ما يطلبه القرّاء
هل تتغيّر أساليب الكتاب بالكتابة والتعبير بناء على آراء القراء؟ هل ينطبق ذلك إن كان الأمر يحدُث فعلاً على كل أنواع ومجالات الكتابة؟ هل يتدخل القارئ المتلقي في عملية الكتابة قبل النشر وبعده؟ هل يتقبل الكاتب هذا النوع من التدخل إن بدر من القارئ بشكل مباشر أو غير مباشر؟
كان النفي هو إجابتي الموحّدة عن مثل هذا النوع من الأسئلة، على اعتبار أن الكاتب الحقيقي لا يكتب وفقاً لمدرسة ما يطلبه المستمعون، أو لقرّاء في حالتنا هذه، ولكن يبدو أن بعض المعطيات التي عايشتها على هذا الصعيد غيّرت قليلاً من أفكاري على هذا الصعيد، وخصوصاً بعد تواصلي المباشر وشبه المباشر مع القرّاء. ساعدني في الوصول إلى هذه النتيجة بعض القرّاء المواظبين على قراءة ما أكتب منذ بداياتي. ورغم أنهم قلة قليلة عددياً، إلا أنهم يبدون قادرين على الوصول إلى نتائج مؤكّدة في اختبار الفكرة.
تخبرني إحدى القارئات المواظبات على قراءة مقالاتي منذ سنوات طويلة أن شيئاً ما طرأ على أسلوبي في كتابة المقالات لا تعرف كيف تحدّده، لكنه واضح بالنسبة لها تماماً. قلت لها، وهي أيضاً صديقة، منذ متى رصدتِ تلك التغيرات؟ وهل هي إلى الأفضل أم أنها إلى الأسوأ؟ فقالت: لا أدري بالضبط منذ متى ولكن خلال السنوات القليلة الماضية. أظن أن مقالاتك أكثر قرباً من الناس غير المتخصّصين في الأدب والشعر والنقد، وهي مجالاتك المفضلة في الكتابة عادة.
نعم .. أعرف أن هذا حدث فعلاً. وأعرف أن السبب المباشر فيه هو دخولي في عالم وسائل التواصل الاجتماعي بقوة، وبكل صورها تقريباً. أعترف أنني فعلاً تغيّرت بعدها تدريجياً، وأن ما كنت أكتبه في المقالات الصحافية تحديداً قبل ظهور هذه الوسائل يختلف في الموضوع، وأحياناً في الأسلوب، عما كنت أكتبه في السابق.
تمتد تجربتي في الكتابة الصحافية اليومية على ما يزيد عن 30 عاماً، قضيت نصفها قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، والنصف الآخر بعد ذلك. وبالتالي، أستطيع أن أتلمّس تلك الفروق التي نبهتني إليها صديقتي القارئة بوضوح أكثر.
كنتُ مثلاً قبل "تويتر" لا أعرف قرّائي. لا أعرف ماذا يريدون وما هي اهتماماتهم، ولا أعرف آراءهم في ما يقرأونه لي إلا نادراً وببطء شديد، وغالباً ما تخضع تلك الآراء القليلة التي تصل إليّ للمجاملة، خصوصاً أن معظم من يعبّر لي عن رأيه يكون من معارفي أو زملائي أو أصدقائي أو القرّاء الذي أواجههم وجهاً لوجه في ندوة أو فعالية ثقافية أو مناسبة اجتماعية ما. وهذا يعني أن آراءهم تندرج في الغالب في سياق المقولة التراثية المعروفة؛ "المعاصرة حجاب"، فمعاصرتهم لي، بكل مستوياتها وأنواعها، أصبحت حجاباً حقيقياً بيني وبين آرائهم الحقيقية في ما أكتب.
أما في عصر الإنترنت المفتوح وتطبيقاته الكثيرة والتي اختصرت المسافة بيني وبين القراء، فقد أصبحت أعرف بالضبط من أخاطب في أثناء الكتابة الصحافية، أو الكتابة الذاهبة إلى النشر فوراً، وصرت أحياناً أعرف طبيعة ردود الفعل المتوقعة، وبسرعة كبيرة وبصراحة وجرأة ومباشرة. فبمجرد أن أضع رابط المقال المنشور في حسابي في "تويتر" أو غيره من وسائل التواصل الاجتماعي، حتى أبدأ فوراً باستقبال الردود التعليقات والآراء والتنويهات والتصديحات وغيرها من ردود الفعل المختلفة، ما جعلني، بمرور الوقت واستمرار الكتابة والنشر، أعرف مزاج القرّاء عموماً، وأعرف ماذا يريدون!
أما الحديث عن بقية الأسئلة والإجابات، وخصوصاً على صعيد ما يتعلق بالكتابة الإبداعية، كالشعر والنقد.. فتحتاج وقفة إضافية مقبلة.