سؤال الكتابة... سؤال الحياة

17 أكتوبر 2024

(عبد الكريم مجدل بك)

+ الخط -

لماذا نكتب؟ لطالما سألتُ نفسي هذا السؤال منذ أدركتُ أن الكتابة قدري الجميل، وهوايتي الأثيرة، وأيضاً عملي وشغفي واستراحتي أيضاً... إجابات كثيرة توصلت إليها على هذا الصعيد، متغيرة وفق الظروف المتغيّرة والاحتياجات المتغيّرة والشغف المتغيّر أيضاً. المهم أن أبقى على قيد الكتابة دائماً، بحثاً عن إجاباتٍ لأسئلة مستحيلة تنبثق من عالم الكلمات. ولا أهتم كثيراً إن كانت تلك الإجابات مقنعةً أم لا، فالمهم دائماً أن أمضي بها لأستمرّ، ولتكون وقودي لكتاباتٍ جديدة.

أقدّم دورات في الكتابة وفي الصحافة أيضاً، وفي كل دورةٍ أجدني متغيّرة أمام المتدرّبين، وإجاباتي أيضاً متغيّرة في شكلها أمام أسئلتهم. ولذلك أفرح بتلك الأسئلة، وأحتفي بكل جديد ومثير منها... أشجّعهم على إنتاج مزيدٍ من الأسئلة الصعبة بشأن ما يتعلق بعالم الكتابة. هل أعتبر الكتابة سرّاً؟ لعلها كذلك، ونحن الكتّاب الباحثين عن الأسرار الخفية وراء الكلمات، لا نصل. المهم دائماً أن تستمر رحلة البحث، بالنسبة للكاتب وللقارئ أيضاً. ولذلك، أرى أن المتلقّي أو القارئ المحترف لا يهمّه الوصول إلى الإجابات وهو يقرأ نصّاً ما بقدر ما تهمّه المتعة في أثناء الرحلة ووجود ما يجعله يستمرّ في المشي بين السطور.

والحكاية كلها بدأت ككل الحكايات الصغيرة في بدايات العمر، ككل الأحلام وكل الجنون الذي نفكر فيه باعتباره العقل الكامل، ثم نصل إلى مرحلة الانغماس الكلي فيه.

الكتابة بالنسبة إليّ ليست مجرد تدوين أفكاري وأحلامي وطموحاتي، وليست تفريغاً عاطفياً كما يظن كثيرون، بل هي أنا. حتى أنني عندما أريد أن أتذكّر متى بدأت الكتابة تضيع الذكريات، ولا أعرف.

لا أتذكّرني بلا فكرة تصلح للكتابة، ولا أتخيّلني بعيدة عن الأقلام والأوراق، ثم لاحقاً عن لوحة المفاتيح. أحياناً أكتب كلماتٍ مبهمة وجملاً غير مفهومة، وأعتبر ذلك نوعاً من الممارسة اليومية والتدريب المستمرّ حتى أقنن الأمر وأبرّر لنفسي ضياع وقتي في كتاباتٍ لا يقرأها أحد، ولكن الحقيقة وراء كل تلك الكتابات العشوائية غير ذلك. إنها نوعٌ من التنفس الذي لا أستطيع الحياة من دونه.

كانت الكتابة ملاذي الجميل وعزلتي المحبّبة، ولم أكن أعلم أنني سأصل بها، وستصل بي، إلى جغرافيات بعيدة جدّاً لم أكن أعرفها. وعندما بدأتُ مرحلة نشر ما أكتب في الصحف المحلية في الكويت، سرعان ما وجدتُ نصوصي تحلّق بعيداً عني، وتسافر إلى تلك الجغرافيات البعيدة بلغتي العربية وبلغات أخرى، حتى قبل أن أتمكّن من السفر. ليس لديّ طموح ثقافي محدّد، لكي أعرف أن تجربتي في الكتابة والنشر والترجمة قد لبّت طموحي أم لا، لكنني، وبعد عقود في الكتابة والشعر والتأليف والصحافة والنشر، وبعد عدة كتبٍ صدرت لي، أشعر أنني لم أغادر بعد خطوتي الأولى، وأن كلمتي التي أودّ كتابتها فعلاً ما زالت معلقة بانتظار الفتحة والضمّة والكسرة والسكون، وأنني ما زلت أتهيّب الرحلة، على الرغم من الشوق الكبير الذي يعتريني كلما جلست على طاولة الكتابة. أما الحضور فلا يهم كثيراً لدى الآخر ما دام قد تحقّق لدي.

نعم.. أنا حاضرة أمام ذاتي، شاعرة وكاتبة وباحثة أبدية عن حقيقة الكلمة، وأنا أيضاً في خضم الشك بهذا كله أعيش وأستمرّ. ولا أريد الوصول النهائي إلى يقين الكتابة.. حتى لا تنتهي الرحلة الممتعة. نهايتها بالموت وهذا الموت الجسدي هو اليقين الكبير في حياتنا جميعاً.

CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.