مجدّداً ... ترامب يواجه مرشّحة سيدة
يعيد الحزب الديمقراطي في أميركا ما فعله قبل ثماني سنوات، عندما قدّم سيدة للمنافسة على منصب الرئيس. وفي المرّتين، كان المنافس هو دونالد ترامب، الذي نجح في الأولى أمام هيلاري كلينتون، بعد أن أظهرت النتائج الشعبية أنها فازت بأكثرية واضحة، ولكنها لم تجتز، في الواقع، الحاجز المفترض في المجمع الانتخابي، وهي طريقة أميركية فريدة في حسابات نتائج الانتخاب. يظهر المجتمع الأميركي مستوعباً لوجود سيدة مرشّحة ومؤيداً لها على صعيد شعبي وازن، إلا أن هناك أيضاً، كما يبدو، قطاعات هامة ومؤثرة انتخابياً، ما زال لديها تحفّظ من مشاهدة امرأة في البيت الأبيض. وكان قد تسرّب خلال انتخابات 2016 شريط قديم يقول فيه ترامب إنه "قادر على أن يفعل أيّ شيء بالنساء"، اعتذر عنه لاحقاً، لكنه يبقى قائماً اعتبارُه مهيناً للمرأة، وخصوصاً إذا استخدمه رجلٌ ينافس امرأة. ورغم ذلك، لم يكن هذا التصريح فعّالاً بقدر ملابسات بريد هيلاري الإلكتروني الذي أثار لغطاً خلال الدقائق الأخيرة يوم الانتخابات، وكان كافياً أن يودي بها وبمشروع الحزب الديمقراطي الهادف إلى إيصال سيدة إلى كرسي الرئاسة.
لم يتخلَّ الديمقراطيون عن النساء، رغم تلك النتيجة، فقد اعتمد بايدن على سيدةٍ خلال حملته في انتخابات 2020، عندما اختار كمالا هاريس، ووضعها في الموقع الثاني مباشرة بعده، حيث استطاع الثنائي قلب الطاولة في وجه ترامب وإخراجه من البيت الأبيض، رغم الشعبيّة الواسعة التي يتمتّع بها. ومضى الديمقراطيون في سياستهم النسائية عندما وصلت 93 سيدة إلى الكونغرس، وهو عدد يعادل تقريباً ثلاثة أضعاف الجمهوريات في المجلس نفسه. يشير العدد إلى الزخم النسائي في نسيج الحزب الديمقراطي. وتأتي قضية الإجهاض، وهي شأن نسائي خالص، في صلب الحملة الانتخابية لكامالا هاريس، ومن عناوين التحدّي الكبير الراهنة بين الحزبين، حيث ما زال جمهوريون كثيرون يقفون موقفاً مضادّاً للفكرة، ويضعها مرشّحهم في قمّة السردية الانتخابية التي يجري تبنّيها لجذب فئات شعبية أكبر.
تختلف في كل انتخابات رئاسية أميركية العناوين الأساسية للمنافسة، رغم أن الحزبين يتنافسان على المنصب منذ زمن بعيد. وفي انتخابات نوفمبر المقبل، يتواجهان بعناوين جديدة، فترامب بما يمثّله من تقاليد "بيضاء" وسياسة محافظة، وخطاب شعبي يحمل سمات قومية وأصولية، في مقابل هاريس، وهي سيّدة ملوّنة لديها "حلم" حسب مفهوم مارتن لوثر كينغ، وتتبنّى خطاباً معاكساً، ولديها هوية أنثوية هي أساسية في جوهر حملتها الانتخابية، وواحدة من نقاط ارتكاز الديمقراطيين. ويمكن اختصار هذا النزال بمواجهة بين رجل وامرأة، ومن ضمنها المفاهيم الجنسية. ويتضح ذلك في خطابات المرشّحين، حيث التركيز على الجنس والمظهر، فلا يجد ترامب بأساً بوصف كامالا "الجميلة"، ويكمل: "جميلة تشبه زوجتي"! رغم أنه واجه سيدة سابقاً، إلا أن النزال عندها كان مختلفاً، إلى حدٍّ ما. فهيلاري بيضاء، ما يعني أن أصول كامالا تدخل عاملاً جديداً في المواجهة.
من المبكّر الحديث عن فائز أو احتمالية فائز، فقد أثبتت استطلاعات الرأي هامش خطأ كبير في انتخابات 2016 وحتى في انتخابات 2020، والاستطلاعات تتذبذب بشدّة، بحسب ما يمكن أن يستجد. ومعروفٌ أن مسؤولي الحملات الانتخابية يتصيّدون للطرف الآخر أقلّ السقطات، ويخبئونها انتظاراً للوقت الحاسم، ولكن المعيار الأهم هنا، هو شخصية المرشحين وتجربة كل منهما.
سباق الحصول على لقب أول سيدة تدخل البيت الأبيض، دونه مفاجآت، واحدة منها تأتي من جمهور المرشّح الديمقراطي روبرت كينيدي، الذي انسحب رسمياً قبل يومين، وأعلن قسم من مؤيديه على وسائل التواصل أنهم سيصوّتون لترامب الذي قهر سابقاً سيدة طموحة وخلفها إرث عميق وجماهيرية كبيرة، ويأمل أن يعيد الكرّة، وإن نجح في ذلك فسيسجّل على اللائحة بوصفه الرئيس الثاني في الولايات المتحدة الذي حكم فترتين رئاسيتين غير متتاليتين.