقضاء خمس سنوات على تاريخ سنّه، وهو 20 ديسمبر/ كانون الأول 2019، وقد التزمت إدارة دونالد ترامب بالقانون الذي صدر برعايتها، ثم جاء بايدن وبدا عليه الإصرار أيضاً على التمسّك به. وقالت إدارته، أكثر من مرة، إنها ستكون جادّة حيال الدول التي تخرقه، وكان الاستهداف، بشكل رئيسي، لجهود إعادة الإعمار التي حاولت روسيا إطلاقها، ونجحت في جرّ بعض الدول العربية إلى تبنّي الفكرة، وقد مشت بعضها خطواتٍ إلى الأمام في هذا الأمر، ولكن جدّية بايدن وتلويحه بتنفيذ القانون خفّفا من زخم المحاولات، من دون إجهاضها تماماً، خصوصاً أن خلافات خليجية أميركية قد طفت على السطح بشأن مواضع الطاقة، بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، لكن إدارة بايدن تبدو (إلى حينه) رافضة دمج النظام السوري مرّة أخرى في المجتمع الدولي، كما تبدو راغبةً بالاستثمار في الضعف الاقتصادي السوري لاستنزاف روسيا أكثر، حيث تعتبِر روسيا سورية من مناطق النفوذ التي لا يمكن خسارتها، ونهضتها الاقتصادية وإعادة عمرانها تفيدان روسيا بشكل مباشر، وهي تتعهد ميناء طرطوس مدة طويلة، وهو منفذ تدخل منه نسبة كبيرة جدّاً من الواردات.
بادرت الولايات المتحدة إلى معاقبة سورية بشكل سريع، فقد كانت أول دولة تُعلن عقوبات على النظام بعد اندلاع الثورة، فأصدرت إدارة أوباما عقوبة ذات شكل رمزي في 29 إبريل/ نيسان 2011، وذلك بحظر ممتلكات بعض الشخصيات والكيانات السورية، ماهر الأسد وعلي مملوك وعاطف نجيب، وعلى إدارة المخابرات العامة، ثم توالت العقوبات بسرعة حتى وصلت، بحلول مايو/ أيار 2012، إلى خمس عقوبات، ألحق بها جداول شملت أسماء مسؤولي النظام وكياناته المختلفة، كما تضمّنت بعض كيانات المعارضة، وخصوصاً ذات الطابع الإسلامي منها. استطاع النظام، بمساعدة حلفائه في إيران، ابتلاع كل تلك العقوبات التي لم تؤثر بشكل حاسم، فالشخصيات والكيانات المذكورة لم تكن على علاقة مباشرة مع الولايات المتحدة، لكن الموقف الأميركي استمرّ واضحاً في تصريح أوباما الذي كرّره مرات عدة، أن الأسد فقد شرعيته وعليه المغادرة. رغم هذا التأكيد، وافق أوباما، بعد وساطة روسية، على تفكيك ترسانة النظام الكيميائية، بدلاً من ضربها، ما يعكس حيرة سياسية وإحجاماً عن المبادرة، وقد مدّ هذا في عمر النظام طويلاً، فالعقوبات كانت ذات طابع سياسي، ولم تؤثر كثيراً على وضعية النظام في الاستمرار بالحكم.
حين حلّ موعد تطبيق قانون قيصر، كانت خطوط التماسّ قد عرفت، وهدأت الجبهات، وكان على النظام وحلفائه التوقف للعق الجراح، الأمر الذي أربك الوضع الاقتصادي بشدّة، وتدهورت قيمة العملة السورية حتى وصلت قيمة الدولار إلى أكثر من ستة آلاف ليرة سورية، وما زال التهاوي مستمرّاً. ولكن ذلك كله لم يشكل خطورة حقيقية على بقاء النظام. أما قانون قيصر الذي سينتهي بحلول عام 2024، فقد أسهم في توقيف إعادة الإعمار، ومع انتهاء مفعوله سنكون في مواجهة ثلاثة احتمالات: أن يُعاد انتخاب بايدن، وهذا سيساهم في انهيار الاقتصاد السوري أكثر، من دون أن يؤثر على وضعية النظام، أو أن يأتي ترامب من جديد بما لديه من علاقات غامضة مع بوتين، مع إصرار على استمرار الضغط الاقتصادي على النظام الأسدي. كما يمكن أن تأتي إدارة جمهورية جديدة ترغب بتقليب الصفحات، وهذه ربما تمنح النظام فرصة أخرى، وخصوصاً مع موجات دفع عربية وإقليمية باتجاهه، من دون الوصول إلى مرحلة التطبيع الكامل معه. ويقع التعويل الحقيقي على السوريين إن كانوا قادرين على تحمّل المزيد، أم أن موجة جديدة من الانتفاضات في الداخل أو التحرّكات المختلفة خارجياً، يمكن أن تغير الأوضاع فعلياً.